اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى شباب التوعية الإسلامية في رحلتهم إلى مكة

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي

 
إلي كل شاب يشارك التوعية الإسلامية رحلتها المباركة إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة في أي وقت ، وفي أي عام من الأعوام ـ أهديك عاطر سلامي . فلك يارعاك الله وافر الحب ، وبالغ الأمنيات أن تعيش أسعد مخلوق على وجه هذه الأرض .

أخي الحبيب : أراك وأنت تحمل حقائب السفر ، وتودع أهلك ، وتمضي في رحلتك فأتساءل ! ترى مالذي جعل هذا الشاب في رفقتنا ؟ لماذا يترك أهله ؟ ويفارق صحبه ؟ ويخلَف دياره ؟ أسئلة تتردد في خاطري فلا أجد أقرب إلى الإجابة من أن صاحبي صاحب هدف ، يحمل رسالة ، ويعيش منهج حياة ولهذا كله رضي أن يرحل إلى الأمكنة التي يجد القلب فيها لذته ، وحياته ، حياة الإيمان ، حياة العبادة ، حياة الروحانية التي تسمو بالفرد إلى أغلى معاني الكرامة الإنسانية . أخي الحبيب : شاب بمثل هذه الروح ترى ماذا يمكن أن أقول له . تجبرني أخي الحبيب أن أختار حديثاً يماثل نوعية الروح التي تركت أهلها ، وخلّفت ديارها ، ورحلت لحياة روحية سامية في نظرها فأقول لك : حياك الله ونحن من أسعد الناس بلقائك ومن أفرحهم برفقتك .

أخي الحبيب : يسعدنا أن نقول لك إن هذه الرحلة وأمثالها كثير تصنعها أيد محبين لك وقد تكلّفهم مالاً ، ووقتاً ، وجهداً لكنهم في شيء من أجلك أنت ، ولك بالذات فتى الإسلام المبارك لايرونه تعباً ولا يعتبرونه جهداً بل تحيله الأيام متعة ، ويتحول بعد زمن من أجمل الذكريات فقط لأنههم يدركون أنهم يتعاملون مع رجل شارف على المستقبل وبدأ يدق أبواب التاريخ بعزيمة الرجال .

أخي الحبيب : أرأيت بيت الله عز وجل ؟ فياترى مالذي ترآى لك عندما رأيت ذلك البناء .أولم تتذكر أبينا إبراهيم وبنيه إسماعيل وهما يجهدان في بناء البيت ويقيمان قواعده في أرض لايحوم حولها إلا الطيرتحولت مع الزمن إلى أرض تقصدها أمم الأرض جميعاً فما أجمله من جهد وما أرقاه من مستوى ، وما أعذب المشقة عندما تخلد أسماء الرجال في ذاكرة تاريخنا المجيد . لعلك أدركت أخي الحبيب أن المستقبل لهذا الدين وأن الذكرى الحسنة للرجال العاملين له . وأن هذا الدين هو الوحيد الذي يحفظ لرجال حقهم ليكون الوفاء ألذ من المشقة التي وجدوا.

أخي الحبيب : عاش في مكة أمم ففنوا وبقيت الذكريات فمن هؤلاء أبو جهل ، وأبو لهب ، والمغيرة ، وثلل من الكفرة ولو تأملت في حالهم وهم يخططون لفتل رسولهم ،ولتعذيب قومهم وعشيرتهم ،لالشيء إلا عداءً لهذا الدين . ولك أن تتساءل أين هم اليوم ؟ وهل نجحوا فيما خططوا له ؟ لتدرك يارعاك الله أن من يجابه هذا الدين يعود خاسراً ، ويبوء بالفشل ، ويموت يوم يموت وهو أشيه شيء بالأنعام .

أخي الحبيب : في الجانب الآخر عاش في مكة بلال وقضى زمناً من حياته على حر الرمضاء ، وتحت وطأة أسواط أمية بن خلف وما فلحت تلك الرمضاء ، ولا تلك الأسواط في عوده عن دينه . وعاش في مكة صهيب ، وسلمان ، ومصعب بن عمير ، وجعفر بن أبي طالب ، وأقوام آخرون لقوا من أجل هذا الدين صنوف العذاب ومع ذلك بقوا كالجبال لم توهنهم هذه العقبات عن الوصول إلى الجنة التي وعد الرحمن . فما أدري يارعاك الله لما رأيت مكة هل تذكرت أولئك الرجال فحن بك الماضي إلى سيرة القوم فما أجملها من سيرة وما أحلاها من ذكريات .

أخي الحبيب : ندرك أنك تواجه من أجل هذه الاستقامة نوعاً من السخرية والاستهزاء ، ولا ريب في ذلك لأن الهدف الذي تسعى إليه هو من أغلى الأهداف في الحياة ، بل هو سر السعادة الروحية التي يسعى من أجلها كل مؤمن في هذه الحياة ولعل في جنبات الحرم وساحات مكة ذكريات من ذكريات القوم تسلى الخاطر ، وتبعث الهمم ولعل من أوضحها عناء سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلى الجزور على ظهره الشريفة ، وسيرة أبا ذر وهو يضرب في ساحات الحرم حتى فاضت الدماء من وحهه رضى الله عنه ، وسيرة بلال في بطحاء مكة وهويردد أحد أحد . مما يجعلك تمضي لاتأبه بهذه العوارض ، ولا تقيم لها وزناً وليكن ديدن حديثك أن أي عوائق تحول بيني وبين الجنة هي أتفه في عيني من ذرات التراب . أخي الحبيب : هاآنت أدّيت مشاعر العمرة وفي شهر رمضان المبارك فتحقق في حقك بإذن الله حديثان عظيمان من أحاديث نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم ( العمرة إلى العمرة … كفارة لمابينهن ) وحديث ( العمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) وكأني بك أمسيت في فسحة من الذنوب خالياً من المعصية ، عظيم الأجر عند الله فمن يوازيك في الفضل ومن يلحق بك في المكرمات فتذكر يارعاك الله أن هذه من المنح الربانية التي لايوفّق لها إلا النبلاء من أمثالك فالزم وشد الوثاق وحذارك من التفريط وإياك إياك من المعصية وتذكّر مقولة ذلك الرجل من السلف ( قال نظرت إلى عقب امرأة فنسيت القرآن بعد أربعين سنة ، واعلم يرعاك الله أن شؤم المعصية عظيم ولا يغرنّك إمهال الله للعصاة فإنه إن لم ينالهم أثرها في الحياة فلا يبعد أن تخونهم هذه الجوارح أحوج مايكونون إليها ، وما سوء الخاتمة الذي وقع للكثير إلا أثر من آثار تلك المعاصي .

أخي الحبيب : تأمل يارعاك الله في هذه الأفواج من الصالحين في جنبات الحرم من بين صائم ،وذاكر لله وتالياً للقرآن لتعلم علم اليقين أنك باستقامتك لست وحدك على الطريق ، فإخوانك الصالحين كثر وعلى نفس الطريق فلعل هذا من الحادي لك إلى جدية الاستقامة . وتأمل ثانياً في وجوه القوم لترى أثر الطاعة كيف بانت على وجوهم ، وتأمل في الآخرين كيف أن المعصية حوّلت معاناة قلوبهم إلى أثر من سواد على وجوه القوم واعلم أنهم سيعرضون على ربهم بنفس الصورة التي تراهم عليها الآن وفي سورة عبسى أوضح دليل على ماقلت . أخي الحبيب : هآنت راجع إلى ديارك بعد إن أمضيت بضعة أيام في جنبات الحرم وقبل أن تضع رحالك سائل نفسك هل مرّ في ذاكرتك أطياف من سيرة الرسول هناك ؟ هل تذكرت القوم هناك ؟ ماذا كنت تتمنى ؟ وهل جاد ت عينيك بدموع ذكرى القوم فما أحلى الديار ! وما أسعد تلك الذكريات ! وسائل نفسك ثانياً هل وجدت أثراً للطاعة ؟ وهل تشعر به الآن ؟ وهل تتمنى البقاء في رفقة القوم ؟ وسائلها ثالثاً بعد أن أوشكت على النزول هل ستمضي على ذكريات القوم ؟ وهل تشعر بعلو الاستقامة ؟ وهل هذه النفس مستعدة لتحمّل ما يعترضها من أجل الوصول إلى ماوصل إليه القوم . أم أنها نسيت فور ولوجها الديار وعادت تلهو في لباطل ، وتقع في المعصية ، وإذا عرفت إجابة نفسك وتأكدت من صدقها في ذلك فحدثنا بحديث نفسك ونحن نعدك أن نكون أوفياء معك ولك علينا أن نجهد من أجلك وأن نحقق لك صدق الاخوة التي ترجوها والله المسؤول أن يحفظك في دينك وأن يقر أعيننا بك مستقيماً على الخير ، مقبلاً على الطاعة ، مدبراً عن المعصية و لا تنسى أن تردد في كل حين ( اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك )
 

حفظك الله ورعاك وعلى طريق سدد خطاك
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية