اطبع هذه الصفحة


العادات وصناعة الأحلام

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد
فإن رحلة النجاح على الأرض تستلزم بين كل فترة وأخرى أسئلة تأتي على جوانب هذه الرحلة ، ويعرف قدرها الحقيقي في الواقع ، وكل إنسان يريد أن يقف على الأماني التي تختمر في عقله ، وتحدّث نفسه بين كل فينة وأخرى عليه أن يقف في عرض الطريق ويسائل نفسه جملة من الأسئلة التي تبين عن صحة الطريق الذي يشقه وأين هو من هذا الطريق ؟ وكيف يعيد ترتيب ما انحرف عن مساره منها ؟
إن مشكلة كثير من الناجحين اليوم ليست في التخطيط ، فقد تجد منهم من يخطط ويرتّب ويبني مشروعه الذي يريد عناقه في قادم الزمن ، وإنما المشكلة الحقيقية أن تلك الخطة التي بناها أتى عليها الوقت ، وتنازعت عليها الأولويات ، وغاب منها عامل الزمن ، وتجاذبتها عادات قديمة ، وفي النهاية لم تكن النتيجة مفاجئة حين يقف هؤلاء في نهاية العام أو في زمن نهاية الخطة فيرون فرقاً واسعاً بين الأماني المكتوبة والواقع المعاش .
إنني أود أن أقول أن وراء كثير من النجاحات التي يعيشها الناجحون عادات إيجابية تكاد تسيطر على حياة هؤلاء ، وبفضل هذه العادات بعد توفيق الله تعالى كانت النهاية رائعة كبيرة ! وليس بخاف على عاقل أثر هذه العادات في تحقيق الأهداف التي يرسمها الإنسان لنفسه أو المشاريع التي يعيش من أجل تحقيقها ، وليس أصدق دليلاً على هذا من كتب السير الذاتية التي تروي هذه القضية في أوسع صورها ! وقبل أن أدلف في تقرير أثر هذا المعنى بالشواهد ألقي بظلال أسئلة أراها ملحة على عقل كل قارئ لهذه الأسطر هذه اللحظة ، فلعل هذه الأسئلة تقدح الشرارة التي أريد في قلب صاحبها :
هل في برنامجك اليومي عادات إيجابية ثابتة ؟
إذا فاتت إحدى العادات اليومية لعارض ما ذا تفعل ؟
هل هذه العادات اليومية باتجاه مشروعك العمري أو في اتجاه آخر ؟
وإذا أمعنت نظرك في السؤال الأول والأخير ستجد أن إجابتك بنعم في السؤال الأول لا تمثل فائدة كبيرة إذا لم تتفق مع إجابتك على السؤال الأخير ! وما ذا تجدي العادات الإيجابية إذا لم تكن في ذات الطريق باتجاه مشروع العمر الذي يبني عليه الإنسان مستقبله وآماله ؟! إن العادات الإيجابية التي تقف خلف مشروع الإنسان ضرورة لتحقيق المستقبل الذي ينشده الإنسان لنفسه ، وقد يقال : إن العادات لاتكن إيجابية مهما كانت مؤثرة حتى تخطو بمشروع الإنسان وأمانيه إلى غاياتها النهائية .. وكم من عادة إيجابية لا يختلف عليها اثنان لكنها في النهاية لا تسهم في دفع المشروع إلى نهايته المرسومة فتكون حين ذلك لا حظ لها في التأثير ، وقد يغطي لحافها الوثير على كثير من الأماني فنخفق دون أن نشعر ؟!
لو كان مشروع الإنسان في فترة من الزمن حفظ القرآن الكريم مثلاً ، وخطط الإنسان لمشروعه ، وأبدع في صياغة خطته ، ورسم النهاية التي يود فيها أن يعانق هذا الحلم الكبير فما هي العادات الإيجابية التي يجب أن يمارسها الإنسان حتى يصل إلى عناق ذلك المشروع ؟

أول هذه العادات : عادة التخطيط السنوي ، والشهري ، والأسبوعي ـ واليومي ، فإذا لم تكن هذه العادة متفشية في حياة صاحب هذا المشروع وإلا لن يصل إلى هذا الحلم مطلقاً وقد رأيت كثيرين يتوقون إلى هذه الغاية وجعلوها أهم مشاريعهم وقد تجاوزا اليوم عشرين سنة لم يعانقوا هذه الأمنية بعد ! وكان أعظم الأسباب هو غياب هذه العادة .. هذه العادة تعني أن يكتب الإنسان لنفسه ساعة في مساء كل جمعة يضع فيها خطة الأسبوع وربع ساعة يومياً لمراجعة هذه الخطة ، ونصف ساعة أسبوعية ، وساعة شهرية لمعرفة سير الخطة ، وبدون ذلك لا قيمة للمشاريع في حياة إنسان .

ثاني هذه العادات : أن يقتطع وقتاً محدداً بالزمن من كل يوم يقرأ ويراجع فيه محفوظه من كل يوم ، وينبغي أن تكون هذه العادة أساسية في جدول كل يوم لا تقبل الإرجاء مهما كان إلحاح الظرف المعاش تلك اللحظة ، وأنا ضامن لكل إنسان لا يجد مشروعه وقتاً محدداً في يومه فلن يصل إلى نهايته مهما كان حرصه .

هاتان عاداتان كافيتان بعد توفيق الله تعالى في عناق هذا المشروع في نفس الزمن المرسوم لها ، وكل خلل يأتي على هذه العادات سيؤخّر لحظات النهاية بقدر وجوده في تلك العادات .
لو كان مشروع الإنسان مشروعاً مالياً فمن الضرورة أن تكون عادة الادخار كل شهر عادة مرتبطة بهذا المشروع ملتصقة به تماماً لا تقبل الظروف ولا تستسلم للعقبات مهما كانت مؤثّرة ، وحين تختل هذه العادة الإيجابية سيختل معها المشروع من أصله وسيظل أمنية عالقة في الذهن لا وجود لها في الواقع .

إنني أود أن أقول : إن العادات تلعب دوراً خطيراً في استشراف النهايات لأي مشروع ، ونحن أحوج ما نكون إلى بناء عادات إيجابية تصبح مع الزمن أشياء طبيعية في حياة الإنسان ويكبر معها الإنسان كل لحظة ، ويقف في النهاية على عناق أحلامه التي بناها في يوما ما .. ! على أن لا يفوت الواحد منا أن المسألة تحتاج في البداية جهداً وعناءً وإصراراً وتحدياً ، وتحتاج في المقابل استجلاب توفيق الله تعالى بالدعاء والعمل الصالح وسؤال الله تعالى التوفيق كل لحظة . وغداً بإذن الله تعالى سيكتب الإنسان بنفسه عن أثر هذه العادات التي حملته على أكفها لعناق أحلامه .. ولا يفوتني هنا أن أدعو كل قارئ أن يدون تجربته مع هذه العادات فعل مبلغ أوعى من سامع ، والله المستعان وعليه التكلان ومنه الحول والقوة .


مشعل عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com


 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية