اطبع هذه الصفحة


خطبة العيد
الجمعة ١٤٣٩/١٠/١

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة العيد
الجمعة ١٤٣٩/١٠/١
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )
أما بعد :
فهذا عيدكم أهل الإسلام ، وهذه أيام أفراحكم ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
ما أروع هذا الإسلام وما أبهجه وهو يتعامل مع هذه النفس البشرية تعاملاً يتناسب مع مشاعرها فيضرب عليها واجب الصيام ثم يكرمها في نهايته بمشهد العيد ومباهج الفرح ويقول لها في ختامه ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
العيد بهجة وفرح ولذة وكل عيد لا يأخذ مساحته الكبرى من مشاعر الانسان لا يخلق فيه جديداً ولا يصنع فيه مساحة الربيع . فرق كبير بين عيد لم يغيّر في صاحبه سوى مظهره الخارجي ، وعيد استطاع أن يشكّل روح صاحبه فتجاوز همومه ونسى ظروفه في غمرة الفرح ، وتعالى على مشكلاته وخلافاته وخرج يلقى العالمين ويشاركهم بهجتهم ويخلق فيهم مساحات الفرح إلى أبعد مدى !
نتحدث اليوم عن العيد الذي يخلق فينا الفرح ويصنع بهجة الأرواح ، ويكتب حظنا من السعادة ويأتي على كل عوارض الطريق ويكتب معنى الحياة الكبير .
ياقوم اصنعوا للعيد معنى ! واكتبوا له واقعاً . وإياكم أن تخلعوه من واقعكم بمجرد انتهاء مشهد الصلاة .
أخرجوا من بيوتكم ، تزاوروا ، أطرقوا أبواب أصدقائكم ، ارتفعوا عن الخلاف ، واخلقوا للعيد حباً يجاوز كل الظروف والمشكلات والعقبات .
زوروا معلميكم ، سلموا عليهم ردوا لهم جميل الأيام ، بروا آباءكم الموتى بزيارة أصدقائهم ( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي) تزاوروا ، تلاقوا ، أخرجوا للناس اصنعوا للعيد فرحاً وبهجة .
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
تفاءلوا وأبشروا وأمّلوا فالنصر لدينكم والغلبة للحق ، ومنهج الله تعالى سيظل الأظهر وهذا محل إطباق من سنن الله تعالى ، قال تعالى ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ وقال تعالى : ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون﴾
وقد مر على دين الله تعالى كرب وأزمات كان الواحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمن للخروج إلى الخلاء حتى قالوا ألا تدعوا لنا يارسول الله ألا تستنصر لنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) من فجر التاريخ إلى يومنا هذا والدين يمضي لم يتوقف لعقبات الطريق وسيظل ! فلا ترهقوا أنفسكم بالتفكير في العواقب ولا تتشاءموا مهما كانت الأحداث .
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
الثبات الثبات يا أصحاب الحق ، ويا حملة المنهج ، وياروّاد الإصلاح ! الابتلاء سنة قال صلى الله ليه وسلم ( يبتلى الأنبياء يبتلى الأمثل فالأمثل فإن كان في دينه شدة زيد له في البلاء ، وفي كتاب الله تعالى تسلية وعزاء للمضطهدين في ربوع الأرض ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب﴾ فهل تأملت شدة الضراء التي تحمل نبياً من أنبياء الله ورسولاً من رسله إلى أن يتساءل من شدة ما حل به عن نصر ربه متى يحين ويأتي الفرج !!
الفتن كثيرة ، وتوشك أن تغتال قيمنا ومبادئنا وتسلب منا ديننا ومباهج إيماننا ، فإياكم والتخلّف عن دين الله تعالى ، لقد حكى القرآن عن فئام من المنافقين في أيام الأزمات قائلاً ﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) كانوا مظهرين للسنة متمسكين بالمنهج مرابطين على الثغور حريصين على المشاريع فإذا بهم تاركين للسنة مضيعين للمنهج متخلفين عن المشاريع . انتكسوا من أول هيعة وتنازلوا من أول محاولة ، وفروا في أولى الجولات .
اثبتوا يامعاشر المؤمنين ، حافظوا على قيمكم ، العقيدة هي العقيدة والمنهج هو المنهج وعقيدة الولاء والبراء يجب ألا تتغيّر لتغيّر الزمان . تمسكوا بالحق فإن المتمسك به في آخر الزمان كالقابض على الجمر كما قال نبيكم صلى الله عليه وسلم . وإذا استلب دينك فماذا يبقى لك ! سنقدم على الله تعالى يوم القيامة وقد لانجد عذراً كافياً للفكاك .
آمنوا ياقوم بالركن السادس من أركان الإسلام ( وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ) إن الله هو الذي يرزق وهو الذي يفقر ، وهو الذي يعطي ويمنع وهو الذي يحيي ويميت أما بلغكم حديث نبيكم صلى الله عليه وسلم ( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) أما بلغكم حديث نبيكم قال صلى الله عليه وسلم ( واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف ) من كان يتصوّر أننا في أمس الحاجة اليوم إلى درس الصف الرابع الابتدائي من جديد !!
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
كل فرد في الأمة مسؤول عن رايته ومساحته الممكنة ودائرة تأثيره فحسب ، بيوتكم يامعاشر الفضلاء ، أسركم أسركم هذه أماناتكم فلا تفرطوا فيها تذكروا قول رسولكم صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) رابطوا على وظائفكم فهي من الامانات التي يجب أن تصان من الضياع ، احفظوا ثغور ومساجدكم كونوا حرّاساً أمناء عليها لا يسألكم الله تعالى يوم القيامة عن ثغورها فلا تجدون جواباً يصلح للفكاك .
كل واحد يسأل نفسه اليوم ما مشروعه الذي يخدم به دينه ؟ ما قضيته التي يجب أن يعيش بها في واقعه ؟ ما فكرته الناهضة التي يجب أن يسعى في تخليدها ما بقي به العمر ؟ وا أسفاه على شاب يتدفّق حيويه يضيع وقته سدى لا قيمة له في معركة الحياة ! وا أسفاه على رجل يصبح ويمسي لاشأن له في مساحة مجتمعه وواقع أمته !
يا معاشر الفضلاء : أما قال نبيكم صلى الله عليه وسلم ( لن تزولا قدم عبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ! ) فما أنتم قائلون في أيام الحساب والقصاص ! قوموا ، وتحركوا وهبوا للحياة معنى من خلال فكرة ومشروع وقضية وإياكم والعيش مع الفارغين !
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
المنهج المنهج يافضلاء ، عظّموا هذا الوحي تسعدون به في الدارين ولا تجتالكم الفتن عنه فنضيع في عرض الطريق .
إن كل قضية من قضايا الأمة حلها مبسوط في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة وقد قال الله تعالى تعالى في وصف المنافقين ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا﴾ ما أسرع نشرهم للأخبار والإذاعة بها وإفشائها ولو أنهم رجعوا للقرآن ولأهل العلم الثقات لعرفوا ما يصنعون . يا كبار : لا تكونوا أبواقاً للإعلام ، ارتفعوا عن وحل الضياع ، أعطاكم الله تعالى عقولاً فلا تؤجروها لغيركم وتجري عليكم سنن الضياع ، أما قرأتم سنن الله تعالى في المؤجرين ﴿وَقالوا رَبَّنا إِنّا أَطَعنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلّونَا السَّبيلا ) وما أشبه الليلة بالبارحة !!
إن من المؤلم اليوم أن نتقاسم التهم فيما بيننا وتتحوّل مجالسنا إلى تصنيف لبعضنا البعض على ما قاله الإعلام وتناولته أيدي المفتونين عبر وسائل التواصل الاجتماعي . إن هذه المهمة مهمة إبليس في الأصل ( يئس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) أفيسركم أن تتولوا مهمته وتقوموا بدوره ؟!
يامعاشر الفضلاء : لقد رسم الله لنا المنهج بجلاء ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) وقال صلى الله عليه وسلم ( أتدرون ما الغيبةً؟) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) قال : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) إن أخوة الإيمان عقيدة وإن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، وقرر ربك في محكم كتابة هذه الرابطة الوشيجة بقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) ومن مضامين هذه الأخوّة أنه حتى لو بغى وحمل علينا السلاح فلا يخرجه هذا من إخوة الإيمان ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) أصلحوا واجهدوا واتعبوا في ردم هذا الشقاق وأعيدوا الحياة لما كانت عليه ولا تنسفوا هذا الإخاء لمجرد الخلاف ! وكان من دعاء المؤمنين في كتاب الله تعالى ( ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا )
يا أيها المعايدون :
القلوب القلوب !
فإن خرابها لا يجبره شيء ! تعاهدوا قلوبكم فلن تردوا على الله بأعظم من سلامتها من الأمراض ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) وكم من صحيح البدن معلول القلب سقيم الحياة !
يا معاشر المؤمنين : تذكروا ميزان الإخاء الذي كان يردده عمر رضي الله تعالى عنه ( لا تظن كلمة صدرت من أخيك شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً ) وتذكروا أن كلمة تهتك ستر هذه الإخوة قد تلقي بصاحبها في غياهب الظلام قال صلى الله عليه وسلم ( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب )
يالحسرتنا حين نتشاتم ونتقاذف بالتهم ونصنّف بعضنا البعض ونتهاجر لذلك ونتقاطع والعدو يتفرج علينا كفيناه مؤنته وأخذنا دوره وحملنا سلاحه وعارضنا قبل ذلك وبعده منهج الله تعالى الباسط في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم !
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
ألا وصلوا .....


 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية