اطبع هذه الصفحة


الدعم المادي والمعنوي لمقاوم العدوان.. فضيلة وأجر

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم




 إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرورِ أنفسنا و سيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  الواحد القهار شهادةٌ أدخرها ليومٍ تذهل فيه العقول ، و تشخص فيه الأبصار شهادةٌ أرجو بها النجاةَ من دار البوار ، و أؤمل بها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار .
 
 و أشهد أن محمد عبده و رسوله المصطفى المختار الماحي لظلم الشرك بنور الإسلام صلى الله عليه ، و على آله   و أصحابه البررة الأطهار صلاةً تدوم بتعاقب الليل  و النهار .
 
 ( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .     [ سورة آل عمران ـ الآية102 ] .
 ( يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَ نِسَاءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاً ) [ سورة النساء ، الآية 1 ] .
 ( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [ سورة  الأحزاب  ، الآية 70 – 71 ] .
  أما بعد :
 
كثرت المؤلفات والمصنفات المعتبرة  التي تمدح المجاهد و المقاوم و أمثالهما ، التي تبين فضلهم  ، و مقامهم عند الله تعالى  ، و ما لـــهم من جزاء و نعيم في مقامات الغيب ، و الآخرة.
 
بيد أن وراء كثير من المجاهدين ، و المقاومين أسر و عائلات منهم الأطفال  ، و الزوجات و الأمهات كبار السن و العجز  ، و  لا أحد يعيلهم إلا الله تعالى ، ثم هؤلاء النفر الذين وقفوا وراء المجاهدين ، و المقاومين والمأسورين و عائلاتهم  ليمدونهم بالعون المادي  ، و المعنوي حتى يجتازوا ذالك المشوار بسلام .
 
ونظراً لأهمية الدعم المادي ، و المعنوي للمجاهد في سبيل الله لصد العدوان الواقع على الأمة ومقدراتها و مقدساتها أحببت أن أكتب هذه الكلمات لبيان فضل مقدم الدعم المادي ، و المعنوي لمقاوم العدوان عند الله تعالى .
و حتى لا يبخل من يستطيع أن يقدم نفسه أو ولده أو كل ما يملك من مال ونفس وولد في سبيل الله تعالى .
قال تعالى :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:245)
 
قال الإمام القرطبي – عليه رحمة الله تعالى - : [ لما أمر الله تعالى بالجهاد والقتال على الحق – إذ ليس شيء من الشريعة إلا ويجوز القتال عليه وعنه , وأعظمها دين الإسلام كما قال مالك – حرض على الإنفاق في ذلك . فدخل في هذا الخبر المقاتل في سبيل الله . فإن يقرض به رجاء الثواب كما فعل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة [1] ] [2] .
 
عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حيناً ) .
 
 قال أبو الدحداح :(  يا رسول الله أو إن الله تعالى يريد منا القرض ؟ قال : [ نعم يا أبى الدحداح ] قال : أرني يدك , قال : فناوله , قال : فإني أقرضت الله حائطاً فيه ستمائة نخلة , ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط ، و أم الدحداح فيه ، و عياله , فناداها : يا أم الدحداح  , قالت : لبيك , قال : أخرجي , قد أقرضت ربي عز وجل حائطاً فيه ستمائة نخلة )[3] .
و قد فقه هذا الصحابي الجليل و أهله معنى القرض ، و أن الله تعالى سيرد هذا القرض أضعافاً مضاعفة .
لذلك قال سبحانه وتعالى : [ مثل الذي ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ] [4].
و قال عز وجل : [ فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ][5] .
ذلك أن هذا القرض فيه توسعة على المجاهد ، و أهله و تفريجاً لهمومهم ، و غمومهم  ، و لسد حاجاتهم من العتاد المادي والمعنوي .
 
خرج ابن ماجة في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر , فقلت لجبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة . قال : لأن السائل يسأل وعنده  ، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة ][6] .
 
عن خريم بن فاتك رضي الله عنه قال  :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف  )[7].
 رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد  
 
و عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : ( جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال : هذه في سبيل الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلها مخطومة )[8] .
 
و لا شك أن أي مسلم يتصدق بأي شيء مفيد للجهاد و أهله فسيعوضه الله تعالى بأحسن منه أضعافاً كثيرة .
 
من تصدق بمركبة أو شبهها في سبيل الله فسيعوضه الله تعالى خير منها .
ومن كفل عائلة مجاهد فيعوضه الله تعالى سبع مائة ضعف ما أنفق  ، و الله قادر على كل شيء .
 
و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه   و سلم , قال : ( و الذي نفس محمد بيده ما شحب وجه  ، و لا اغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة , كجهاد في سبيل الله عز وجل , و لا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله عز وجل ) [9].
 
و الشاهد في هذا الأثر  : و لا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله عز وجل ، و قد أورد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الدابة على سبيل المثال لا الحصر  ، وذلك لأهمية ذلك المخلوق في الحرب في تلك الفترة  , و عليه فإن أي  شيء يعمل عمل  الدابة مثل السيارة بأنواعها، والطائرة بأنواعها وغير ذلك من المواصلات ثقل ميزان المنفق إذا أخلص النية بأن جعلها في سبيل الله تعالى .
 
وقد جاء في الحديث أيضاً أن النفقة إنما تكون بسبع مائة ضعف إذا أرسلها الرجل أو جهز بها من يجاهد ، و أما من جاهد بنفسه ، و أنفقها في جهاده فإنها تكون له عند الله بسبع مائة آلف ضعف  والله يضاعف لمن يشاء . 
الله أكبر ما أعظم هذا الأجر سبع مائة ألف ضعف ألا هل من مجيب لهذا العطاء   والجزاء العظيم.
 
وعن علي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم . ثم تلا هذه الآية ( والله يضاعف لمن يشاء ) [10].
 
فليتأمل القارئ الكريم عظم أجر المنفق في سبيل الله تعالى فبكل درهم سبع مائة درهم .
 الذي لا يستطيع أن يجاهد بنفسه في سبيل الله لسبب ما ، فلينفق في سبيل الله بما يستطيع سواء بإعداد المجاهدين والمقاومين ، أو بدعم أسرهم  وما يعولون  ولو بمسح رأس طفل ذهب والده إلى الجهاد .
 
 عن معاذ رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله , فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد , قيل : يا رسول الله , فالنفقة , قال النفقة على قدر ذلك ) [11].
 
عني هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد يدعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة يدعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان قال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأرجو أن تكون منهم  )[12].
 
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكثر من دعاة باب الجهاد والصدقات فنحن بأمس الحاجة لطلاب تلك الأبواب بعد أن تكالبت علينا الأمم  ، و أصبحنا كالخراف في الليلة الممطرة لا راع لنا و لا صاحب إلا المجاهدين الذين يدافعون عن العرض و الدين ، والله المستعان .
 
روى مسلم في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله , دينار ينفقه على دابته في سبيل الله , دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله )[13] .
 
وخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحداً وكانت فيهم جراحات ولم يقتل فيهم أحد ، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الجراحات و الحاجة , قالوا : يا رسول الله إنا أهل مسيرة فأذن لنا نجيء بأموالها فنواسي به المسلمين , فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين , فأنزل الله عز وجل [ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون () أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ] .
 قال فجعل لهم أجرهم مرتين [ ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ] قال تلك النفقة التي واسوا بها المسلمين ) .
 
فما أحوجنا في هذا العصر إلى أمثال أصحاب النجاشي ليذهبوا إلى غزة وفلسطين والسودان وأفغانستان بل على عموم بلاد المسلمين ليروا حال المسلمين وجراحهم كم هي كثيرة  وعميقة ، ولا معالج أو مواسي لها إلا الله تعالى  ونفر قليل من المجاهدين و الداعمين لهم .
 
فهؤلاء الذين يقامون العدوان  بحاجة ماسة إلى مزيد المساعدة بما نستطيع وإن كان يسيراً .
 
عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) [14].
 
فينبغي للإنسان  أن  يبذل  ما عنده من الدعم المادي بكافة أنواع   و أصنافه وإن كان يسيراً  ، فإن الله قد يجعله بالقصد الصالح كثيراً .
 
  روى عن كعب رضي الله عنه ، أنه قال : ( دخل الجنة رجل في إبرة أعارها في سبيل الله , ودخلت امرأة الجنة في سلة أعانت بها في سبيل الله )[15].
 
و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنفق في سبيل الله ، و لو  بمشقص [16])[17].
 
أعلم أخي الكريم أن الهلكة كل  الهلكة في عدم الإنفاق في سبيل الله سواء بالقليل أو بالكثير بالنفس أو المال أو بالكلمة بالعلن أو بالخفاء.
 
لذلك جعل الله تعالى جزاء البخل في سبيل الله هو الهلكة .
 
 قال تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195)
 
روى البخاري عن حذيفة في قوله تعالى [ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ] قال : يعني بترك النفقة في سبيل الله .
 
قال الإمام القرطبي : ( قال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعطاء وعكرمة ومجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بأن تتركوا النفقة في سبيل الله , وتخافوا العيلة يعني الفقر .
 
فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه , و إلى هذا المعنى ذهب البخاري , إذ لم يذكر غيره ][18] .
 
قال تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ()يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-  35)
 
و قال عز وجل ( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38)
 
وقال جل جلاله :( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (الحديد:10)

قال الإمام القرطبي عليه رحمة الله  : معناه أي : شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله وأنتم تموتون , وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى الله .
 
فمعنى الكلام التوبيخ على عدم الإنفاق . [ و لله ميراث السماوات والأرض ] أي : أنهما راجعات إلى الله بانقراض من فيهما كرجوع الميراث على المستحق ) [19] .
 
وعن عبد الله بن الصامت قال  : (  كنت مع أبي ذر رضي الله عنه فخرج عطاؤه ومعه جارية له  .  قال فجعلت تقضي حوائجه ففضل معها سبعة فأمرها أن تشتري به فلوسا  .  قال قلت لو أخرته للحاجة تنوبك أو للضيف ينزل بك  . قال إن خليلي عهد إلي  أيما ذهب أو فضة أوكىء عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله عز وجل )[20] .
 
ورواه أحمد أيضا والطبراني باختصار القصة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 من أوكى على ذهب أو فضة ولم ينفقه في سبيل الله كان جمرا يوم القيامة يكوى به
 هذا لفظ الطبراني ورجاله أيضا رجال الصحيح   عن عبد الله بن الصامت , قال : ( كنت مع أبي ذر رضي الله عنه فخرج عطاؤه ومعه جارية له فجعلت تقضي حوائجه , ففضل معها سبعة فأمرها أن تشتري به فلوساً , قال : قلت : لو أخرته للحاجة تنوبك أو للضيف ينزل بك , قال : إن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن [ أيما ذهب أو فضة أو كي عليه فهو جمر على صاحبه , حتى يفرقه في سبيل الله عز وجل ) .
 
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أهل بيت لا يغزو منهم غاز ، أو يجهز  غازياً بسلك أو بإبرة أو ما يعادلها من الوزن ، أو يخلفه في أهله بخير إلا أصابهم الله بقارعة قبل يوم القيامة ) [21].
 
فالبيان النبوي يبين عاقبة من يبخل في بذل نفسه أو ماله أو حتى بعض ماله إلا أصابهم بعذاب أليم لا فكاك منه إلا بالتوبة والعمل مع الصالحين وأهلهم .
وقد روى أن أفضل السباقين وأشرف هذه الأمة أجمعين خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضوان الله عليه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجميع ماله , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت لأهلك ؟ قال : الله ورسوله  ) [22].
 
وهذه ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تنسى أن تدخر لنفسها شيء عندما جاءها مال عظيم  من  أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه .
 
فقد روي أنه جاءها معاوية رضي الله عنه مائة ألف ففرقتها ولم تبق منها درهماً , فقالت لها الخادمة :  لو تركت لنا درهماً نشتري به لحماً , فقالت رضوان الله عليها : لو ذكرتني لفعلت ) [23].
 
و عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز غازياً في سبيل الله , فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا )  . رواه الشيخان .
 
فكم سمعنا ورأينا أناس يكفلون أسر المجاهدين بكل ما يحتاجون  من معيشة و احتياجاتها الكثيرة ، فنبشر هؤلاء وأمثالهم بأن لهم أجر مثل الغزاة لا ينقص من أجورهم شيئاً .
عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من جهز غازياً حتى يستقل , كان له مثل أجره حتى يموت , أو يرجع )[24]  والحديث رواه ابن ماجة وابن حبان .
 
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلف غازيا في أهله بخير أو أنفق على أهله فله مثل أجره  )[25].
 
و هناك أحاديث كثيرة في كتب و مصنفات أهل الحديث التي تساوي الغازي مع مقدم الدعم المادي و المعنوي للغازي و أهله[26] .
  
و خرج السلطان المجاهد محمود المعروف بالشهيد رحمه الله في كتاب فضل الجهاد بإسناده عن سعيد بن سابق حدثنا خالد بن حميد المهري عن محمد بن زيد عن سعيد بن المسيب , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : ( من تكفل بأصل بيت غاز في سبيل الله حتى يغنيهم ويكفيهم عن الناس و يتعاهدهم  , و يقول الله تعالى يوم القيامة مرحباً بمن أطعمني وكساني وحباني وأعطاني أشهد يا ملائكتي أني قد أوجبت له كرامتي كلها , فما يدخل الجنة أحد إلا غبطه بمنزلة من الله تعالى ) .
 
فمرحباً بمن يكفل أسرة , أو أطفال المجاهدين ، أو المأسورين فيفوز  بقول الله تعالى يوم القيامة مرحباً بمن أطعمني وسقاني وحباني .
 
أما من  يغدر بأسر ، وزوجات المجاهدين أو المأسورين فليعلم أن له العذاب الأليم في الدنيا والآخرة بل إن الله تعالى يأخذ ما يشاء من حسنات الغادر ويعطيها للمجاهدين حتى يطرحه في النار طرحاً .
روى مسلم في صحيحه  عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فما ظنكم ) [27].
 
و هذه قد أوقع الله سبحانه هذه  العقوبة على الغادر لعظم حق المجاهد على القاعد ، فإنه ناب عنه بالدفاع عن دينه   و عرضه و ماله ، فكانت خيانته له في أهله أو ما له  كما تكون خيانة الجار أعظم من خيانة العصيد .
 
فنسأل الله تعالى أن نكون مع المجاهدين في سبيله أو مع الذين يسدون ثغرة أو يساعدون مجاهداً  فيحفظون أسرهم ،وأطفالهم وزوجاتهم  وما خلفوه من و رائهم ، و الله المستعان .


الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
لمراسلة الكاتب أو للاتصال به :
هاتف 00963955453111
abokotaiba@hotmail.com

 

------------------------------------
[1]  -  جيش العسرة : في غزوة تبوك , كان في عسرة وشدة من الحر وجدب البلاد , أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم – الناس بالجهاز وحض الأغنياء على النفقة في سبيل الله فأنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك نفقة عظيمة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ اللهم ارضى عن عثمان فإن راض ] .
[2]  - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 3 / 237 .
[3] -  خرجه الشيخ ناصر الدين الألباني في تخريج مشكلة الفقر برقم 120 وقال : حديث صحيح .
[4] - سورية البقرة من الآية 261.
[5] - سورة البقرة من الآية 245.
[6] - خرجه ابن ماجه في سننه ج2/812 برقم 2431 . قال عنه الشيخ ناصر الدين الألباني حديث ضعيف جدا .
[7] - وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب حديث صحيح برقم 1236.
[8] - رواه مسلم في صحيحه .
[9] - ضعيف الترغيب و الترهيب برقم 827 و قال الشيخ الألباني حديث ضعيف .
[10] - رواه ابن ماجه و قال الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح حديث ضعيف برقم 3857.
[11] - خرجه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة وقال عنه حديث ضعيف برقم 2610.
[12] - خرجه النسائي في سننه ج4/168 و الترمذي في جامعه ج5/614 وقال عنه الشيخ الألباني حديث صحيح  .
[13] - رواه مسلم في صحيحه
[14] - رواه مسلم في صحيحه .
[15] - روى هذا الأثر أبن النحاس في كتابه الشيق مشارع الأشواق .
[16] - المشقص هو نصل السهم إذا كان طويلا ليس بعريض .
[17] -رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، ج1/335.
[18]  - تفسير القرطبي ، ج2/363.
[19] - تفسير القرطبي ج2366.
[20] - خرجه الأمام أحمد في مسنده ، و قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب حديث صحيح برقم 929.
[21] - قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه سويد بن عبد العزيز و هو ضعيف انتهى . مجمع الزوائد : ج5/284.
[22] - رواه الدارمي في سننه ، كتاب الزكاة ، باب الرجل يتصدق بجميع ماله : ج1/391-392.و انظر نوادر الأصول في احاديث الرسول ، ج6/65.
[23] -  رواه الحاكم في المستدرك ج 4/13 ، وسكت عنه الحاكم و الذهبي و أبو نعيم في الحلية ، ج7/42. و صححه الذهبي في سير أعلام النبلاء ، ج2/186.
[24] -  قال الشيخ الألباني حديث ضعيف ، ج2/921 رقم 2758.
[25] -  جامع الترمذي ، ج4/169. صحيح ابن خزيمة ، ج 3/277. صحيح الترغيب و الترهيب رقم 1239 وقال عنه الشيخ الألباني حديث حسن . كما أورده الشيخ في السلسلة الصحيحة ، ج6/427برقم 2690.
[26]  -  انظر صحيح البخاري ج3/1045. صحيح مسلم ، ج3/1506. المنتقى لأبن الجارود ، ج1/259. صحيح ابن حبان ، ج10/490. المستدرك على الصحيحين ج2/92. مسند أبي عوانة ج4/479. الترمذي ، ج4/196. الدارمي ،ج2/275. البيهقي ، ج4/240. و غيرهم كثير .
[27] - رواه مسلم وأبو داود إلا أنه قال فيه ( صحيح ) إلا نصب له يوم القيامة فقيل هذا خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت  ورواه النسائي كأبي داود وزاد أترون يدع له من حسناته شيئا   .

 
المصدر موقع قاوم : http://qawim.net
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية