اطبع هذه الصفحة


كنت في المدينة النبوية

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
كنت في المدينة النبوية خلال الأيام الماضية طيبة الطيبة ورأيت كما رأى غيري من زوّار تلك البقعة المباركة تلك الأمم التي جاءت من كل مكان شاهدة على أن جهد الأمس لم يذهب سدى ، وأن الحياة في الإسلام ! وثمة دروس من تلك الزيارة أولها :

(١)

مشهد المسجد الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما دخل المدينة وكيف تحوّل مع الأيام إلى هذا المشهد الضخم تذكرت حينها أول لبنة وضعها رسول الله صلى الله في ذلك البناء ! وتساءلت لحظتها : القلة التي حضرت مشهد تلك اللبنة هل كانت تتوقّع أن يبلغ مدى تلك اللبنة هذا البناء الشاهق الكبير مع الأيام ! هل كانت تحلم بهذه المشاهد المثيرة في رحاب هذه المساحة المباركة يوماً ما ؟ يا الله كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يطارد في الطرقات وليس معه من التاريخ إلا صاحب الأزمات ! كأني به وهو داخل للمدينة ، وكأني به وهو يبني هذا المسجد بيده ويشيده بجهود من حوله وهو يبني للأمة المساحة التي سيرتادها العالم فيما بعد ما بقيت الحياة ! وفي هذا المشهد درس من أمتن دروس الحياة ألا وهو بأن المسجد هو اللبنة الأولى في الإصلاح وهو ساحة الجهاد التي لاتنضب مع الأيام وهو البقعة التي يمتد منها النور للعالم بأسره ! فهل استوعب الدعاة والمصلحون وحمّال الرايات حقوق هذه الساحة ! هل أدركوا أن الأرواح الظامئة لا يروى عطشها إلا في هذه المساحات ! هل تيقنوا أن خريجي هذه المساحات هم الذين تقع على عواتقهم بناء الأمم والحضارات !
واشوقاه إلى طالب علم يبني حظوظ الأمة من خلال هذه المساحات !

(٢)

ومن دروس هذه الزيارة : أن الخطوة الأولى هي أثمن خطوة في رحلة المشاريع وأهم قضية في حياة صاحب المشروع !
إن كل المشاريع التي كتبت حظها تلك التي بدأت لا تلك التي تنتظر ربيع الأيام ! الشمعة التي تضاء في مساحة في مثل زماننا أعظم من كل شيء ! واليد التي تضيء تلك الشمعة تحتاج إلى تقبيل ! وما حاجة الأمة اليوم إلى شيء حاجتها إلى بطل يبدأ قصة البناء لا ينتظر موجهاً ، ويثير مساحة الإبداع في كل بقعة تحتاج إلى رواء ، لا ينتظر ظلاماً ليغير عليه وإنما يكتسح بأنوار الحق فجاج الأرض .
فيارجال الأمة ! يا أيها التاريخ ! يا أحفاد تلك الأجيال التي تركت لنا مباهج الحياة لا تتركوا مواقعكم ، ولا تتنازلوا عن دوائر تأثيركم ولو تخطفكم الطير !!

(٣)

ومن دروس هذه الزيارة : أنني عشت في هذه الأيام معنى قول الله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) تذكرت جهود عبد الله بن أبيّ رأس النفاق وهو يغير على دين الله ويقف في وجه رسوله صلى الله عليه وسلم ويبذل كل ما يمكن في سبيل تعويقه عن الحياة وفي النهاية لا شيء ! ماذا لو عاد اليوم ابن أبيّ ليرى الحقائق على ماهي عليه لا كما كان يتصورها !
هذا هو الإسلام ياقوم يمضي رغم أنوف الحاقدين ، ويسير بركبه لا يلتفت للصادين والمعرضين ! تفاءلوا وأمّلوا وسيروا وكلما رأيتم مشهداً للباطل ، أو سمعتم له صوتاً فاملؤوا مشاعركم بهذه الحقيقة من جديد (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) وواصلوا طريق الإصلاح ولا تستقلوا ما تقدمون أو تزهدوا فيما تعملون فهو ماكث في الأرض وبالغ مداه في قلوب العالمين .


مشعل الفلاحي
المدينة النبوية
الجمعة
١٤٣٨/١٠/٢٠
 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية