اطبع هذه الصفحة


التحرر والاحتساب لا يجتمعان

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10


بسم الله الرحمن الرحيم


بحكم الواقع، فإن جميع الحضارات والثقافات والديانات على مر التاريخ قديما وحديثا، قد أعطت القيادة والسيطرة للرجل على المرأة، وما تتشدق به الحضارة الغربية اليوم من أنها ساوت بينهما، فإنه كذب وخداع مكشوف، بل نزلت بها أسفل سافلين، وبعد أن كان لها أبلغ التأثير على الرجل، صارت لا تملك من أمرها شيئا. فأين هي المرأة الغربية اليوم؟
الغرب الذي أطلق عملية تحرير المرأة منذ مائتي سنة، لم يورثها شيئا سوى: العنف والإيذاء الاجتماعي، بل والحكومي. فالإحصاءات والدراسات والتحقيقات تنبؤ: أن المرأة تتعرض لأشد أنواع الاضطهاد بنسب مرتفعة في: الولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا. مهد التحرر، وتتنوع من: اغتصاب، إلى تحرش، إلى اعتداء بدني مبرح يترك آثاره حتى القتل. ولم تسلم مراكز الشرطة والتوقيف من التورط في هذه الأعمال العنيفة دون أي محاسبة من جهات القضاء. هذه المآسي لم تعد بحاجة للتوثيق من قبل منظمات متعهدة بحماية المرأة، فقد امتلأت بها الصور ومقاطع الفيديو، يكفي من أراد التوثق أن يكتب جملة: "العنف ضد المرأة" سواء في "قوقل" أو "يوتيوب" ليرى ما يهول ويؤلم موثقا بجهاز مراقب عفوي لم يقصد، لكنه وجد الحدث أمام عينيه، فسارع لتوثيقة إما لإدانة المجرم، أو هواية.
فقد آل حال المرأة في مهد التحرر الغربي إلى هذا، فلم تكن لتطمع - بعده - أن تتبوأ المناصب العليا إلا لماما؛ ليقال: انظروا! ها هي تحكم بريطانيا وألمانيا. لكن أحد لن يسأل: بعد مائتي سنة من التحرر، ألم يكن لها من التمثيل المساوي للرجل شيئا إلا واحد بالمائة أو حتى عشرة؟
هل هذه هي المساواة؟ وأين هي من الرتب القيادية في الجيش والوزارات وغيرها إلا لماما كذلك؟، لكن هذا التمثيل المحدود – اللمامي - هل يصح به الحكم بحصول المساواة؟
ثم إنه لا تزال في أجرها دون أجره، وهي التي تعمل كعمله، فمن حيث الحقوق والمساواة في المناصب، لم تحقق شيئا إلا الظهور والبروز؛ فبعد أن كانت بعيدة منزوية، صارت تحت الأضواء لاتخفى منها خافية، وتطلب ذلك أن يكون عملها مما يحقق هذا الشرط، فوجدتها تعمل كعارضة للأزياء، وفي الدعايات والأفلام، والغناء والرقص، هذا إن كانت ذات حظ، أما التعيسة فليس لها من العمل إلا أعمال النظافة، والخدمة في المطاعم والطائرات، بل بيوت الدعارة واللهو المحرم. يضاف له فقد الأبوين والأسرة، هذا ما عليه حالها في بلاد التحرير.
ذلك لأن الرجل هو المسيطر هناك بشريعته التي وضعها كيما تخدم مصالحه وحده فحسب، وربما خدمت شيئا من مصالحها هي أيضا، لكن بما لا يتجاوز إلى حدود الرجل. فقد كان يبتغي من وراء ذلك فرض السيطرة والثراء، فباسم "حقوق المرأة" أمكن إسقاط حكومات، ومجالس شعب، ووزارات. وباسمها وصورتها روج للسلع والأفلام والأزياء.
فحقيقة ما اكتشفته المرأة هناك: أنها لم تتحرر قط التحرر الذي يبني لها كيانا لائقا واحتراما كاملا، بل انتقلت من دور إلى دور لكنه أدنى:
فمن الأمومة إلى الدعاية والإعلان، ومن التربية إلى التمثيل. ومن عمل البيت إلى الخدمة في المطاعم والطائرات وبيوت الناس. ومن تنظيم وترتيب حاجيات أولادها إلى تنظيف دورات المياه والممرات والطرق في المنشآت العامة والخاصة. انتقلت من قوامة أبيها الشفيق الرحيم إلى قوامة كل من اضطرت للعمل عنده، فلا يأبه لكرامتها وأخلاقها وحالها.

هذا مما كان - وأسوأ من ذلك – في البلاد التي تحررت فيه، فهل تعلمون ما معنى هذا التحرر؟
التحرر له معاني، منها: التخلص من القوامة الشرعية؛ لتتصرف بغير إذنه، بالخروج والعمل وكل شيء، كما يتصرف الرجل بنفسه، وقد يظن للوهلة أنه مكسب، وهو من حقها، لكنا نحن مسلمون، نتبع القرآن، وهو يقول لنا: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}. والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر المرأة ألا تخرج، وألا تسافر إلا بإذن وليها، فهذا امتحان للمؤمنين: أنتبع كلام ربنا وأمره ودينه، أو أهواءنا وما أملاه الغرب علينا في علاقتنا بالمرأة؟
ومن معاني التحرر: التحلل من الحجاب. ليعود خيار ارتدائه إليها، لا تجبر عليه من ولي، وهو أمر لم يعرف طيلة تاريخ المسلمين، بل هو من تعاليم الملاحدة العلمانيين.
ومن معاني التحرر: أن تصادق وتخالل من شاءت من الذكور، وأن تهب لأحدهم جسدها بلا حرج، فلها حرية التمتع وقانون الحرية يحميها لو شاءت أن تزاني برضاها.
ومن ثم فلا يحق لأحد، إذا رأى ذكرا قد تعلق بأنثى يسير بها إلى حيث غرضه المستخبث، أن يتدخل مانعا بدء علاقة آثمة، هي سبيل لفساد عرض، وهدم بيت وأسرة، وحمل سفاح، وولادة لقيط. فكلها باسم الحرية مشروعة، غير المشروع أن يتدخل أحد في منع هذه الآثام، ولو كان والدها أو أخاها، فضلا عن رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولو فعل ذلك فهو المجرم الآثم المستحق للمحاكمة، والسجن، والتغريم. فمع التحرر لا معنى ولا مكان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ليس بغريب؛ فتحرير المرأة سعى قبل ذلك في إلغاء: القوامة، والحجاب، والفصل بين الجنسين. أفكان سيقبل بالتعايش مع شعيرة إسلامية تسمى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تفسد عليه هدفه وغايته من التحرر وهو: طرح المرأة متاعا رخيصا في سوق المتعة بلا مقابل إلا الإغواء والتحرش وربما الاغتصاب أيضا؟
كلا، فلا مكان لهذه الشعيرة في زمان وقانون التحرر، وهكذا كان ويكون، وانظروا! فما من بلد ساد فيه تحرير المرأة، إلا وانتفت منه وتلاشت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما على الناصح – في زمان غربته – إلا أن يسترجع ويحوقل، ويرفع يديه يدعو إما بالصلاح أو بالهلاك أو بالموت، لا يملك إلا أن يتجرع غصصا، ليس لما أصاب أهل الإسلام من انحلال جراء التحرر وانعدام الحسبة، بل لأن النار باتت حوله في بيته، فما عاد يملك منع بناته ولا أبنائه من التمتع بالحرية الكافرة، ولو امتدت يده لمنع إحداهن من علاقة غير بريئة مع أجنبي، فالويل له ولو كان أبوها، فقانون التحرر أقوى من ولايته، قادر على زجه في السجن وتغريمه وإذلاله، فلا يزال يرى بأم عينيه خراب ما أفنى عمره فيه رعاية لأولاده، يتهاوى بفعل هذا القانون التحرري اللعين، وليس بيده إلا أن يرجو الله تعالى أن يعجل في منيته.
نهايات التحرر بائسة، نار تحرق كل ما لقيت، فمن آذاه سماع هذا، فلم يتمن يوما أن يبتلى، فعليه أن يبادر مدافعا عن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائما بها، فإنه أمر الله تعالى لكل مسلم ما دام على إسلامه، لا يشترط لها أن يكون من المرصودين لها وظيفة، وأن يقاوم عملية التحرر الآثمة ابتداء بحفظ القوامة وعدم التخلي عنها مهما كلف الأمر، وحفظ الحجاب الكامل مهما لبس في حده المضللون، والفصل بين الجنسين في كل عمل منظم.
إنه دين الله تعالى أو التحرر، لا ثالث بينهما، والخوف من التقاعس والتخلي، أو التقدير الخاطئ بالظن أنها مبالغات من متشددين، فلم تعد هذه الاسترابات لها مكان عند أهل الحكمة، فقد تبين الرشد من الغي، فإن التحرر له تاريخ سابق، يظهر كل ما فيه من سوء، فمن أراد فليرجع إلى أحوال المرأة أوربا، ثم لدول الإسلام من حولنا، فلينظر وليقدر: أي شيء عليه حال المرأة هنالك، هل ثمة شيء يسر مسلما عاقلا، إلا أن يكون مرضيا لمنافق أو كافر حاقد على الإسلام؟
{أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون}. من كمل عقله أدرك النهايات بلا شواهد، فكيف والشواهد تغص في الأرجاء؟
إن كل ما تصبوا إليه المرأة من وراء التحرر لن تنال منه إلا شيئا يسيء إلى كيانها وروحها:
فإن كان تشتكي عنفا مع القوامة، فسترى من العنف ألوانا لم تعهد بلا قوامة. إن كانت تشتكي قلة في ذات اليد، فلن تزداد بالتحرر إلا فقرا وعوزا، وربما وجدت فتاتا من مال على عمل يأكل جسدها وعمرها. إن كانت ترنو إلى حياة بلا قيود، فما خطت بخطواتها إلا إلى غابة مليئة بالمفترسات أو واد غير زرع ولا ماء. إن أملت أن تساوي الرجل في الحقوق، فأمل بعيد لن يكون إلا بشرط أن تساويه في الخلقة وأنى لها ذلك؟ { لاتبديل لخلق الله}.
لكن في كل أمة فئة تبلغ بها السفاهة: أنها تجهد نفسها في إغراق السفينة لأجل هوى وشهوة. والحكمة تقضي بالأخذ على أيديهم والضرب عليها، كيلا تهلك الأمة بفعل هؤلاء الصبيان، وهذه منوطة بدرجة أولى بمن له ولاية شرعية: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}.
إن للمرأة حياة مصونة في ظل حجب ثلاثة: حجاب الشريعة، والقوامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تصون دينها وعرضها وسائر أمورها، متى زالت انكشفت للأعين الطامعة، فإذا ألقت حجابها، وغاب الحارس القوي، والناصح الأمين، فقد تخطت بقدميها إلى سوق النخاسة المعاصرة، فتتجول فيها الأبصار، فيطمع الذي في قلبه مرض، فتكون كالتي نزلت من قصرها إلى سوق المحتالين والمجرمين، فهل سيبقون لها ثوبا أو زينة أو عرضا؟!
 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية