اطبع هذه الصفحة


خطبة العيد ( 1435) هـ

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، من يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً) ( يا أيها الذين آمنوا تقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ، ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)
من هنا من ساحة العيد نردد مبتهجين بمنهج الله تعالى في الأرض (الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) هذا هو عيدنا أهل الإسلام ، هذا هو يوم البهجة ، قدم نبينا صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يلعبون في يومين فقال ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم ( قد أبدلكما الله خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى) يفرح المؤمن اليوم أن أنعم الله تعالى عليه بهذا الدين ، وأتم له شهر الصيام (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ومهما كانت مشاعر المؤمن تجاه وداع شهره فلا ينبغي أن تؤثّر على هذا الفرح أو تزاحمه فليس ذلك من دين الله تعالى في شيء . ورسائل الأحزان التي تنتشر في وسائل التواصل على وداع الشهر لا يسندها نصاً شرعياً ولا تجد لها سنة ماضية في حياة السلف ، فعيدكم مبارك ، وكل عام وأنتم بخير . (الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) .
لقد ذكّر الله تعالى بالغاية الكبرى من فرض رمضان : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والسؤال الكبير كم تحقق من هذه الغاية في حياتنا خلال هذا الشهر ؟! لقد رأينا من إجلال الله تعالى وتعظيم شعائره في أيام الصيام ما يدعو للفرح والبهجة فهذا سائل عن بخاخ الربو ، وذاك يسأل عن القطرة ، وثالث عن بلغ الريق ، ورابع وخامس وعاشر بلغ إجلالهم وتعظيمهم لشعائر الله تعالى صوراً مبهجة في الواقع ، وحين تمتد هذه الصور في حياتنا بعد رمضان نأتي في النهاية منه على غاياته الكبرى ! ما أحوجنا اليوم في عالم الماديات إلى السؤال عن صور الربا الجالبة للعنة الله تعالى وسخطه ، أو التخلّف عن صلاة الجماعة ، أو التسيب في العمل الرسمي ، أو الخو ض في أعراض المسلمين أو التساهل في المال العام . يجب أن تتوسّع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشهد الحرص على أكل التمر عند الفطر إلى سلوك عام يجري في حياتنا كلها . اللقاءات الأسرية والإفطار الجماعي وزيارات الأرحام مشاهد مبهجة في أيام رمضان وحقها أن تتوسّع في القلوب أولاً رحمة وعطفاً ثم تمضي جزءاً من واقع الإنسان في بقية أيامه وحياته ، ومثل ذلك العناية بالقرآن ينبغي أن يتحوّل إلى ورد يومي يمثل سلوكاً في حياتنا ، وهكذا ، وحين تستمر مثل هذه المعاني وتنمو في حياتنا نكون قد أتينا على أعظم قضايا التقوى التي أشار الله تعالى إليها في فرضية رمضان . (الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) .
جزء من مشكلات الأمة اليوم هذه الكثرة الكاثرة في وسائل العلم وهذا الندرة المقابلة في التطبيق ، وهذا والله من شؤم العلم على صاحبه ! وقلة بركته في واقعه ، لقد كان السلف يحفظون عشر آيات ثم لا يتجاوزنها إلا بعد العمل بها ! وما يصنع إنسان بمعرفة لا واقع لها في حياته !. وإذا أردت أن تقف على هذه المشكلة فانظر إلى قروبات الواتس أنموذجاً لترى كم هم الذين يدفعون بالمعرفة إلى غيرهم وهم لم يقرؤوها بعد فضلاً عن التطبيق . لقد بلغ ببعض الكبار أنه لا ينقل معلومة إلا ورأى واقعها في حياته ، ومساحة تطبيقها في سيرته ثم حاول أن يشرك الآخرين فيها وإلا أبقاها فهو أحق بها من هذا الهدر الكبير .
(الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) .
( المراهقة السلوكية ) كانت حديث الناس في زمن مضى ، وكلما رأوا شاباً يتمثّل سلوكاً خارجاً عن إطار الأدب اعتبروا ذلك مراهقة سلوكية ، وتبدّى اليوم مفهوماً جديداً للمراهقة ، وتحولت المراهقة السكلوكية إلى مراهقة فكرية ، ومن علاماتها أن ترى فئاماً من الشباب مشغولين بنقد الواقع ، والحديث في الإصلاح العام ، ونقد المؤسسات على حساب العمل ، في الوقت الذي ترى فيه هذا المتحدث عن هذه القضايا متخلّف عن صلاة الجماعة ، وقاطع لرحمه ، ومضيّع لعمله الرسمي . ولم يمد يده في عمل تطوعي ، وتتوسّع هذه المراهقة حتى تسيطر على كل واقعه ثم تتبدّى في صور جديدة كنقد العلماء والاعتراض على فتاويهم ، وتوهين مقامهم ، وعدم الصدور عن رأيهم . وإذا بحثت عن أسباب هذه الظاهرة وتمدد واقعها في حياة شبابنا أدركت أن أهم تلك الأسباب وأكثرها أثراً : القراءة للنكرات ! حتى بات شبابنا اليوم مع كل أسف لا يروق لهم إلا القراءة لهؤلاء ، والشُّبهُ خطّافة ، وكم من شبهة علقت في ذهن شاب دون وعي ، وإذا انحرف الفكر جالت الفتن في كل شبر من جسد صاحبها ، وما حادث الوديعة إلا أحد الأمثلة على ذلك ! في بلاد الحرمين ، وفي مهبط الوحي يأتي هؤلاء الأغرار ليقوضوا الأمن ، ويروعوا المؤمنين ، ويسفكوا دماً حراماً والله تعالى يقول : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) .
أعظم ما يميّز أمة الإسلام هذا الوحي ( القرآن ، والسنة ) وليس لدى أمة في الأرض مثل هذا وإحياء هذا المصدر وجعله الأصل في التلقي هو العاصم بإذن الله تعالى من كل زلل وذلك من خلال الرجوع إلى أهل العلم الربانين ، وسؤالهم فيما أشكل عليهم ، والصدور عن رأيهم وقد قال الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
(الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد)
الأمن نعمة وهو مرهون بتوحيد الله تعالى قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) وأقبح المعاصي وأكثرها أثراً وأعظمها جرماً في حق الله تعالى الشرك ، وصاحبه متوعد بالخلود في نار جهنم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) وصور هذا المعنى كثيرة في الواقع بدءاً بتعظيم الأولياء والسادة والملوك وسؤالهم من دون الله تعالى ، وطلب شفاء المرضى منهم ، وتلبية الحاجات مروراً بطاعتهم فيما حرم الله تعالى وفي حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: ( يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: (أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟) قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: (فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ) .
إن أكثر ما يقوّض الأمن كفران النعم ، وتفشي المنكرات في الواقع ، وما هذه الفتن اليوم في واقع الأمة إلا جزءاً من هذه السنن في الأرض ، وكم من صاحب نعمة ومسؤولية كان سبباً في الشؤم على مجتمعه وأمته دون وعي ! وأكثر ما يخشاه الإنسان طغيان المنكرات في الواقع حتى تؤذن بوقوع سنة الله تعالى في العالمين: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) وإذا أردت أن تعرف أثر المعاصي والمنكرات في اختلال الأمن وضياع النعم وحدوث الفوضى فاقرأ سير الماضين في القرآن لتقف على الحقيقة بكامل تفاصيلها.
(الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) .
هذه الدماء المتدفقة في ساحات غزة هي جزء من جسد كل مسلم ، ولن يقف العدو عند هذا الحد ، وقد أبان الله تعالى عن حال القوم فقال : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وكل فرد في أمة الإسلام مسؤول عن نصرهم قدر وسعه سواء بالمال ، أو الدعاء وفي حديث نبيك صلى الله عليه وسلم : (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ) إن الدائرة الكبرى في الإصلاح تبدأ من إصلاح واقعنا نحن المسلمين ، والقيام بواجباتنا الشرعية ، وملئ مساحاتنا الممكنة بالعمل والتحديات . إن التباكي لا يصنع حلماً ، والشكوى لا تنبت أملاً. ولم يعلّق الشرع في نص صريح نصر الأمة على نهضة جميع أفرادها ، والسنن الإلهية تؤكّد أن نصر الأمة مرهون بقيام فئة بدين الله تعالى ، والقيام به في واقع الأرض ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) إن هذا الدين أكبر من أن يقف في وجهه عدو وسيمضي رغم أنوف المناوئين قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) المهم دورك في تحقيق هذا النصر ، وموقعك من الأحداث !
(الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) .
ما أحوجنا للأمل ! وما أشد حاجتنا للفأل ! قوموا أيها المعايدون إلى أبواب الحياة فثمة موعد مع الفرح هناك ! لن تجد أمة ناهضة إلا من خلال أفرادها ، ولن تسعد بمجتمع ناجح إلا من خلال جهود أصحابه . ليقم كل واحد منا إلى فنه الذي يحسنه ، ومشروعه الذي يحبه ، وتخصصه الذي يبدع فيه وسنصل في النهاية إلى أحلامنا الكبرى ! الفرد منا لبنة في بناء هذه الأمة ، لنبدأ في بناء نهضة أمتنا من خلال إصلاح نفوسنا ، وتهذيب أخلاقنا ، وبناء بيوتنا وأسرنا على منهج الحق ، وليجهد كل إنسان في دائرته التي تخصه ، ومساحته التي تعنيه حتى نأتي في النهاية على مباهج الحياة التي نريد . إن من الصور المبهجة في الواقع هذه الجموع الشبابية التي تستلم زمام العمل والمبادرة في مجتمعاتها سواء في الفرق التطوعية أو المنضمين لساحات العمل الخيري ، أو المجموعات التي تتولى رعاية مجتمعاتها في كل مساحة من ساحات العمل . هكذا هم الكبار ، وصناعة المجد لا تأتي من خلال نقد مكتوب وصاحبه متكئ على أريكته وإنما تأتي من خلال عرق مبذول في ساحات الأرض .
ألا وصلوا وسلموا ....


د / مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com
Malfala7i@


 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية