اطبع هذه الصفحة


الحزب الأوحد في العالم العربي

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه ، و يدفع عنا نقمه . والصلاة و السلام على إمام المرسلين نبي الرحمة و الملحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله سلم ، بعد :

وهذه دراسة واقعية حاولت من خلالها أن أعري حزب من أشد الأحزاب خطورة في عالمنا العربي ، حزب استغل كل شيء يقدر عليه أو يمكن استغلاله .

استغل العباد ، و الموارد و الأفكار بل حتى الأديان ، و كل ما يستطيع استغلاله للبقاء ، و الاستمرار .
و قد أطلقت عليه الحزب الأوحد ، لأنه لا يريد أن يشاركه أحد في أي شيء لا في السلطة و لا في السلطان .

و عليه سوف نبحث في النقاط التالية :

أولا – الحزب الأوحد ، والمشاركة السياسية .
ثانيا – الحزب الأوحد ، و الشرعية السياسية .
ثالثا – الحزب الأوحد ، و التكامل القومي .

و الله الموفق ، و به ثقتي


أولا – الحزب الأوحد ، و المشاركة السياسية :

أعتقد أن من مهام الأحزاب بشكل عام التمثيل السياسي لمختلف أصناف الشعب لتنظيم مصالحهم ، و الدفاع عنها .

و ربما تصاغ تلك المهام في شكل أكثر وضوحا و تحديدا لتشمل :
اختيار العناصر القيادية للمناصب الحكومية و العامة ، و وضع المناهج و البرامج للحكومات للتحقيق المصالح الاجتماعية من خلال تلبية مطالب مختلف الأحزاب ، و التوفيق بينها .

هذا من حيث الفلسفة أو النظرية ، أو بما يجب أن تكون عليه الأحزاب بشكل عام .
بيد أن الأمر يختلف جذريا في البلدان الضائعة ، و الشعوب المستغلة في عالمنا العربي التي تزعم تلك الأحزاب أنها تريد التنمية و التحديث ، و هي في الحقيقة تسعى لتنمية نفسها ، و قياداتها على حساب الشعب ، و قوته و حريته و ثرواته المادية و المعنوية .

فالأحزاب المسيطرة على السلطة في عالمنا العربي تستغل كل شيء لحساب تنمية سلطها و سيطرتها ، فهي تستخدم كافة المنجزات التكنولوجية المتاحة للسيطرة و القهر و الاستغلال في كل الدولة ، و مؤسساتها في المدارس ، و الجامعات ، و المصانع ، و المشروعات التجارية و السياحية ...... إلخ .

فأصبح المواطن المسكين يشعر بالغربة ، و الاغتراب و هو في بلده ، و وطنه الأمر الذي قد يخلق الحاجة الماسة إلى هوية جديدة ، و ولاءات جديدة أيضا تكسبه ما فقد .
مما قد يفتح الباب على مصراعيه إلى الصراع العنيف في المجتمع ، و جميع طبقاته وخصوصا لدى الطبقة الفقيرة التي ازداد عدد أعضائها بشكل مفزع ، و مخيف .

و رغم كل هذا نجد أن الطبقة - ( الذين لا يبلغ تعدادهم إلا بعدد اليد الواحدة على الأغلب ) - المسيطرة ترفض الإصلاح الحقيقي للحفاظ على ما لا يمكن الحفاظ عليه إلا بهذا النهج في الاستغلال و الاستعباد لجميع طبقات الشعب و مقدراته و ثرواته .

و السؤال المهم في هذا المقام ، ما هي العوامل والأسباب التي تمنع الطبقة المسيطرة من الإصلاح الحقيقي ؟ :

الحقيقة أن هناك عوامل ، و أسباب كثيرة تمنع الفئة المسيطرة على مقدرات الأمة من أي خطوة حقيقية للإصلاح منها :

أ‌- العامل القيمي الذي تتبناه النخبة المسيطرة على مقدرات البلاد و العباد :
هذه النخبة تنظر إلى الإصلاح الحقيقي للبلاد على اعتبارها نوعا من التهديد المباشر لسلطانها ، و كيانها ، و استمرارها . فأي إصلاح سيؤدي بوجهة نظرها و منهجها إلى الإطاحة بها لأنها لم تزرع إلى الشوك لشعبها و مناهضيها.

ب‌- العامل الثاني ، فهو متصل بالعامل الأول بشكل مباشر الذي يتمثل بالتصالح ، و مشاركة المعارضين للنظام القائم .
فليس من المتصور أن تسمح تلك الفئة المسيطرة على مقدرات البلاد ، و العباد بالسماح لأي جماعة ، أو حزب أو مؤسسة مدنية بالظهور العلني ، أو حتى المخفي ، و إلا كان القمع هو الاستجابة المتصورة لظهور أي معارضة حقيقية للنظام ، و سلبياته و أركانه .

ج – أما العامل الثالث : فهو ذو طابع سيكولوجي :
يتضمن بأن النخب الجديدة في الطبقة – إن صح التعبير - المسيطرة على مقدرات البلاد تجد صعوبة شديدة في تقاسم القوة أو السلطة حتى لو كان بشكل جزئي .
فأي تنازل أو تقاسم سعني – بحسب تصوره – أن أيام بقائهم في السلطة أصبح معدودا . مما يعني أنه يجب التمسك بالسلطة بكاملها حتى لو كان على حساب حريات ، و حقوق معظم فئات الشعب ، لأن هذا يضمن لهم البقاء ، و الاستمرار في السلطة ، و القوة .

وقد تضطر أمثال هذه السلطة إلى تشكيل بعض الأحزاب الشكلية للمشاركة المحدودة في السلطة دون أي سلطان حقيقي ، فهي قد تعطيهم بعض الوزارات غير السيادية من أمثال وزارة الثقافة و الرعاية والشباب لكي تدور في فلك النظام ، فيردد أفعاله و أقواله .

و عادة قيادة الحزب الأوحد تستخدم ، و تستغل الحزب ، و جميع أعضائه و أفكاره جنبا إلى جنب مع القوة القمعية للدولة لتحقيق أهدافها المبتورة و الأنانية .

ومن المهم الإشارة إليه فيما يتعلق بالمشاركة الفعلية لأعضاء الحزب الأوحد الحاكم ، فالنظام عادة لا يسمح لجميع أعضائه بالسعي الجاد للتطوير ، و التحديث إلا في حدود ما يضمن له السلطة ، و السيطرة الكاملة فمن لم يدور في فلكه فالعزل و التغيب القصري في المرصاد .

و في الحالات النادرة التي يسمح في بالمشاركة الكاملة ، فهو إما أنه لا ينظر لهذه المشاركة على أنها تهديد خطير لبقاء نظامه ، أي أنه يعتبر نظامه ، و كيانه أقوى من أي تهديد قد يتعرض له النظام و أركانه من خلال هذه المشاركة الهامشية الشكلية .

من ناحية ثانية هناك اختلاف بين النظم الحزبية المختلفة في قدرتها على تحقيق المشاركة .

ففي نظام الحزب الأوحد لا يمكن للقوى الاجتماعية الجديدة المشاركة في النظام السياسي إلا من خلال الدخول لهذا الحزب ، أو الدوران في فلكه نفاقا أو مرغما للقمة العيش أو طمعا في سلطان بال .

وبذلك تتسم السبل التي يتيحها أمثال هذا النظام بالبساطة ، وعدم التعقيد و محدودية الطرق المتاحة لاستيعاب القوى الاجتماعية الجديدة أو المهمشة .

كما يمكن لقادة هذا النظام ممارسة درجة عالية جدا من السيطرة على تعبئة الجماعات الجديدة فيه ، و لكنهم لا يخضعون لضغوط تنافسية من أجل اجتذاب الجماهير ، و بالتالي ضمان استمرارهم في السلطة و الحكم .

و الملاحظ أن هناك ارتباط قوي بين قوة الحزب الأوحد ، واستمراره ، و بين قدرته على اجتذاب قوى اجتماعية جديدة خصوصا من القوى المثقفة التي لا تحمل أي التزام اتجاه الذات الإلهية أو الضمير الحي من أجل الحصول على الوظائف و الفرص الوظيفية ، و التدرج بها ، و ربما القفز إن أمكن ذلك .

فالمثقف الذي لا يكون من أعضاء الحزب الأوحد لا يمكنه أن يعمل في أي جهاز من أجهزة الدولة مهما كانت شهادته العلمية ، و اختصاصه الدقيق النادر المهم للشعب ، و الوطن لتطويره و تحديثه .

على أن السعي المتزايد لدى الحزب الأوحد إلى استيعاب القوى الاجتماعية باستمرار قد يحقق السيطرة الشمولية على جميع القوى الجماهيرية .
بيد أن ذلك سوف يؤدي لا محالة إلى إضعاف وحدة ، و انضباط أعضاء الحزب الأوحد .

لذا فإذا ما عجزت قيادات الحزب عن استيعاب تلك القوى الاجتماعية الجديدة ، أو المتزايدة ، فإما أن ينتهي نظام الحزب الأوحد ، وإما أن يستمر هذا النظام معتمدا على القمع ، و معرضا في أي لحظة للانهيار ، و الاضمحلال في مزبلة التاريخ .

ثانيا – الحزب الأوحد ، و الشرعية السياسية :

لا جرم أن جميع الأحزاب ، و الجماعات غير الدينية أو التي لا تتخذ من كتاب الله تعالى و سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دستورا لا يمكن أن توصف بالشرعية أبدا إلا تبريرا لأعمالها أو شراء لصفة المشروعية شراء قهر أو اغتصاب .

و بناء على هذا ، فإن أمثال هذه الأحزاب تعاني مرضا مزمنا في الشرعية لا من منظار أهل القبلة فقط ، بل حتى من منظار أركانها ، و أعضائها ، و مؤسسيها و مناظريها .

فهي تشتري مناظريها شراء بالسلطة حينا ، و بالإرهاب حينا آخر ، ولا بأس بالتعاون مع من يستطيع أن ينعق لصالحها ، أو يجد ذلك وفق المعايير المحلية والعالمية .

و يا ليته يلبس العمة ، و يقول في بداية حديثه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ما دام يشرعها ، و يدافع عنها ، و عن أهدافها ، و أساليبها و شرعية استمراريتها ، و قمع و استغلال شعوبها .

ثالثا – الحزب الأوحد و التكامل القومي :

فمفهوم التكامل القومي بشكل عام يعني :
اندماج العناصر الاجتماعية ، و الاقتصادية ، و الدينية ، و العرقية ، و الجغرافية في الدولة القومية الواحدة .

و هذا المفهوم ما بين الحزب الأوحد والتكامل القومي يتضمن عنصرين من حيث النظرة لا التطبيق :

أولهما : قدرة الحزب الأوحد على السيطرة على جميع أقاليم البلاد الخاضعة لسيادته .
ثانيهما : توافر مجموعة من الاتجاهات لدى أكثرية الشعب إزاء الأمة عموماً لتشمل الولاء ، و الإخلاص لآمال الأمة القومية فوق الاعتبارات المحلية الضيقة .

والحزب الأوحد عادة يستغل هذا أبشع استغلال للقضاء على مخالفيه بحجة الأمن القومي للأمة ، فيبيع الأمة ومقدراتها بهذه الحجة ، وأمثالها .

وخلاصة ما قلنا و كتبنا يتبين لنا أن كابوس الأحزاب اللادينية وراكبها الحزب الأوحد هو غول هذا الزمان القابع على صدور الأمة وتطلعاتها في النهضة ، والتحرر والتنمية ولا يمكن لأي أمة تريد التنمية والتحرر، و يتربع على صدورها أفكار لادينية وحزب أوحد يستغلها وقيادات معدودة على أصابع اليد الواحد .

فأي أمة تلك تريد أن تنهض و تتحضر و تتقدم ، وهذا الكابوس يتربع فوق صدرها .

نسأل الله العفو، والعافية

والحمد لله رب العالمين .

لمراسلة الكاتب
abokotaiba@hotmail.com


خاص : لموقع قاوم
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية