اطبع هذه الصفحة


النهي عن التشبه بالمشركين

أبو أنس العراقي ماجد البنكاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
 ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[.([1])
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد  صلى الله عليه وسلم ، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار  .
وبعد، لا يحل لمسلم أن يتشبه بالمشركين، لا بالأفعال ولا بالأقوال ولا بأي نوع من أنواع التشبه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن تشبه بقوم فهو منهم ".
هذا يدل على أمرين: أحدهما: التشبه بأهل الشر مثل أهل الكفر والفسوق والعصيان وقد وبخ الله من تشبه بهم في شيء من قبائحهم فقال تعالى: )فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا(.التوبة آية (69) .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالمشركين وأهل الكتاب، فنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها،وعلل بأنه:"حينئذ يسجد لها الكفار"، فيصير السجود في ذلك الوقت تشبها في الصورة الظاهرة.
وقال  صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية عنه  صلى الله عليه وسلم : " غيروا الشيب ولا تشبهوا اليهود" . صحيح الجامع رقم (4167) .
وقال  صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين، احفوا الشوارب واعفوا اللحى". رواه مسلم .
وفي رواية : "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس " . رواه مسلم .
وأمر النبي  صلى الله عليه وسلم  بالصلاة في النعال مخالفة لأهل الكتاب .
وروي عنه  صلى الله عليه وسلم  انه قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالكف". أخرجه الترمذي .
ونهى عن التشبه بهم في أعيادهم وقال عبد الله بن عمر : "من أقام بأرض المشركين يصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر يوم القيامة معهم " .

وقال الإمام أحمد: "أكره حلق القفا، وهو من فعل المجوس، ومن تشبه بهم فهو منهم .
فالتشبه بالمشركين والمغضوب عليهم والضالين من أهل الكتاب منهي عنه ولا بد من وقوعه في هذه الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم  حيث قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه".قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال:"فمن؟".رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم (3381)،ومسلم في كتاب العلم برقم(6732).
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: كان يقال من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود،ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى.
ووجه هذا أن الله ذم علماء اليهود بأكل السحت ، واكل الأموال بالباطل والصد عن سبيل الله ، وبقتل النبيين بغير حق ، وبقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وبالتكبر عن الحق وتركه عمداً خوفاً من زوال المأكل والرياسات وبالحسد وبقسوة القلب ، وبكتمان الحق ، وتلبيس الحق بالباطل ، وكل هذه الخصال توجد في علماء السوء من أهل البدع ونحوهم.ولهذا تشبهت الرافضة باليهود في نحو من سبعين خصلة.
وأما النصارى فذمهم الله بالجهل والضلالة ، وباللغو في الدين بغير الحق ، ورفع المخلوق إلى درجة لا يستحقها ، حتى يدعى فيه الإلهية . واتباع الكبراء في التحليل والتحريم . وكل هذا يجد في جهال المسلمين المنتسبين إلى العبادة من هذه الأمة .
فمنهم من يعبد بالجهل بغير علم ، بل يذم العلم وأهله ، ومنهم من يغلو في بعض الشيوخ فيدعي فيه الحلول ، ومن يدعي الحلول المطلق والاتحاد ، ومنهم من يغلو فيمن يعتقده من الشيوخ كما يغلو النصارى في رهبانهم ويعتقدون أن لهم أن يغلو في الدين ما شاءوا ، وأن من رضي عنه غفر له ، ولا يبالي بما عمل من عمل ، وأن محبتهم لا يضر معها ذنب .
فعلى المسلم أن يتشبه بالصالحين ، والتشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة فهذا مندوب إليه، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه، وذلك مقتضى المحبة الصحيحة، فإن المرء مع من أحب، ولا بد من مشاركته في أصل عمله وان قصر المحب عن درجته.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
 لولا ثلاث لما أحببت البقاء  لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله ومكابدة الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر يريد رضي الله عنه الجهاد والصلاة والعلم النافع وهذه درجات الفضائل وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العليا . 
 
وبهذا تم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
 

وكتب/ أبو أنس العراقي ماجد البنكاني
 

--------------------------
([1]) الأحزاب الآية (70-71).


 

أبوأنس العراقي
  • الكتب
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية