اطبع هذه الصفحة


ليلة السابع والعشرين !!

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
حين تتهيأ لك زيارة الحرمين في هذه الليلة ترى مشهداً من الحياة قل أن تراه ، وتتساءل لحظتها لم هذه الليلة بالذات ؟ وكيف جاءت هذه الجموع وتحملت تكاليف الطريق من أجلها ؟!
إن هذا المشهد الذي يدفع به رمضان للواقع يدل دلالة عميقة أن البناء الذي استغرض أوقات الدعاة والمصلحين في زمن مضى لم يذهب سدى بل كوّن قاعدة يمكن أن تستنهض بجملة من الوسائل في قادم الأوقات .
إن هذا المشهد يدل دلالة عميقة أن في الناس خيراً عريضاً مهما كان الواقع الذين يعيشونه ، وأن الماديات التي استغرقت أوقاتهم ما تلبث أن تتلاشى أمام حقائق العلم والإيمان وأن الجهد الذي يستغرقه بناء المفاهيم قد يطول ولكنه إذا تمكّن يعيش طويلاً في حياة صاحبه ، وهو دعوة للتفاؤل والعمل والبناء والاستمرار وتخطي كل العقبات العارضة في الطريق مهما كانت وألا تستغرقنا بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس لاستعلاء الخطاب المادي في بعض الفترات !
ومن فقه هذا المشهد أن يبعث الخطاب الديني بمستوياته المختلفة مشاهد الروح من خلال إحياء المعاني الإيمانية وبعث النفوس من غفلتها بالوحي والتأكيد على بناء المفاهيم وإحياء التصورات الصحيحة ومجابهة المفاهيم والأفكار والتصورات الخاطئة بكل وسيلة ممكنة وفي يقيننا الحقيقة القرآنية ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )
ويدل المشهد كذلك على أن حاجة الناس إلى جماع الكلم ، وتقريب المسافة ، وتبسيط مساحات النهضة والنجاح في حياتهم كما قال الأول ( كثرت علىّ شرائع الإسلام فقل لي في الاسلام قولاً لا أسأل عنه بعدك ) فالأقوال التي تكاثرت في أن هذه الليلة هي ليلة القدر قرّبت لهم المسافة فدفعوا فيها بكل ممكن للوصول . وخطابنا الدعوي يجب أن يستنهض الناس بالفأل والأمل وحادي الشوق وتعظيم ما عظمته الشريعة وتيسير ما يسرته فإن هذا الفقه داعٍ لإقبال الناس وتكاثرهم على معانيه . وفي مرات كثيرة تكون قدرة الخطاب الناهض صناعة قاعدة تمكّن الجميع من صعودها والرقي عليها وتولّد لديهم الاستعداد والحماس لصعود غيرها في مستقبل الأيام .
ويدل المشهد على أن التركيز يصنع فارقاً فحديث أهل العلم في شأن هذه الليلة مقارنة بغيرها حتى أن بعض السلف يحلف يميناً على ذلك ولّد تركيزاً لدى جموع كثيرة من الخلق فأقبل بهم إلى مشاهدها بقوة . ومن الفقه أن يركّز الخطاب الديني على الأصول والقواعد والمحكمات كالخطاب الذي أداره الشارع مع الأعرابي لما سأل عن أصول الإسلام وقال هل علىّ غيرها قال : لا إلا أن تطوّع ثم قال : والله لا أزيد عليها شيئاً فقال صلى الله عليه وسلم ( أفلح إن صدق )
ولم أكن أنوي الكتابة في مباهح هذه الليلة لولا أن تلك الجموع الغفيرة في حرم الله تعالى استنهضت قلمي فقام يقص إليك بعض مشاهد الحياة التي رآها .


مشعل الفلاحي
مكة
الحرم
ليلة السابع والعشرين ١٤٣٨

 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية