اطبع هذه الصفحة


صناعة النهايات ..!!

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد
فإن الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، وعلى قدر جهد الإنسان وعرقه وتعبه وتضحيته في الأرض يكون عناق الأماني يوم القيامة . هنا العمل والتضحية والبناء والاستثمار وهناك غداً الفوز والأماني والنتائج والنهايات .. ! ترى هل ندرك هذه الحقائق الكبرى ؟!
لله ما أعذب القرآن وهو يستجدي نفوسنا للمعالي ، ويكد أرواحنا إلى غاياتها الكبرى بأروع الصور وأعذب العبارات \" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ \" .. \" سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ \" .

إن الغاية كبرى تستحق هذا الكد وتستعطف روح المغامرة والجرأة والتحدي في نفوسنا ، وإذا كان القرآن الكريم هو الذي يستحث الخطى فما بالك بالغاية التي يدعوك للنزال والتحدي في ساحاتها ؟!أو ما قال لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يروي عن ربه تعالى قوله \" أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُمْ\" فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ\" يالها من غاية كبرى وساحة تستحق النضال لآخر لحظة في حياة إنسان ! أعد علىّ أيها الحادي هذا الخبر \" مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ \"يالهفة أذن لم تسمع منها قبل اليوم سوى الصوت ! يا لوعة قلب لم يدرك منها قبل اليوم سوى الحرف ! أعد أيها الحادي فوالله لكأنما أقرأها هذا المساء أول وهلة ! أعد على صاحبك أشواق قلبه ورحلة روحه ..! اهـ لو كان هذا المعنى يجري في أرواحنا كل مرة ، ويهتف بأسماعنا كل لحظة ، ويتعرّض لنا في الطريق كل يوم ولو مرة .. ! هنا في ساحات هذا النعيم .. هنا على ظلال هذه الساحات .. هنا على ذكرى هذه المعاني يكفي إنسان أن يعيش دون واعظ أو مذكّر أو حادي . يكفيه من الدنيا كلها أن يقرأ في صباحه \" أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُمْ\" فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ\" ، ويكرر في المساء ذات الحرف.

واشوقاه إلى هذه المعاني الكبار ! واشوقاه إلى لقاء الرب جل جلاله في ساحات القيامة \" أَمَا إِنَّكُمْ سَتَنْظُرُونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَنْظُرُونَ إِلَى الْقَمَرِ لاَ تُضَامُونَ عَلَى رُؤْيَتِهِ\"
يا هذا هل أنا في اليقظة أو في النوم ؟ أي لحظة هذه التي ينتظرها المؤمن ؟! اللحظة التي يرى فيها ربه ، اللحظة التي يمتد فيها نظر الإنسان إلى قيوم السماء والأرض .. اللحظة التي تأتي كالنهاية لأتعاب الدنيا كلها يكفي منها لمسح لأواء الرحلة كلها مجرد نظرة ! تُرى ما ذا بقي في حياتك أيها المؤمن من ألم ؟ ما ذا بقي من لأواء تذكرها تلك النفس وقد طافت تقلّب طرفها في ربها تعالى ؟! هنا أنخ مطاياك أيها العاقل ! هنا في ساحة الملك عش هذه الذكريات فإن كانت اليوم أمنية فغداً حقيقة في أرض الواقع .

واشوقاه إلى جنات الخلد \" لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها\" عذرتك اليوم يا أنس بن النضر وأنت تردد بالأمس على ساحات أحد الشوق إلى ريح الجنان \" واهــ لريح الجنة إني أجدها من دون أحد \"ما كنت أدري عن أشواق نفسك وأحلام قلبك إلا هذا المساء حين هتف في قلبي بعض ما نادت به أشواقك في ساحات أحد ..! قم أيها الجسد عانق أحلامك ، أو ما بلغك أن الشجرة الواحدة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها \" والزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون على صورة القمر ليلة البدر . أما بلغك صوت الحادي وهو يردد على مسمعك \" من يدخل الجنة ينعم فلا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه \" ؟! أو ما سمعت حديث الخليل وهو يحدثك \" ينادي مناد في أهل الجنة \" إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً \" ؟! قم يا هذا فكأنما القوم في ربوع الجنان كما قال نبيك صلى الله عليه وسلم : \"إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في جوف الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهما ، قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين \" أيسرك ايتها النفس هذه الأماني وقد قعد بك العمل ؟ أيسرك هذا التاريخ وقد دنت بك الدرجات ؟ أيسرك هذا البون الشاسع بينك وبين أصحاب الهمم والمعالي؟ واشواقاه إلى عظيم خلّف صاحبه في الدنا ورحل لعناق الغايات الكبرى ! واشوقاه إلى كبير في أفق الجنان ! .. يوشك أن تنتهي الرحلة ، ويقف كل إنسان على نهايته ، ويعانق كل إنسان لذائذ الجهد والتعب والعرق بعد فوات آثارها ، وحينها لن ينفع نفس حسرة على فائت ، وسيظل حديث نبيك صلى الله عليه وسلم \" \"إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في جوف الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهما ، قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين \" رسالة تبعث في قلبك الأشواق .

مشعل عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com


 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية