اطبع هذه الصفحة


التربية في الحج
(3)
مخالفة المشركين

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي

 
يظل هذا الدين هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، قال تعالى " إن الدين عند الله الإسلام " فلا دين على الأرض اليوم غير دين الإسلام ، ولا ملة وشرعة تصلح لهداية الناس كملة الإسلام وشرعته ، قال تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "
والمتأمل في مشاهد الحج وشعائره يجد مخالفة المشركين والمجافاة عن طريقهم مقصداً من مقاصد الحج ، حتى قال ابن القيّم رحمه الله تعالى : استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين لا سيّما في المناسك . اهـ
تبرز هذه الغاية في أول مظهر من مظاهر الحج ، في التلبية " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك " وكانت هذه التلبية بالأمس متدنّسة بلوثة الشرك " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " إن وضوح الطريق من بدايته هو الأصل ، ومتى اجتمع الإسلام والكفر في طريق ؟! ووتتأكّد هذه المفاصلة لطريق المشركين في وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة مخالفاً لآثار المشركين الذين كانوا يجتمعون في الحرم في مزدلفة ، وتزداد هذه المفاصلة وضوحاً في إفاضته من عرفات بعد المغرب مخالفاً لمن كان يقف بعرفة من أهل الشرك فيفيض قبل غروب الشمس ، ومثل ذلك دفعه من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفاً لعادات المشركين في دفعهم بعد طلوع الشمس واشتهر في ذلك قولهم " أشرق ثبير كيما نغير " ، ومثل ذلك الإسراع في وادي محسّر فإنه على قول جماعة من أهل العلم مكاناً للمشركين يجتمعون فيه يذكرون عادات الآباء والأجداد .
ولم يكن مجرد المخالفة للمشركين هو المقصد الوحيد خلال هذه الرحلة المباركة ، بل زاد الأمر إلى إغاضة هؤلاء المشركين يبين ذلك في مشهد الرمل في الطواف ، والاضطباع .
هذه كلها مجتمعة تدلك على هذا المقصد العظيم في الحج .. إن الحج لا يعظم أثره في النفوس بمجرد السير في جموع الناس ، والوقوف على تلك المشاعر ، وإنما يعظم بمعرفة هذه المقاصد والإمعان فيها حقيقة ..
إن الأمة ينبغي أن تفيق من سباتها ، وجزء من هذه الإفاقة يتمثّل في إدراك عظمة الآثار التي تتركها مخالطة المشركين ، وتقفّي آثارهم على خلق المسلم وسلوكه . وقبل أن تكون الأمة مخاطبة بهذا المقصد العظيم فإن أفرادها هم على رأس القائمة ، والأمة في النهاية هي مجموع أفرادها .. وإن إدراك الفرد المسلم هذا المقصد يحمله بإذن الله تعالى على مجانبة هؤلاء ، والنفور عنهم ، وتعمّد مخالفتهم . ولهذا كله جاء الشرع بتحريم السفر إلى ديارهم من غير حاجة .
وإن الرسالة الكبيرة التي ينبغي أن يعيها كل حاج اليوم أن العزة والرفعة والتمكين ليست في نتاج القوم أو في أفكارهم أو في حياتهم أو في توجيهاتهم ،كلا ! ولو كان من ذلك شيء لما أجبلت هذه الشريعة نفرة من واقع القوم وآثارهم ، وإنما نجاة الأمة وعزها وفخرها ورسالتها الكبيرة مبثوثة في ثنايا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو الأصل الكبير في المسألة .. وتبقى التجربة السابقة لهم والاستفادة من العلم التجريبي في تاريخهم يمكن أن يستفاد منها بشروط هذا الدين وعزته المنشودة بإذن الله تعالى .
والتحدي القادم هي في الخلاص قدر الإمكان من آثار حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا : اليهود والنصارى يارسول الله ؟ قال : فمن ؟ .

مشعل عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com

 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية