اطبع هذه الصفحة


وجوبُ الحجِّ وفضلُه

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

وجوبُ الحجِّ وفضلُه


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فلا يخفى على أحد أن الحج ركن من أركان الإسلام، قَالَ الله تَعَالَى : {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (آل عمران: 97).
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق على صحته: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُنِي الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُم الحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ يَا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قَالَ: «ذَرُوني مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْءٍ فَدَعُوهُ» رواه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استمتعوا بهذا البيت؛ فقد هُدم مرتين، ويرفع في الثالثة» رواه البزار.
قال المناوي رحمه الله (فيض القدير 1/639): "بناه إبراهيم عليه السلام، ثم هدم فبناه العمالقة، ثم هدم فبنته قريش".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ».
وهذا التخريب غير محاولة الجيش الذي سيخسف به، ولا يقتضي انقطاع الحج كما قال ابن بطال؛ فإن عيسى في آخر الزمان سيحج.

وبينت النصوص ما للحج من أجر كبير، ومن ذلك:
إجابة الدعاء
فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» رواه البزار.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» رواه النسائي.

وهو نوع من الجهاد في سبيل الله:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: «لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة» رواه النسائي. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ؛ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رواه ابن ماجة.

والحج من أفضل الأعمال:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» رواه البخاري ومسلم.
والحج المبرور: الذي لا معصية فيه.

والحج والعمرة سببان لسعة الرزق:

دليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» رواه الترمذي.

والحج من أسباب المغفرة:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله (شرح مسلم 9/119) في معنى الرفث: "قَالَ الْأَزْهَرِيّ: هِيَ جَامِعَة لِكُلِّ مَا يُرِيدهُ الرَّجُل مِنْ الْمَرْأَة".
ويشمل ذلك الجماع؛ لقول الله تعالى: }أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُمْ{.
والفسوق: المعصية. فالفاسق: من خرج عن طاعة الله.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : "لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو»؟ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا»؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»؟ رواه مسلم.

الأجر الكبير:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ترفع إبل الحاج رجلا، ولا تضع يدا، إلا كتب الله له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع بها درجة» رواه البيهقي.
وعنه رضي الله عنه أنه قال: جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ أنصاري، فأَقْبَلَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ»؟ قَالَ: فَذَلِكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ. قَالَ: «فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ , وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَجِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ وُقُوفِكَ بِعَرَفَةَ, وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ, وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ, وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ حَلْقِكَ رَأْسَكَ , وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ»؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. قَالَ: «أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ تَطَأُهَا رَاحِلَتُكَ يَكْتُبُ اللَّهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً, وَيَمْحُو عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً. وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: هَؤُلاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي, وَيَخَافُونَ عَذَابِي, وَلَمْ يَرَوْنِي, فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ, أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا, أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ ذُنُوبًا غَسَلَ اللَّهُ عَنْكَ. وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَإِنَّهُ مَذْخُورٌ لَكَ. وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ حَسَنَةٌ. فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» رواه الطبراني في الجامع الكبير.

ومن خرج من بيته يريد الحج ثم مات أجرى الله عليه أجر الحج إلى يوم القيامة:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة» رواه أبو يعلى.

ويبعث من مات في الحج ملبيا:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فوقصته، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثوبيه الذين أحرم فيهما، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رواه البخاري ومسلم.
وقصته، وأَقْعَصَتْهُ، وأَوْقَصَتْهُ: كسرت عنقه.

وأكبر كرامة نيل الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» رواه الشيخان.
عَنْ جَابِرٍ  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ».
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

 

د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية