اطبع هذه الصفحة


( واحد بالمائة 01, )

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
- نسبة الواحد إلى المائة تساوي: واحدا بالمائة ( 1
¬ 100= 01, ).
- نسبة الواحد إلى الألف تساوي: واحدا بالألف. (1
¬ 1000= 001, )
- والواحد إلى المليون يساوي: واحدا بالمليون. (1
¬ 1000000= 000001, )
- فإذا كان مليارا: فواحدا بالمليار. (1
¬ 1000000000= 000000001, )
وهكذا.. وهكذا.. بلا نهاية ؟!!.
فما يعني هذا ؟!.
وما فائدة هذه المقايسة، واستخراج هذه النسب ؟.
يقال: ما الملاحظ في كل مرة يزداد فيها أحد الرقمين مقابل الآخر ؟.
الجواب: تعاظم هذا، مقابله تضاؤل هذا !!.
وبما أن النظام العددي ليس له نهاية؛ فإن الرقم المتزايد لن يقف عند رقم، ولن يُحدّ بحدّ. وذلك يعني: تعاظمه بلا حدّ ..!!.
وبما أن العدد الجامد عند حدّ ( 1 ) سيقف عند حدّه، من غير تجاوز. فالنتيجة: تضاؤله أمام هذا المتزايد، ليصل إلى درجة: التلاشي، والفناء، والاضمحلال. كأنه لم يكن ..!!.


* * *


الدنيا في المثال، كالرقم الجامد على حدّ ( 1 )، والآخرة كالرقم المتزايد بلا حدّ ..!!.
- فالدنيا لها بداية، ولها نهاية. كالرقم الجامد: بدايته: من بعد نهاية الرقم السابق له. ونهايته: استكمال أجزائه إلى ما قبل بداية الذي يليه. مثلاً: الواحد (1). يبدأ بعد (0) من: 1, - 2, - 3, - 4, - 5, - 6, - 7, - 8, - 9, - لينتهي عند: (1).
- فأما الآخرة فلها بداية، ما لها نهاية. كالرقم المتزايد: 100
¬ 1000¬ 000 000 1¬  .. إلخ .


* * *


بعد ذلك:
- صدق القائل: الدنيا فانية، والآخرة باقية.
فناؤها ليس في انقضاء المدة فحسب، فهذا أحد معاني الفناء. بل هي بمدتها وعمرها متضائلة، متصاغرة، ما دامت قرينتها الآخرة متزايدة، متعاظمة، حتى تصل إلى حالة من الصغر، يوازي الفناء !.
- وصدق القائل: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.
فالدنيا كحلم نائم، رأى ما يحب وما يكره، فبينا هو كذلك، إذ استيقظ من نومه.. نسبة الحلم إلى اليقظة شيء لا يذكر: ثوان إزاء سنون وعقود.
ومع ذلك: فإن اليقظة لها حدّ تنتهي عنده، والآخرة لا حدّ تقف عليها.
وجاء وصف مدة الدنيا في القرآن الكريم، في الآيات:
- {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}.
- {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار}.
- {كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم}.
مقدار اللبث: عشية أو ضحاها..لا، بل ساعة من نهار.. أو ساعة تعارف؛ يلقى المرء فيها آخر، فيتعرف إليه.. يكلمه، ثم ينصرفا.
هذه هي الدنيا ..!!، هذه هي حياة الإنسان فيها:
حلم زائل.. ولحظة فانية.. ولقاء عابر.. حياة قصيرة، قصيرة، قصيرة.. جدا، جدا، جدا..!!.


* * *


وفي قانون البيع:
- لا يُشترى الواحد بضعفه؛ لأنه بخس.!!.
- ولا يُشترى الواحد بضعفه مائة؛ لأنه خسارة.!!.
- ولا الواحد بضعفه ألفا؛ لأنه غشّ.!!.
- ولا الواحد بضعفه مليونا؛ لأنه فساد، وقلة تدبير !!.
- ولا بضعفه مليارا؛ لأنه جنون، أو ضلالة !!.
فهكذا هو الذي يشتري الدنيا ( 1 ) بالآخرة ( 000 000 000 1
¬ ¬¬ 000).


* * *


وفي القرآن الكريم ثلاثة أصناف من الناس، هم الذين وصفوا بأنهم يشترون الدنيا بالآخرة، وهم: أولا: المنافقون. في قوله تعالى:
- {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.
ثانيا: اليهود. في قوله تعالى:
- {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}.
ثالثا: الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا قليلا. في قوله تعالى:
- {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار}.
فهي: حياة دنيا، وضلالة، وعذاب. اشتروها بالآخرة، وبالهدى، وبالمغفرة.
فلا تجارة ربحت.. ولا هداية تحصلت، ولا عذاب تخفف، ولا نصر تحصل، ولا نار عليه صبروا.
وصنف رابع هم: الكافرون. في قوله تعالى:
- {وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة}.
وصنف خامس هم: الذين انشرحت صدورهم بالكفر بعد الإيمان؛ أي بالردة عن دينهم. في قوله:
- {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون}.
هذه الأصناف الخمسة خارجة عن الإسلام، وكلها اتفقت على هذا المبدأ: شراء الدنيا بالآخرة.. استحباب الحياة الدنيا على الآخرة؛ بمعنى تقديمها، وإيثارها.
فصار من خلقها وصفتها، وعوقبوا لأجله بـ:
- حرمان الهداية، وضياع النصر، والطبع على: القلب، والسمع والبصر. والغفلة.. هذه في الدنيا.
- وتشديد العذاب، وقلة الصبر على النار، وخسارة التجارة خسارة كبرى.. وهذه في الآخرة.
فلا يليق بالمسلم أن يتشبه بهم فيما اختصوا به، ونالهم عليهم العذاب، وقد حذر من ذلك، وليس كل تشبه يخرج من الملة، بل منه، ومنه.
فقد يتشبه المسلم بهؤلاء في شيء من الاستحباب للدنيا على الآخرة، ويكون بذلك في خطر أن يصير مثلهم، سواء بسواء، باعتبار أن المعاصي تتمادى، وتتآلف، حتى تتكاثر فتكبر، فينتقل:
- من التشبه في شيء إلى التشبه في كل شيء..
- ومن التشبه في جزء إلى التشبه في الكل..!!.
وبذلك يكون منهم، حقا وحقيقة، وصفا وحكما..
لكن لا تجد مسلما - ظاهرا، وباطنا – متشبها بهم في هذا الخلق تشبها مطلقا..
وإلا لم يعد مسلما !!.


* * *

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية