اطبع هذه الصفحة


الغرب من الداخل - تأسيس علم الاستغراب :أمريكا تفقد حريتها

د.مازن بن صلاح مطبقاني
‏@mazinmotabagani


بسم الله الرحمن الرحيم


هذا العنوان إنما هو عنوان مقالة ظهرت في صحيفة لندن تايمزThe Times للكاتب برنارد ليفن Bernard Levin تناول فيه قضية الأمريكي القاتل المعارض للاجهاض . وفي ثنايا هذا الموضوع طرح بعض الأفكار الطريفة التي أحب أن أقدمها مع تعليق موجز.
استهل ليفن مقالته بالتذكير بمقالة سابقة خصصها للحديث عن الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وبخاصة جرائم العنف ، وتعجب الكاتب في تلك المقالة كيف أن أمة متقدمة كالولايات المتحدة (باستثناء عدد محدد جداً من الدول المتوحشة) ينتشر القتل فيها أكثر بعشرات المرات بل مئات المرات من أي دولة أخرى .
وعندما أصبح الإجهاض مباحا وفقاً للقانون الأمريكي برز المعارضون لهذه العيادات ، وهنا أصدرت الحكومة الفدرالية قانونا يمنع التعرض للعاملين في هذه العيادات أو محاصرة أماكن عملهم مما يعيق دخولهم وخروجهم. ولكن هذا لم يمنع بعض المعارضين من القيام بعدد كبير من الهجمات على هذه العيادات متسببين في الجرح وحتى القتل. وأصبح من المعتاد أن يرتدي الأطباء والجراحين في هذه العيادات ستراً واقية من الرصاص. ويعلق ليفين قائلاً:" تخيل لدقيقة بلداً متقدماً يضطر أطباؤه وجراحوه لارتداء ملابس واقية من الرصاص."
وقدم الكاتب بعض أقوال القاتل التي يزعم فيها أن الإنجيل يبيح له القتل، وقد ألّف القاتل منظمة تدعى" المجموعة النصرانية للعمل" ومركزها في مدينة جاكسون بولاية مسيسيبي ، وزعم أنه ينفذ ما تأمره به عقيدته ،وعمل ما هو صحيح.
ويستنج الكاتب أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر فأكثر بلد التعصب الأعمى. ويؤكد أنها لم تخل مطلقا من المتعصبين الجامدين الذين يرون أنفسهم على الحق وكلّ من سواهم على الباطل ، ولكن غير المتعصبين كانوا دائما هم الأكثر. وكانت النظرة الى المتعصبين تتميز بالاستهزاء والسخرية والكراهية. ويرى أن الولايات المتحدة أصبحت مصابة بالجمود الفكري، ولذلك فأمريكا أصبحت أقل حرية.وأورد الكاتب صوراً من التعصب والعنف الأمريكي ومن ذلك موقف المهاجرين من السكان الأصليين (الهنود الحمر) وإن كان اصبح إطلاق هذا الاسم عليهم الآن يعد خطيئة إن لم يكن جريمة.وختم مقالته بأن أمريكا شهدت ضربتين للحرية في هذا القرن هما منع الخمور والمكارثية (محاربة الشيوعيين) وها هي المصيبة الثالثة قادمة.
وأبدأ تعليقي بأن أقول إنني لو أمكنني ترجمة المقالة بكاملها لعددتها نموذجا لكتابة المقالة يمكن للكاتب أن يتعلم منها فن كتابة المقالة ؛ فالكاتب تبنى قضية الدفاع عن الحرية كما يزعم رافضا أن يكون له موقف مؤيد أو معارض للإجهاض . وقد استخدم الكاتب الأساليب البلاغية في إيصال رسالته بأنه يخشى على أمريكا من التعصب المقيت الذي يقود إلى الجمود الفكري، واستخدم عبارات أتعجب، والتساؤل مثل:هل دولة متقدمة مثل أمريكا 000الخ.
فالكاتب يدعو إلى التسامح وأنه فضيلة أمريكية وها هو الوضع يتغير ويظهر مكانه الجمود الفكري والتعصب الأعمى. ولكن الكاتب هو نتاج هذه الحضارة الغربية التي لا ترى إلاّ المحاسن وإلاّ فإن التعصب والجمود أصل قديم في الفكر الغربي . فقد عرفت أوروبا الحروب لفرض النصرانية على الشعوب الوثنية في مختلف أنحاء القارة الأوروبية. كما عرفت أوروبا مجمع نيقية الذي فرض بقوة السلطان الأناجيل الأربعة وعدّ كل ماعداها خارجا عن الديانة النصرانية. ولما بدأت أوروبا تنتفض ضد سلطة البابوية ظهر ما يسمى ب "الإصلاح الديني" اشتعلت الحروب بين الدول الأوروبية. . ولما بدأت الثورة الصناعية قادت أوروبا جيوشها في حملاتها الإمبريالية لتنهب الثروات والمعادن ولتفتح الأسواق لمنتجاتها ، ولتوفر مكانا لسكنى مواطنيها ، ومع الجانب الاقتصادي كان الجانب الفكري حيث اعتقد الأوروبيون أنّ رسالة "الرجل الأبيض" هي تحضير الشعوب الأخرى فبدءوا في فرض لغاتهم وثقافاتهم على الشعوب الأخرى ومازالوا.

ومع كل ذلك فإن في الغرب قدر من الحرية والتعددية لا تعرفه كثير من الدول حتى ظنت أن الغرب هو المثال فانبهرت به أيما انبهار. ولذلك فإن الدعوة إلى دراسة حقيقة الديموقراطية والحرية في الغر أصبحت ملحة حتى تزول غشاوة الانبهار عن عيون المتغربين، وحتى يستيقن العالم أن الحق في الإسلام . والله الموفق.
 

د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية