اطبع هذه الصفحة


ياحافظ القرآن

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي

 
لا أجد في البداية أجمل في حديثي إلى شخصك الكريم من أن أبدأك بالسلام تحية أهل الجنان فسلام الله عليك ورحمته وبركاته سائلاً الله تعالى أن يصلك سلامي وأنت تلبس ثوب السعادة ، وتلج في قلبك أثار القرآن ، وتزيَن محيّ وجهك أنوارالطاعة .
فوالله ما أعزك في نظر المصلحين ! وما أرفعك في نظر أمة الإسلام ! يا حافظ القرآن : لقد وصف الله هذا القرآن بقوله (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )) (العنكبوت 49 )فوصف حمّاله بأنهم من العلماء فما أعظم هذا القلب ! وما أشرفك به يا حامل القرآن !
ياحافظ القرآن : لقد عمّق رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم في نفسي تقديرك وجعل إكرامك من تعظيم دين الله .
جاء ذلك فيما رواه أبو داود وصححه الألباني عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ... الحديث )). وجعل الحسد فيما أنت فيه من نعمة أمراً مشروعاً فقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة (( لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار .... الحديث )) بل جعلك رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم أولى الناس بإمامتهم فقال في ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : (( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله ... الحديث )) وليس ذلك فحسب بل جعلك أولى هؤلاء كلهم بإمارة الناس جاء ذلك في ما رواه الإمام مسلم في صحيحه ، عن نافع ابن الحارث أنه لقي عمر ـ رضى الله عنه ـ بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملت على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ، قال : ومن ابن أبزى ؟ قال مولى من موالينا ، قال : فاستخلفت عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ))
يا حافظ القرآن إن هذه النصوص تاج على رأس كل حافظ فكيف إذا جاء في زمرتها قول رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وأبي داود وصححه الألباني (( يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها )) وتصّور يا رعاك الله موقفك في الدرجات العلى وموقف الآخرين لم تصل بهم هممهم إلى عالم الجنان .
يا حافظ القرآن : أراك فلا تملأ الدنيا عيني وفرحة ، وما ذاك إلا لإدراكي أن أمتك اليوم في أمس الحاجة إلى أهل القرآن .
تراك أمتك فتتذكر ماضيها التليد ، فيرنوا طرفها السامق إلى العز والكرامة من جديد ! وتصل بهم الذكريات فيرددون قول القائل :

ملكنا هذه الدنيا قرونا *** وأخضعها جدود فاتحونا
وسطّرنا صحائف من ضياء *** فما نسي الزمان ولا نسينا
بنينا حقبة في الأرض ملكاً *** يدعّمه شباب طامحونا
باب ذللوا سبل المعالي *** وما عرفوا سوى الإسلام ديناً
تعهدهم فأنبتهم نباتاً *** كريماً طاب في الدنيا غصوناً
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة ** يدكّون المعاقل والحصونا
شباب لم تحطمه الليالي *** ولم يسلم إلى الخصم العرينا
وإن جن المساء فلا تراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا
كذلك أخرج الإسلام قومي *** شباباً مخلصاً حراً أميناً
وعلّمه الكرامة كيف تبنى *** فيأبى أن يقيّدا أو يقادا
وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر *** سؤال الدهر أين المسلمينا
ترى هل يرجع الماضي فإني *** أذوب لذلك الماضي حنينا

فيالله أعز أمة باتت يرنو طرفها للعز بعد أن عاشته سنيناً من تاريخها المجيد ! وكأني بدمعتها رقيقة حانية بفقد هذا العز فماذا تحمل لها يا حافظ القرآن من أمنيات ؟ إن البون شاسع بين الواقع والأماني لكنك وأمثالك من الأخيار قادرون بإذن الله تعالى أن تعيدوا بسمة أمتكم ، وبإمكانكم أن تدملوا جراحها النازف .
يا حافظ القرآن : لقد قام السلف رحمهم الله تعالى بهذا القرآن علماً وعملا فكانت النتيجة العزة التي ينشدون ، وما أدري يا رعاك الله هل أنت على نفس الخطو المبارك أم تجدد على الأرض خطو آخر ؟ ولك يارعاك الله أن تعرض نفسك على القرآن وحينها تستطيع أن تحدد موقعك من سلّم المتابعة .
يا حافظ القرآن : إن الآثار التي يحدثها القرآن على أصحابها هي الثمار الحقيقية للحياة فإن لم تكن آثار القرآن من خشوع ، وإنابة ، واستقامة ، وصدق ظاهرة على محياك فأنت موضع الحجة فلا تستكثر من حجج الله عليك .
يا حافظ القرآن : حفّاظ كتاب الله أرعى للحرمات من غيرهم ذلك إن الآي التي يتلونها يجدون فيها الواعظ عن كل دنيء ، وحينما يتناسون هذا الأمر ويقعون في المعصية أياً كانت تكون الحسرة عظيمة بفقد هذا القرآن مصداق ما ذكره الإمام الذهبي في سيره أن حافظاً للقرآن نظر إلى عقب امرأة فقال : وجدت غبها بعد أربعين سنة نسيت القرآن . فكانت النظرة على دقتها حينما صاحبتها الغفلة عقاب عاجل للمتهاونين في الحرمات ، وإني أعيذك يا حافظ القرآن من الغفلة ، فآثارها عاجلة ولها في الآجل شأن آخر .
يا حافظ القرآن : يقول ابن عباس رضى الله عنهما : إن للحسنة : ضياء في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة : سواداً في الوجه ، وظلمة في القبر ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق اهـ . فهاهي الآثار بين ناظريك فما أعظم الفرق !
ياحافظ القرآن : المعصية مهما كانت فهي من هوان العبد على الله ، قال بعض السلف : هانوا على الله فعصوه ولو عزوا عليه لحفظهم . ((ومن يهن الله فماله من مكرم)) .
ياحافظ القرآن : يقول بعض السلف : من لم يردعه القرآن والموت فلو تناطحت جبال الدنيا بين عينيه لم يرتدع . فالله الله من الولوغ في المعصية فإنها أثر غفلة ، ومفتاح شر لتسرب القرآن من القلوب . فالنعمة يارعاك الله لاتدوم إلا بالطاعة .
ياحافظ القرآن : طال حديثي إليك وكل ذلك حباً فيك ، وحرصاً على الخير الذي معك ، وفي القلب أمنيات وأحاديث أكثر وفاءً لشخصك الكريم لعلك تراها بين يديك في العاجل القريب ، سائلاً الله تعالى أن يديم عليك نعمة القرآن ، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن ينفع بك الأمة . والله يحفظك ويرعاك .

 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية