اطبع هذه الصفحة


في السعودية بتدين الدولة ساد الشعب وأمن
وبتدين الشعب سادت الدولة وأمنت

خالد بن عبدالله الغليقة

 
 مما يحسن أن يعرفه السعوديون حكومة وشعبًا ومسؤولين أنه لولا تدين الشعب لما سادت الحكومة وأمنت , ولولا تدين الحكومة لما ساد  الشعب وأمن في وطنه , ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى :} وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون{ (1), فإذا ظلم الشعب نفسه , وظلمه في انتكاسته دينيًا , وميله إلى المخالفة الشرعية أعلاها الشرك وأدناها الفسق كما قال سبحانه وتعالى : }إن الشرك لظلم عظيم{ (2), وقوله سبحانه : }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون{ (3) , وقال سبحانه :     }فمنهم ظالم لنفسه { (4), فإذا الشعب بجميع مستوياته ترك تحكيم الشرع في نفسه دخل في قوله سبحانه وتعالى : }وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا{ (5) فأي ظلم ينزل بهم فهو بسبب ما كسبت أيديهم كما قال سبحانه: }ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون { (6) فأي تسلط عليهم وفساد فهو بسبب ما كسبت أيديهم , وبعلة ظلمهم أنفسهم , فبقدر ظلمهم وفسادهم يسلط عليهم , والعكس صحيح فكلما صلح الشعب وتدين , وحكَّم الشرع في نفسه خف التسلط وحُميت الحقوق والأرواح والأموال يقول تعالى : } وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد { (7) , وكما في الحديث : ( كما تكونوا يولى عليكم ) (8)والنص التالي يوضح ذلك من خلال المفارقة بين الحالة السعودية المحافظة , وغيرها من الحالات التي تقل فيها المحافظة يقول النص : " لا يستطيع ملك المملكة العربية السعودية , أو حاكم أبو ظبي , أو أمير البحرين أن يأمر بإعدام المعارضين السياسيين ( وإن كان يستطيع أن يأمر بحبسهم ) لأن الاعتبارات الدينية لا تسمح بتصرف كهذا, على خلاف الوضع في عدد من الدول الثورية حيث تجيز حماية الثورة للقائد أي إجراء ولو تضمن إبادة الآلاف . ولا يستطيع أي حاكم في الخليج أن يأمر بمصادرة أموال أي مواطن , أو شركاته أو منزله لأن حرمة الملكية الخاصة مصونة ( على خلاف الوضع حيث تسود الاشتراكية ) . ويندر في الخليج أن تقوم حكومة بمحاربة إنسان في رزقه لأسباب سياسية ( وهو أول إجراء يتخذ في عدد من الدول العربية ) " (9)  يدل على ذلك قوله تعالى : } الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {(10).

أما عن الشطر الثاني من المعادلة , وهي أنه بتدين الشعب سادت الدولة وأمنت , هذا الشطر من المعادلة مبني على الشطر الأول ونتيجة له , فإذا تدين الشعب تدينت الدولة كما في الآية : }وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا{ (11) والحديث السابق : ( كما تكونوا يولى عليكم ) (12), عبر عن هذا الترابط الأمير محمد الفيصل عن والده الملك فيصل حيث يقول:   " هناك من يقول إن فيصلاً كان محافظًا في حياته العامة وفي إدارته ... هذا الكلام يغفل حقيقة أن فيصلاً كان يحكم بلدًا محافظًا وشعبًا متدينًا ... أما الخروج على شرع الأمة وتقليدها فلم يكن واردًا أصلاً . فيصل كان رجلاً شديد التدين , محافظًا ومتمسكًا بأخلاقيات دينه وعروبته , ومقدرًا لتقاليد مجتمعه ؛ وهذا سر الصلة الوثيقة بين الراعي والرعية في هذه البلاد ولنا فيمن خرج عن إرادة شعبه عبرة في تجربة شاه إيران فعندما خرج على شرعهم خرجوا على شرعيته وأخرجوه ثم عادوا إلى شرعهم من جديد " (13) . هذا النص عن الملك فيصل المتوفى سنة 1395هـ يجعلنا نفهم أكثر رسالة الملك عبد الله لرئيس دولة عظمى تمسك بمفاصل القوة في العالم تقول الرسالة : " إن قيادة المملكة ليست مثل شاه إيران الذي وضع مصالح الدول الأجنبية قبل مشاعر شعبه " (14) .

بل صرح الملك عبد الله مرةً بالترابط الوثيق بين دين الدولة ودين الشعب السعودي حين عُرضت عليه رسالة خارجية تطلب التخفيف من التعليم الديني في السعودية : " فانتفض وهو يستمع إلى المطلب قائلاً : هل يريد هؤلاء أن نخرج على عقيدتنا ومبادئ ديننا وأعراف مجتمعنا مقابل أن يرضوا عنا ؟ ومن هؤلاء الذين يكيدون هذا الكيد , ومن يتبنى أمر مواجهة الدولة بمسلميها ؟ وماذا يبقى لنا إذا حدث هذا الأمر لا سمح   الله ؟ " (15).
فإذا تدينت الدولة وصح إيمانها فالوعد الإلهي والعاقبة الربانية هي التوفيق والنصرة في السيادة الداخلية , والتي هي أساس السيادة الخارجية كما قال سبحانه وتعالى : } وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا{  (16).
ولو قام أحد بمراقبة المشهد السياسي مع قراءة لتاريخ صناعة السياسة والسيادة والأمن في السعودية لعلم علمًا يقينًا بأن هناك أمرًا غير عادي كان حليفًا لتلك السياسة والسيادة والإجراءات الأمنية والعسكرية , وهو التوفيق الرباني , والوعد الإلهي , وعاقبة الإيمان الصحيح .

فيحسن من السعودية والسعوديين شعبًا ومسؤولين أن يعرفوا قدرهم ومكانتهم , وأنهم لم يكونوا في زمن انبعاثهم وزمن بزوغ نجمهم  وسطوع شمسهم السياسي والاقتصادي على العالم , وتكوين دولتهم العصرية التي استغرق بناؤها في كثير من الدول المتقدمة قرونًا , لم يكونوا أفضل الناس تعليمًا عصريًا , فلم يدرس ساستهم في أقسام السياسة في السوربون أو في كمبردج , ولم يدرسوا علم الجيوبلتك أو الأنثربولوجيا في هارفارد , ولم يدرسوا العسكرية في الشرق أو في الغرب , بل لم يكن لديهم لغة غير لغة القرآن , فيجب أن يعرفوا أنه لولا هذا التوفيق الرباني والوعد الإلهي لما استطاعوا , ولما قدروا , ولما قاموا بهذه المنجزات على الصعيد السياسي والسيادي , وما يتعلق بهما من مكتسبات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني . فليحمدوا الله قولاً وذلك بأن يبلغ الناس , ويربى الأجيال , ويدرس التلاميذ هذا التوفيق الرباني , وعاقبة الوعد الإلهي , وأثر الإيمان الصحيح على معادلة السيادة , وعلى العملية السياسية والاقتصادية , والسلم الأهلي , والاستقرار الأمني , وليحمدوا الله عملاً بأن يحافظوا على هذه المكتسبات, وتلك المنجزات , وذلك بتكريس أسبابها , وترسيخ عللها , والمحافظة على مبادئها , هذا إذا أرادوا أن تدوم الحال .

وتبقى المسألة السعودية أنموذجًا حيًا وماثلاً لمن أراد معرفة كيفية الجمع بين الأصالة والمعاصرة , والتعرف على معادلة بناء السيادة والسياسة والاقتصاد القوي عن طريق الإيمان القوي , والعقيدة الصحيحة , والتوحيد الخالص , وتبقى الحالة السعودية تجربة شامخة لبناء دولة قوية عصرية عزيزة في زمن قصير .

فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم قال تعالى : } وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم { (17), وقال تعالى : } وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال { (18) فالعقيدة الصحيحة في ذلك أن الأصل أنه لا يريد الله بقوم سوء إلا إذا أرادوا بأنفسهم سوءًا , وذلك بعمل السوء , وفي رأيي أن من السوء أن يُترك الناس والأجيال والتلاميذ لا يعرفون أثر التوفيق الرباني , وعاقبة الوعد الإلهي الذي صاحب هذه المنجزات وتلك المكتسبات , ومن السوء في نظري أن يُترك هؤلاء الناس والأجيال والتلاميذ لا يعلمون الترابط القوي بين الإيمان الصحيح , وبين الاستخلاف في الأرض والأمن ورغد العيش والنجاح على الصعيد السياسي والسيادي كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن نوح : } فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين { (19) .
 
-----------------------------------------------
(1)  سورة الزخرف , الآية : 78 .
(2)  سورة لقمان , الآية : 13 .
(3)  سورة المائدة , الآية : 45 .
(4)  سورة فاطر , الآية : 32 .
(5)  سورة الأنعام , الآية : 125 .
(6)  سورة الروم , الآية : 41 .
(7)  سورة إبراهيم , الآية : 14 .
(8)  رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي بكرة، ورواه البيهقي عن أبي إسحاق السبيعي مرسلاً. وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم من المتقدمين الحافظ ابن حجر ومن المتأخرين الشيخ الألباني فقد جمع طرقه في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 490.
(9)  أزمة الخليج محاولة للفهم , ص 146 .
(10)   سورة الأنعام , الآية : 82 .
(11)  سورة الأنعام , الآية : 129 .
(12)  سبق تخريجه .
(13)  الأمير محمد الفيصل يتذكر , خالد باطرفي , ص 164 .
(14)  أمريكا والسعودية حملة إعلامية أم مواجهة سياسية , غازي القصيبي , ص 80 .
(15)  محاكمة العلوي والخفاش بتصرف يسير . مصطفى الأنصاري , ص 67 .
(16)  سورة النور , الآية : 55 .
(17)  سورة محمد , الآية : 38 .
(18)  سورة الرعد , الآية : 11 .
(19)  سورة نوح , الآية : 10 .


 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية