اطبع هذه الصفحة


الهجرة

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الهجرة

 
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فالهجرة عبادة عظيمة ندب إليها ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم..
 
فما هي الهجرة؟

الهجر ضد الوصل. والهجرة مفارقة أرض إلى أرض. وهجرت الشيءَ إذا تركته([1]).
وأما الهجرة في الاصطلاح: ترك دار الكفر إلى دار الإسلام([2]).
وقال ابن حجر: "ترك ما نهى الله عنه"([3]).
 
الأمر بها:

قال تعالى: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{ (العنكبوت: 56).
قال ابن كثير رحمه الله: "هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم"([4]) .
وعن الحارث الأشعري  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ» رواه أحمد والترمذي.
 
فضل الهجرة:

الإيمان الصادق:
قال تعالى: }وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{ (الأنفال:74).
الأجر الجزيل:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي فاطمة الضَّمْري  رضي الله عنه : «عليك بالهجرةِ؛ فإنه لا مثلَ لها» رواه النسائي.
الرزق:
قال تعالى: }وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{ (النساء:100).
"والظاهر -والله أعلم- أن المراغم التمنّع الذي يُتَحصَّن به، ويراغم به الأعداء. قوله: }وَسَعَةً{ يعني: الرزق. قاله غير واحد، منهم: قتادة، حيث قال في قوله: }يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً{ إي والله، من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى"([5]).
ومن ذلك أن الله سبحانه يعوضهم خيراً مما تركوا، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه..
قال تعالى: }وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{ (النحل: 41).
قال الطبري رحمه الله: "لنسكننهم في الدنيا مسكناً يرضونه صالحاً"([6]).
وقد تعقب الإمام الطبري رحمه الله من قال إن المراد: لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسناً الحسن بقوله: "التبوء في كلام العرب الحلول بالمكان، والنزول به"(6).
الرحمة:
قال تعالى: }إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(البقرة:218).
المغفرة :
قال تعالى: }ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (النحل:110).
ولما أراد عمرو بن العاص  رضي الله عنه  أن يشترط على النبي صلى الله عليه وسلم عند بيعته، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» رواه مسلم.
الجنة :
قال تعالى: }فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِى وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَاٰرُ ثَوَاباً مّن عِندِ اللهِ واللهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ{ (آل عمران:195).
وقال: }الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ{ (التوبة: 20-21).
وقال: }وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرازِقِينَ{ (الحج:58).
قال ابن كثير :" }ثُمَّ قُتِلُواْ{ أي: في الجهاد. }أَوْ مَاتُواْ{، أي: حتف أنفسهم، أي: من غير قتال على فرشهم. فقد حصلوا على الأجر الجزيل، والثناء الجميل"([7]).
وفي سنن النسائي عن فَضالة بن عُبيد  رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي، وَأَسْلَمَ، وَهَاجَرَ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ([8]) الْجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ ([9]) الْجَنَّةِ».
وعن سبرة بن الفاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك! فعصاه فأسلم، فغفر له. فقعد له بطريق الهجرة، فقال له: تهاجر وتذر دارك وأرضك وسماءك! فعصاه فهاجر. فقعد بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال! فعصاه فجاهد. فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة» رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي.
 
أنواع الهجرة:

يمكن تقسيم الهجرة إلى نوعين أفصح عنهما سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله بقوله: "الهجرة هجرتان: هجرة الأوطان، وهجرة الإثم والعدوان. وأفضلهما هجرة الإثم والعدوان؛ لما فيها من إرضاء الرحمن، وإرغام النفس والشيطان"([10]).
ولعلَّ العزَّ رحمه الله قصد أن هذه الهجرة متجددة، بخلاف ترك الوطن فإنه يكون مرة غالباً؛ والمتجدد أكثر أجراً، وإلا فإن الأولى لا يقارن بها شيء، والعلم عند الله تعالى.
فالهجرة هجرتان: معنوية، وحسية.
المعنوية: هي الهجرة من الكفر إلى الإسلام، ومن البدعة إلى السنة، ومن الشرك إلى توحيد الله، ومن المعصية إلى الطاعة.
ثبت في سنن أبي داود أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الهجرة أفضل؟ فقال: «من هجر ما حرم الله» رواه أبو داود.
وفي صحيح البخاري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ».
وأما الهجرة الحسية فهي أربعة أنوع:
الأول: الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهذه أشرف الهجرات وأفضلها على الإطلاق.
وهذه خصَّ الله تعالى بها ساداتِ الأولياء من المهاجرين، رضي الله عنهم وأرضاهم.
وتأمل هذا الحديث لتعرف عظيم قدرهم..
عَنْ جَابِرٍ  رضي الله عنه  أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا([11]) الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ([12]) لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ([13])، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ([14]) حَتَّى مَاتَ. فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي؛ بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([15]). فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟! قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ» رواه مسلم.
الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.
ويأتي الكلام عن حكمها وأنواعها.
الثالث: هجرة أرض السوء إلى أرض الصلاح.
ودليلها قصة قاتل المائة نفس([16]).
قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين والورعين ومن يقتدى بهم، وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته"([17]).
وقال الحافظ :" ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها"([18]).
الرابع: الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»([19]).
 
حكم الهجرة:

أما الهجرة المعنوية فواجبة على كل أحد.
وأما الهجرة الحسية فالناس فيها أربعة أقسام:

القسم الأول: من تجب عليهم ويأثمون بتركها.
وذلك في حق من يقدر عليها ولا يمكنه إقامة واجبات دينه في ديار الكفر. قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{ (النساء: 97).
ففي سنن أبي داود والترمذي، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  رضي الله عنه  قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا»([20]).

القسم الثاني: من تجب عليهم، لكنهم معذورون في عدم القيام بها.
قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا{ (النساء: 97-99).

القسم الثالث:
من يتمكن من إظهار دينه ولا يضيق عليهم، وهذا تستحب في حقه، ولا تجب عليه.

القسم الرابع:
من كان بقاؤهم في دار الكفر أولى من هجرتهم.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية –بعد ذكرها للأقسام السابقة-: "وزاد الشّافعيّة قسماً رابعاً: وهو من يقدر على إظهار دينه في دار الحرب، ويقدر على الاعتزال في مكان خاص، والامتناع من الكفّار، فهذا تحرم عليه الهجرة ، لأنّ مكان اعتزاله صار دار إسلام بامتناعه، فيعود بهجرته إلى حوزة الكفّار، وهو أمر لا يجوز ، لأنّ كلّ محلّ قدر أهله على الامتناع من الكفّار صار دار إسلام".
ومن هؤلاء السفراء، فإن مكثهم فيها متعين؛ للقيام على شؤون رعايا بلادهم من المسلمين.
ومنهم العيون الذي يبعثون بالأخبار إلى الدولة المسلمة.
ومنهم الدعاة، والقائمين على أمر الجاليات المسلمة.
وطالب علمٍ لا يتأتى له أن يتعلمه في بلاد المسلمين. والله أعلم.
 
إشكال وجوابه:

لو قيل:
كيف نوفِّق بين الحديثين:
حديث الشيخين: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»، وحديث: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» الذي رواه أحمد وأبو داود.
فالجواب:
أنَّ الهجرة المنقطعة هي الهجرة من مكة إلى المدينة، أو الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لنصرته والجهاد معه، وأما الهجرة الباقية فهي الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.
رب صل وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
 

------------------------------
[1] / انظر لسان العرب (5/250)، مادة (هجر).
[2] / التعريفات للجرجاني (256) .
[3] / الفتح (1/16) .
[4] / تفسير القرآن العظيم (6/290).
[5] / السابق (2/391).
[6] / تفسير الطبري (17/ 205).
[7] / تفسير القرآن العظيم (5/443).
[8] / في جانبها وطرفها بداخلها.
[9] / متوسطها.
[10]/ شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال (383).
[11] / قال النووي: "هُوَ بِضَمِّ الْوَاو الثَّانِيَة ضَمِير جَمْع، وَهُوَ ضَمِير يَعُود عَلَى الطُّفَيْل وَالرَّجُل الْمَذْكُور وَمَنْ يَتَعَلَّق بِهِمَا، وَمَعْنَاهُ: كَرِهُوا الْمَقَام بِهَا؛ لِضَجَرٍ، وَنَوْع مِنْ سَقَم. قَالَ أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرهمَا: اِجْتَوَيْت الْبَلَد إِذَا كَرِهْت الْمَقَام بِهِ وَإِنْ كُنْت فِي نِعْمَة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَصْله مِنْ الْجَوَى وَهُوَ دَاء يُصِيب الْجَوْف"
[12] / المشقص: نصل سهم طويلٌ عريض.
[13] / مفاصل الأصابع، وواحدتها: بُرْجُمَة.
[14] / اندفع الدم منهما بشدة.
[15] / وهنا سؤال أتوجه به لكل شيعي مبغضٍ للصحابة رضي الله عنهم: إذا كان هذا حال من هاجر ولم يحفظ له شيء في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل نفسه، فما ظنك بمن هاجر، نصر الله به دينه، ونبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل نفسه!؟ أين عقولكم يا مبغضي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
[16] / انظر صحيح مسلم 4/2118.
[17] / شرح صحيح مسلم (17/82).
[18] / فتح الباري (6/517-518).
[19] / أبو داود وصححه الألباني .
[20] / أبو داود والترمذي .

 

د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية