اطبع هذه الصفحة


مسألة هل للزوج المسلم منع زوجته الكتابية من شرب الخمر على مائدته، وفي بيته ؟

خالد بن عبدالله الغليقة

 
الذي يظهر لي أن الزوج يمنع زوجته من ذلك ؛ لأمور:
- الأمر الأول:
أنها بذلك أظهرت شربه عند مسلمين، فالبيت بيت مسلم، والأولاد مسلمون، فهذا من الإظهار الذي مُنع منه أهل الذمة.
- الأمر الثاني:
أن المنع من شرب الخمر يدخل في حماية العقل، وهذه الحماية من الكليات الخمس التي قامت عليها الأديان، بل إنها من أهم هذه الكليات؛ لأن التفريط فيها وعدم مراعاتها سبب للتفريط بالكليات الأخرى.
فكثيرًا ما تنتهك الأعراض بسبب غياب العقل وذهاب الفكر، وكثيرًا ما يعتدى على الأنفس بسبب فقدان العقل، وعدم حضور الذهن.
ولهذا لما قيل لذاك الرجل من بني إسرائيل: اقتل، رفض، وزين له الزنى فأبى، فلما قدمت له الخمر شرب فكانت نتيجة شربه الزنا، فلما زنا قتل(1)، فكان غياب العقل سببًا لانتهاك العرض، والاعتداء على النفس، وكما في الحديث عن أبي الدرداء -  رضي الله عنه  - قال: (أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - «لا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر»(2).
- الأمر الثالث:
أن المسلم مسئول عن رعيته الذين هم أهل بيته، وترك الزوجة تشرب الخمر من أعظم المنكرات التي يجب على المسلم أن ينكرها.
وإذا لم ينكر ذلك يكون غاشًّا لرعيته، ويدخل في الحديث الذي توعَّد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الغاش لرعيته بتحريم الجنة عليه(3).
- الأمر الرابع:
أن الخمر طريق التباغض بين الزوجين، وبين الزوجة وبقية أهل البيت، وما كان سببًا للفرقة، وعلة التباغض يجب أن ينكر وينهى عنه، ودليل ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90 - 91].
فربط سبحانه وتعالى فلاح أهل البيت بترك الخمر، وجعل من أسباب البغضاء، والعداوة بين أهل البيت شرب الخمر.
- الأمر الخامس:
أنه إذا سمح الرجل المسلم لزوجته بشرب الخمر على مائدته فقد وقع في النهي، ففي الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر»(4).
قال عبد الله الغماري: القاعدة الشرعية المستمدة من الأحاديث وإجماع العلماء أن كل ما حرم فعله تحرم مشاهدته والمساعدة عليه بأي نوع من أنواع المساعدة، واستدل بهذا الحديث(5).
- الأمر السادس:
أن الخمر محرم في دين الزوجة. قال أبو حامد الغزالي: "لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر، والقتل، والزنى، والسرقة، وشرب المسكر"(6).
وقال الشيخ أبو زهرة: "ليست الخمر حلالاً في دين من الأديان، فاستباحة النصارى لها ليست مشتقة من دينهم ؛لأن دينهم حرمها، وفي ذلك قال القمص (بولس باسيلي) في مجلس الشعب المصري في 16 مايو 1976م بمناسبة مشروع قانون تحريم الخمر قال: " لعله يتبادر إلى ذهن بعض من غير الراسخين في علم المسيحية بأنها توافق على الخمر".
ولكن إذا كان القرآن يحرم الخمر فإن المسيحية تقول: إن الخمر مستهزئة بل إنها تحرم النظر إلى الخمر، لأنها تلدغ مثل الحية، والمسيحية تتفق مع الإسلام في تحريم الخمر.
- الأمر السابع:
على القول بأن الخمر مباحة في دين الكتابية فليس معنى هذا أنها مطلوبة، والتدخل لمنعها لا يعني تدخلاً في الحرية الدينية، وإنما يكون التدخل إذا كان أمرًا يفرضه دينها عليها أو يحببه لها ويمنعه الإسلام ويعاقب عليه، ومما يدل على أنه ليس أمرًا مفروضًا، ولا محببًا في دينها، أن أمريكا النصرانية نفسها حاولت منعه بالقانون...، وهناك دعوات من أوربا من بعض الجمعيات لمكافحة المسكرات.
- الأمر الثامن:
إذا كان الشرع نهى عن تزويج المرأة المسلمة للذمي، وكان من حكمة هذا النهي حتى لا يسب الزوج الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم فيؤذيها في دينها، وليس لها استطاعة تمنعه، فهذا يدل على اهتمام الشرع بمعتقد الفرد المسلم، ولهذا للزوج المسلم منع زوجته من إيذائه في دينه، أو في جسده، أوفي تضييع حق من حقوقه كالاستمتاع بها، ومعلوم أن شرب الخمر سبب لغياب العقل، وغياب العقل سبب للاعتداء على الدين والعرض والنفس، ولهذا قال بعض العلماء:
" للزوج أن يمنعها من المسكر وإن كانت ذمية ؛لأنه يمنع الاستمتاع بها، فإنه يزيل عقلها، ولا يأمن من أن تجني عليه "(7).

* شبهة وردّها:
قد يقول قائل: إذا سلمنا بأن الخمر الأصل أنه محرم في دين الزوجة الكتابية يلزمنا أن نمنعها من الاعتقاد الشركي بأن عيسى ابن الله، وغير ذلك من الشرك، ونمنعها من الذهاب إلى الكنيسة للتعبد بدينها المنسوخ وكتابها المحرف لأن الأصل في دينها التوحيد، وعدم الشرك.
** الـجــواب :
أن هذا الاعتقاد الشركي في الباطن، وليس في الظاهر، وكثير من أحكام الشرع منوطة بالظاهر، ولهذا لو تكلمت بمعتقدها أو دعت إليه تمنع، بل ينتقض الأمان الذي بينها وبين المسلمين، فإظهار شيء من دينها المحرف ممنوع، ولهذا منعوا من إظهار الصليب أو رفعه على الكنائس، وكذلك منعوا من ضرب الناقوس، وغير ذلك من شعائرهم الظاهرة.


----------------------------------------------
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (5586) من رواية عثمان  رضي الله عنه  .
(2) أخرجه ابن ماجه (3371) وحسن إسناده البوصيري في الزوائد.
(3) أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142) من رواية معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَا من عبد ٍيسترعيه اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يوم يموت وَهُوَ غَاشٌّ لرعيته إِلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ].
(4) أخرجه أبو داود (3774) من رواية ابن عمر رضي الله عنهما.
(5) " الحاوي في فتاوى الغماري" (ص 66).
(6) «المستصفى» (1/ 287 - 288).
(7) «المغني» (10/223).
 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية