اطبع هذه الصفحة


خلاصة في التكفير

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه


بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة في التكفير


ورقتي في المؤتمر العالمي لظاهرة التكفير المنعقد في المدينة المنورة 22-24/10/1432
فندق المريديان
الجلسة الأولى الثلاثاء 22/10 التاسعة صباحا.
برئاسة معالي د سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام.


المداخلة الأولى
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

- التكفيرحكم شرعي:

معناه: أنه مقر شرعا وثابت لا يملك أحد نفيه أو إلغاءه. وهذه نصوص القرآن والسنة طافحة بكفر كل من لم يتبع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

ومعناه أيضاً : أن الذي له أن يحكم بكفر فلان هوالشارع؛ آية أو حديث قطعي الثبوت والدلالة. أو قياس مكتمل الأركان والشروط. ليس موكولا إلى الآراء.

هذان المعنيان من الأهمية بمكان؛ لأن فيهما ردا على اتجاهين:

الأول: يكاد ينكر حكم التكفير من أساسه. وينحو منحى وحدة الأديان؛ أي المساواة بينهما جميعا في إصابة الحق، ونجاة أتباعها من النار. وهذا اعتقاد مخالف لإجماع أهل الإسلام والقرآن والسنة.
الثاني: أعرض عن العمل بشروط التكفير وحدوده وموانعه. والتفريق بين كفر المعين والكفر المطلق. ولم يعلق هذا الحكم بمن توكل به شرعا، ففتح باب التكفير بأدنى سبب، وجعل ذلك علامة على الثبات في الدين، بينما الثبات يكون بما أثبته الدين، لا بما أثبتته النفس.

إن ما كان باختيار يمكن أن يزول باختيار، والأديان اختيارية وليست اضطرارية؛ بدلالة وجود ملحدين، ومن اختار الإسلام يمكنه العدول عنه، وحينئذ يخرج منه، ما دام باختياره وطوعه. قال تعالى:( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة).

- اليقين لا يزول بالشك. وتلازم الظاهر والباطن.


فهنا شرط مهم في تكفير المعين، ومن ثم إقامة حد الردة عليه: أن يتوثق من إرادته واختياره الكفر، لا أن كفره جاء عفوا، أو جهلا، أو نسيانا، أو كرها، أو اشتباها وتأويلا، أو بسبب من الجنون. ولذا شرط العلماء إقامة الحجة؛ بإثبات الشروط، وانتفاء الموانع. لأن بها يحصل التوثق من إرادته الكفر باطنا، كما بدا ظاهرا.


وبهذا يحصل اليقين بزوال إيمانه وإسلامه، وحينئذ ينزل به الكفر، أما ما دون ذلك وبغيره، فيبقى اليقين بإسلامه قائما، ولا يقوى الشك بكفره على إزالته. والقاعدة الشرعية المعمول بها المضطردة: أن الشك لا يزيل اليقين. فالمسلم على الإسلام يقينا، ولا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله، سواء سواء، يشهد بزوال إسلامه.
هذا التفصيل متعلق بحكم دنيوي، يقام على الواقع في الكفر، فلا يقام إلا بمثل ما سبق من شروط. فأما ما يتعلق بحكم الآخرة، فهذا أمره إلى الله تعالى، لا نتدخل فيه بشيء.

- تكفير المعين والتكفير المطلق.


كثير من غير المختصين بالعلوم الشرعية، لا يدرك الفرق بين تكفير المعين والتكفير المطلق، فإذا سمع من يقول بكفر العمل الفلاني، نزله على الأشخاص الذين يعملونه. فاستنتج من ذلك:
أن هذا القول يتضمن تكفيرا لهم بأعيانهم.
وهذا فهم خاطيء؛ فلا يلزم من تكفير العمل، تكفير العامل. ومبدأ إقامة الحجة، ذلك القانون المتكامل، يرد على هذا ويبطله.
نوضح ذلك بما يلي:

هذه العملية تتم بالمراتب التالية:

أولا: وصف الفعل في ذاته بأنه كفر، وفق النص وليس بالرأي. وهذه عملية ذهنية.

ثانيا:
وصف الفاعل غير المعين (= المجهول) بالكفر. يقال: من صلى لغير الله تعالى كفر.
لكن من هو؟.
هو مجهول العين، غير معين.

في هاتين المرتبتين يشترط للحكم، ثبوت الدليل القطعي سندا ومتنا. على تفصيل فيه.

ثالثا:
إيقاع الحكم على فاعله المعين، وهذا يشترط فيه إقامة الحجة كما تقدم.
إذن، بين الحكم على الفعل، والحكم على الفاعل مفازة وفجوة لا تسدها إلا إقامة الحجة.
مثال على ذلك:
أخذ المال من حرز الغير، يسمى: سرقة.
الإيلاج في فرج أجنبي، يسمى: زنا.
إزهاق روح إنسان، يسمى: قتلا.
كل ذلك من حيث صورة الفعل ذاته. وفاعله غير المعين يقال عنه: سارق. زان. قاتل.
فأما الفاعل المعين، فلا يقع عليه الحكم إلا بشرط إقامة الحجة بتفاصيلها. فربما سرق كرها، أو أخذ المال يظنه ماله، أو أخذ ليطعم نفسه وأولاده خشية الموت.
والذي أولج ظن أنها زوجه، فلم يتحقق لظلام أو عمى.
والذي أزهق الروح فعل ذلك، لأنه كان ينفذ حكما شرعيا، أو جهادا في سبيله.
فكل هؤلاء لا يثبت عليهم ذنب ولا حد للمانع. مما يثبت أن مجرد مواقعة الفعل لا يثبت حكما على معين، حتى لو وصف الفعل ب( سرق. زنى. لقتل)
لكن لا يوصفه به الفاعل(= سارق. زاني. قاتل).

- اتساع الأعذار مع تغير الأحوال.


كلما ضعف سلطان الشريعة وقوي سلطان الشبهات والشهوات، كان العذر أمكن وأوسع؛ لذا فإن الله تعالى لم يؤاخذ أهل الجاهلية؛ الذين لم تبلغهم الرسالة كليا أو جزئيا: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
ولم يؤاخذ المكرهين:( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)
ولم يؤاخذ المتأولين الذين اشتبهت عليهم الأحوال واختلطت: ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)
وفي مثل هذه الأحوال، الاشتغال بالبلاغ ونصيحة العباد، أولى من الاشتغال بتكفير الأعيان، فهذا حكم منوط معلق بالحاكم وجوبا، وغيره ليس من طريق الوجوب، إلا إن أنابه؛ لأنه حكم شرعي، فإن قام به غيره، فقد تحمل ما لم يؤمر به، فإن قام الدليل اليقيني عنده على كفر أحد. فله أن يعتقد كفره، لكن الاعتقاد المضمر شيء، والفتوى والحكم المعلن شيء آخر. والعالم المتبع المهاب؛ الذي له كلمة مقبولة عند الناس، إن تيقن كفر، بالتمكن من إقامة الحجة، فله أن يحكم بكفره.
هذا في تكفير أحد بعينه، أما وصف الفعل أو الفاعل المجهول غير المعين بالكفر، فهذه مهمة العلماء.
وفي وصف الفعل بأنه كفر، بعد ثبوت ذلك شرعا، يكفي في البلاغ ليحذر الناس.
 



 النص، وفهم النص.


مداخلتي في الجلسة السابعة الأربعاء 23/10/1432هـ، للمؤتمر العالمي لظاهرة التكفير في المدينة، فندق المريديان. الساعة الواحدة ظهرا. رئيس الجلسة معالي الدكتور ساعد العرابي الحارثي الأمين العام لجائزة الأمر نايف، مستشار سموه. مقرر الجلسة: أ.د عبد الله الغطيمل

من له حق فهم النص ؟.
بعض الكلام المطروح، ويوهم بأن لا أحد له حق فهم النص.
إذن، كيف يصل الناس إلى فهم النص؟.
هل يبقى النص بلا مفهوم محدد ؟.
هذه المشكلة الكبرى، أن يبقى النص الشرعي بلا معنى محدد؛ لأن حينئذ لا يعرف مراد الله تعالى، ولا ما أراده من البشر، ولا تقوم الحجة.
كيف تقوم الحجة، إذا كان النص يحتمل كل المعاني والقراءات حتى المتناقضة منها ؟.
لاحظ: المتناقضة منها، وما فيها من طعن في كلام الله تعالى وحكمته، هل يسوغ أن الله تعالى ينزل وحيا ينزل من السماءيجوز أن نفسره كما نشاء، ولو بالمعاني المتناقضة ؟.
{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
النص يحتمل قراءات مختلفة متنوعة لا متناقضة، في الفروع، أما الأصول، فالقراءات فيها لا تختلف أبدا، الأصول عقائد وفقه.
الذي له حق تفسير النص، ليس الافراد، بل محدد بالصحابة، ثم التابعين، ثم من تبعهم، ثم الإجماع، ثم الجمهور، دل على الأدلة.
وهكذا فإن الحق لن يكون محتكرا في فرد ولا جماعة، ولا فئة، بل في الأمة المرحومة، والفرقة الناجية المنصورة.

 



أساس العلاج


مداخلتي الثانية
في المؤتمر العالمي لظاهرة التكفير في المدينة
فندق المريديان الأربعاء 23/10/1432
التاسعة مساء
رئيس الجلسة:
معالي أ.د: عبد الوهاب أبو سليمان
مقرر الجلسة: د. محمود قدح


علاج أي خطأ وانحراف، يعتمد على أسّين: حسن التوصيف، والميزان.
حسن التوصيف بمعنى: عرض الظاهرة الخطأ كما هي دون مبالغة أو زيادة.
والميزان يتم به العلاج، وهو الدواء للداء.

من الملاحظ: أن هذين الأسين غائبان في طائفة من البحوث الملقاة.
الجماعات التكفيرية خطؤهم كامن في تكفيرهم بالشبهة، وبما ليس قطعيا، والجهل بأصول وكيفية إقامة الحجة، ثم استباحتهم لدماء المسالمين من الكافرين، يضاف إلى هذا خطؤهم في فهم معنى التترس.
أما خطأ الخوارج والذي به فارقوا الجماعة، وصار علامة عليهم، وكان لهم به رزايا وبلايا: أنهم يكفرون مرتكب الكبيرة. فهذه صفة جامعة لهم.

عن الميزان نقول:
مسألة الغلو في التكفير يقع ضمن المسائل الشرعية، والمسائل الشرعية معرفة صوابها من خطئها، ميزانها فقه السلف؛ أهل القرون الثلاثة المفضلة: الصحابة ومن تابعهم.
والدارس لطريقتهم وعملهم، وطريقة من سار على طريقتهم يجد العدل والرحمة وإقامة الحجة، وكل ما من شأنه التروي وحفظ الدماء، والتحذير من التسرع في التكفير.
وعندما يخصص بعض الباحثين في جزء من مباحثهم، لعلاج ظاهرة التكفير: إلغاء هذا الميزان، نقع في حيص بيص ؟!!.
بعضهم يلغيه صراحة، ويجعل من أسباب الغلو في التكفير: الرجوع إلى مذهب السلف عندما يقول: هناك من يدعي الحقيقة المطلقة، أو يقول: من الأسباب الادعاء بأن للنص مفهوما محددا.
ومذهب السلف يقوم على امتلاك الحقيقة المطلقة، وأن للنص مفهوما محددا.
الحقيقة أنهم يمارسون قضاء على سلاح أداة، كان لها الفضل في ثني كثير من التكفيريين عن مذهبهم، لما استعمل المناصحون هذا السلاح الأداة معهم.
كذلك أصاب الناصحون في التوصيف، فلم يحملوا هؤلاء التكفيريين ما لم يقولوا به، من أقوال الخوارج، فإن المخطئ مهما أخطأ، فهو على استعداد للتراجع، إلا أن يتهم بما ليس فيه، فذلك يعز عليه، ويزيد من نفرته.

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية