اطبع هذه الصفحة


أعياد الميلاد

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
الصحيح الثابت: أن عيسى عليه السلام مرسل من عند الله تعالى، وأنه نبي من أنبياء الله تعالى أرسله إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
كذلك الثابت: أن بني إسرائيل آذوه، وقصدوا إلى قتله وصلبه، لكن الله تعالى رفعه إليه. ثم إنهم قصدوا إلى تحريف ما جاء به، فدخل اليهودي شاؤول - المسمى بولس – في المسيحية بعد رفع عيسى عليه السلام، فادعى إيمانه به، بعد أن كان في حياته ألد أعدائه، ومعذب أتباعه. فبلغ المراتب العلية في المسيحية، فسنحت له الطريق لتحريف الشريعة العيسوية وتبديلها، فصارت بعد التوحيد تثليثا وشركا، وبعد الإتباع ابتداعا، وحلل وحرم باسم الرب الآب، وباسم يسوع الابن. وبذلك اختفت المسيحية الحقة، وحلت محلها المحرفة، وعمق هذا التحريف أباطرة الروم لمصالح دنيوية، كالامبراطور قسطنطين..

أسباب متعددة أدت إلى تحريف النصرانية، والكتاب المقدس (= الإنجيل ) الإنجيل لم يكتب في عهد عيسى عليه السلام، ونسبت الأناجيل إلى التلاميذ، وفي ثبوتها إليهم شك، فلم يقم دليل على صحة نسبتها، ودلت الأدلة على ضدها، وشهد به العلماء المسيحييون.

ومن الثابت تاريخيا: أن رجال الدين المسيحي زادوا وأنقصوا في الإنجيل، حتى اختلفت نسخه، ووقع فيها تباينات ظاهرة للعين، يقرون بها ولا يقدرون على إنكارها، وهم ما يزالون يبتدعون في دين قد حرف منذ قرنه الأول، وتغير مساره عن الدين إلى المصالح والأهواء.
فنحن أمام دين باطل بكافة المقاييس، سواء الخبرية السمعية، فالله تعالى بين أن أهل الكتاب حرفوا دينهم وبدلوا: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به}.

والتاريخية: فلا يوجد سند ثابت للأناجيل، وهم يعلمون بذلك.
والعقلية: كقولهم أن الآلهة ثلاثة، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، وهو أمر لا يقبله العقل.
وبعد: فإذا كان الدين محرفا، فعباداته وشعائره محرفة باطلة مبتدعة. وفي هذا الحال: هل تجوز مشاركة أهل هذا الدين في احتفالات الأعياد، أو التهنئة بها ؟.
هل يسوغ ويقبل أن يشارك المسلم في شعائر دين محرف، لا يرضاه الله تعالى، أو التهنئة بها ؟. وما معنى المشاركة والتهنئة ؟.
إنها تعني، وتتضمن، وتفيد، وتشير إلى الرضا بدينهم المحرف هذا، وقبوله، والرضا به، وهذا كله فيه معنى اعتقاد صحة هذا الدين. والمشاركة أو التهنئة بهذا المعنى كفر؛ لأنه رضاء بالكفر، وتكذيب لله تعالى حيث أخبر ببطلان هذا الدين بالخصوص، وببطلان كل دين سوى الإسلام.

فإن كانت المشاركة أو التهنئة بمعنى آخر، هو ما يسمى بالمجاملة أو المداراة، فالحامل لهذه:

- إما الاضطرار، وهو الإكراه والخوف الأذى الذي لا يحتمل إذا لم يفعل هذا، فهذا يأخذ حكم المضطر المكره المعذور الذي لا يؤاخذ بعجزه وضعفه، ولأنه إذا جاز أن يفعل الكفر في هذه الحال، فكيف بما دون ذلك ؟.
- أو التقرب والتودد بمثل هذا العمل، مع اعتقاد بطلان دينهم، فها هنا محذور: إنه بذلك يفتنهم في دينهم، ليتمسكوا به، ويستعلوا، ويظنوا أنهم على هدى؛ إذ انقلب المعارض لهم، المبين لانحراف دينهم، موافقا مشاركا.. وأي فتنة لهم أعظم من مشاركة من معه الهدى قوما ليسوا على هدى في دينهم، يظهر موافقته ورضاه.. أليس في هذا تغريرا بهم، وصرفا لهم عن طلب الهدى واتباعه ؟!.
فإن كان المعنى في مشاركتهم أو تهنئتهم توددا : لعل بذلك يمكن دعوتهم إلى الإسلام. فهذا طريق يقصد به الجذب إلى الإسلام، لكن بما يفسد هذا القصد، فكيف يدعون، وداعيهم يشاركهم باطلهم طواعية، ولا يقرن مشاركته بدعوتهم، ولا يخصهم بنصحه؛ أن يتركوا هذا الباطل؟
فكيفما قدرت سبب المشاركة أو التهنئة بعيد الميلاد ونحوه فهو محرم؛ إن ذلك عن رضا بدينهم، فهذا كفر مخرج من الملة؛ إذ يقول تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وهو منحى خطير، سار فيه بعض المنتسبين إلى الدعوة والعلم، وظهروا أمام العالم في وسائل الإعلام، في الصحف والفضائيات، وهم يهنئون ويشاركون بأعياد الميلاد، باسم احترام الآخرين، وتعايش الأديان، وتنوع الحضارات.. ونحوها من المصطلحات، التي غايتها المساواة بين الإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها.

وهو محرم إن كان بقصد المجاملة والمداراة، فلا يجوز خداعهم؛ ليتوهموا بهذه المشاركة أنهم على دين صحيح، والواجب إشعارهم بهذا، مما كانوا أقوياء، ومصارحتهم به متى سنحت الفرصة، والفرصة سانحة.. فإذا سألوا لم لا تشاركوننا ولا تهنئوننا، كما قد نفعل معكم ؟.
كان الجواب: لأن ديننا يمنع من ذلك، وأنتم على دين باطل. يقال لهم ذلك بكل صدق وإخلاص، بقصد انقاذهم من عذاب الله تعالى، وبإظهار حب الخير لهم، أن يسلموا من هذا الانحراف، وينعموا بحياة طيبة مع رب واحد لا شريك له ولا ولد، يدعون إلى الإسلام بالرحمة والشفقة.
حالة واحدة استثنائية تجوز فيها المشاركة والتهنئة، فيما لو خشي المسلم المقيم بين ظهرانيهم الأذى إذا لم يفعل، فهذا معذور، وعند الله مأجور، وهذا بيان لحكم المضطر، وإلا فالواقع أن كثيرا من المسلمين لا يشاركون ولا يهنئون، وهم بينهم يقيمون، ولم يصبهم شيء لأسباب معروفة.

ومنع مشاركتهم أو التهنئة ليس سببه بطلان دينهم فحسب، بل لو كانوا على دين عيسى الذي جاء به من دون تبديل، لما جاز ذلك؛ لأن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بدين خاتم لجميع الناس، فلو قدر أن أمما كانوا على دين بعض الأنبياء، لم يحرفوا ولم يبدلوا، لكان يجب عليهم أن يدعوا دينهم، ويتبعوا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء أنفسهم لو وجدوا في زمانه أو بعده لوجب عليهم أن يتبعوه، وعلى هذا أخذ الله ميثاق النبيين، وبه نطق النبي الأمين، وهكذا يصنع عيسى عليه السلام إذا نزل.
فإذا ما ثبت تحريم اعتناق المسيحية؛ كونها محرفة، أو لكون الإسلام ناسخا لها، لو قدر بقاؤها غير محرفة: فحينئذ فالمسيحية دين باطل كيفما قدر، لا يجوز اتباعها. ومن ثم لا تجوز احتفالاتهم هذه، فهي مبتدعة، وعليه فلا يجوز للمسلمين مشاركتهم فيها، ولا التهنئة؛ لأنها باطلة، تقوم على باطل.

* * *

قد وردت نصوص تحرم هذه المشاركات والتهنئات، مع أن ما سبق كاف في المنع، فمن ذلك:
- أن رجلا قال: إني نذرت أن أذبح إبلا ببوانة. فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟، قال: لا. قال أوف بنذرك. رواه أبو داود
اشترط للوفاء بالنذر: ألا يفعل في مكان فيه أثر من آثار من هم على غير ملة الإسلام، كعيد أو وثن. ونص على اسم العيد، فمعنى الأثر: أنه لو كان في مكان ما، عيد من أعيادهم، أو وثن يعبد، فليس للمسلم أن يقيم في المكان عيدا، أو شعيرة، خصوصا إذا كان المكان قريب عهد بذلك؛ منعا للتشبه بهم، ولو في الظاهر، ولئلا تميل نفسه إلى الأوثان وتلك الأعياد.
فالمسلم هنا لم يحتفل بعيد لهم، ولم يشاركهم، ولم يهنئوهم، إنما فعل شعيرة وعبادة مشروعة في دينه: منع من فعلها، لو قصد فعلها في مكان لهم فيه أثر من عبادة أو عيد.. فأيهما أعظم: مشاركتهم مباشرة، مع الاحتكاك بهم، وفي عيد من أعيادهم، أو عبادة الله في مكان كان لهم فيه أثر ؟.
إنك حين تشاركهم فقد فعلت عبادة باطلة، وهو الاحتفال غير المشروع.. فهذه واحدة، وخالطتهم وساويتهم في أداء هذه الشعيرة في دينهم. وحضرت مكان عبادتهم في وقت عبادتهم، فأديتها معهم في مكان عيدهم.. فهذه ثلاثة محذورات.. مقابل محذور واحد؛ إذا فعلت عبادة لله تعالى وحده، لكن في مكان فيه آثارهم الدينية؛ هو مشابهتهم في قصد المكان المعين. فالمشاركة والمشابهة في ثلاثة أعظم، أم في واحدة ؟. فأما النبي فقد نهى التشبه بهم في واحدة، فكيف بما زاد ؟.
أما التهنئة فليس فيها مشاركة حسية، نعم، لكن فيها تغرير بهم، وإيهام أنهم على دين صحيح، إلا إن كان يهنئوهم مع إظهاره إنكاره دينهم، كأن يقول لهم: نهنئوكم بعيدكم، وندعو لكم أن يهديكم صراطه المستقيم؛ الإسلام. ويجنبكم القول بأن عيسى هو الرب ابن الله تعالى الله. ونحو هذا..

فإن فعل هذا، فهو عمل حسن، وهو كما يحضر الرجل الصالح مجلس منكر للإنكار، وفيه أداء للأمانة ببيان الحق، أما التهنئة وحدها، الدالة على مشاركتهم أفراحهم الدينية وجدانيا، فهذا يغريهم بالقعود على دينهم، وإن أكبر من يبين لهم الهدى هم المسلمون، ليس غيرهم، بما معهم من الكتاب والميزان، فإذا سكتوا عنهم، فمن يبين لهم ؟.
وليس لهم أن يسكتوا، فالله تعالى أخذ العهد عليهم: أن يهدوا الناس بإذنه إلى صراطه المستقيم.

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية