اطبع هذه الصفحة


لقاء خاص مع المحامي الدكتور مسلم اليوسف
حول حقوق الأم السجينة

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الدكتور الفاضل: مسلم اليوسف... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتمنى أن تكون بخير
بصفتك متخصص بالأمور الشرعية والقانونية فإنه يسعد موقع رسالة المرأة عمل حوار قصير معك حول حقوق المرأة السجينة
http://www.womanmessage.com

وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يوفقك لما يحبه ويرضاه ويزيدك علما وينفعنا و إياك به
وتقبل تحياتي
سمية السحيباني

حقوق الأم السجينة

بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين وبعد:

أشكر بداية أسرة موقع رسالة المرأة على هذا الحوار وأسأل الله تعالى لهم التوفيق و النجاح في الدارين ، كما أخص بالشكر شيخنا الفاضل العلامة الفوزان المشرف العام على موقع رسالة الإسلام الذي تشرف بتدريس بعض كتبه عندما كنت في بلاد الفلبين فوجدت فيها العلم الغزير وشخصية العالم المربي فجزاه الله عنا وعن كل المسلمين كل خير .

و بعد :
عنى الإسلام عناية فائقة بإصلاح الفرد وتهذيبه وتطهير نفسه فأمره بالصلاة خمس مرات في اليوم والليلة يقف فيها أمام خالقه العظيم تائباً لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فتتطهر نفسه من الذنوب وأسبابها وعواقبها .
قال تعالى : ( وأتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ) سورة العنكبوت ، الآية 45 .

كما أمر الله تعالى بالزكاة حتى يمكن بناء المجتمع المتكافل فالفقير الذي ينال حقه من الغني تطهر نفسه من الحسد و الضغينة وهما من أسباب الجريمة و الانحراف .
فيكون المجتمع نظيفا أصبح كثير من أفراده أخوة متحابين ، رحماء متعاطفين .
قال تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) سورة التوبة ، الآية 103 .

كما أمرهم بالصوم الذي يعوده على مقارعة جماح الشهوات ، فهل تعيش الجريمة وتترعرع إلا في مستنقع الشهوات .
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .

كما أمرهم بالحج : و الحج مجتمع كبير تذوب فيه الفوارق حيث يقف الحجاج على اختلاف أجناسهم و أعراقهم ولغاتهم بلباس واحد أما خالقهم العظيم جل جلاله ، فيعود الحاج من حجه نقي القلب طاهر النفس كيوم ولدته أمه .
أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) . صحيح البخاري ، ج2\ 264.

إن العبادات التي أسلفنا أثرها في مكافحة الجريمة ترجع إلى الإيمان بالله تعالى الذي شرع هذه العبادة ، لإصلاح النفس البشرية واستقامة سلوكها .
أخرج البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا ينتهب نهبه يرفع الناس إليه فيها أبصارهم و هو مؤمن ) صحيح البخاري ، ج8\281- 282.

إن الإيمان الصحيح إذا تربع في صدور الأمة ساد فيها الأمن و إذا فقد دب فيها الفساد و أهدرت القيم فضاعت الحقوق وأصحابها.

السؤال الأول : - تعامل السجينة من قبل أقاربها معاملة سيئة فيقطعون علاقتهم بها ويحرمونها من رؤية أطفالها ...
* ما هي الأسباب التي تدفع الأسر للتعامل مع السجينة بهذا الشكل؟
* كيف ينبغي أن يتعاملوا معها؟
* ما هو دور القريب الذي يحتضن الأطفال تجاه توعية أبناء السجينة بجريمتها وسجنها ومدة عقوبتها؟
* هل من حق الأطفال زيارة والدتهم في السجن؟أم أن ذلك سيؤثر سلبيا على نفسياتهم ؟ .

الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
لاشك أن كثيرا من الأسر المحافظة تتعامل في كثير من الأحيان معاملة سلبية مع السجينة ، فربما يقطعون علاقتهم معها كما قد يحرمونها من رؤية أطفالها أو التواصل معهم .
ولعل أكثر من يقوم بمثل هذه الأعمال أهل السجينات المتهمات بقضايا التي تمس الشرف والأخلاق ، فمن تسجن أو تتهم بجريمة أخلاقية تعامل معاملة سلبية في شيْ .
ولعل الخير لكل من السجينة و أهلها التعاون لمعالجة هذه الأزمة للخروج بأقل الخسائر ، و أقل التكاليف فالذي حصل قد حصل ، فلماذا لا نعطي المذنبة فرصة حقيقية للتوبة والإصلاح أو لماذا لا نقف مع من حيك لها مؤامرة رهيبة فأوقعها في هذه الهاوية السحيقة ولا يمكن هذه المتهمة المسكينة أن تخرج من هذه المحنة إن لم يتعاون معها أهلها فيكشفوا حقيقية الجريمة وأسبابها الحقيقية أو على أقل تقدير أسبابها المخففة .
وأنا شخصيا أرغب كل من وقع بأمثال هذه المحنة أن يقف مع ابنته أو زوجته أو أخته أو قريبته فيمد لها يد العون والمساعدة حتى تخرج من هذه المهلكة بأقل الخسائر و التكاليف فيكون له الأجر و الثواب في الدنيا و الآخرة .
فعلى الأهل أن يساعدوا هذه المتهمة بالتوبة و العودة على المجتمع لتكون فردا صالحا .
و الذي حصل قد حصل فيجب أن يكون درسا قاسيا يورث تجربة إيجابية تستطيع من خلالها السير قدما إلى الأمام بحيث لا تنظر إلى الخلف إلا للحرص على عدم العودة وتجديد التوبة .
أما عن دور القريب الذي يحضن أطفال السجينة فيجب أن يكون له دور إيجابي بكل معنى الكلمة سواء لأبناء السجينة أو للسجينة ذاتها .
أما عن أبناء السجينة : فأعتقد أن طريق الصراحة هو الذي أحب أن يسلك .
وطبعا هذه الطريقة وطرق تفهيمها يجب أن تتناسب مع عمر الطفل و الجريمة التي ارتكبتها السجينة .
فأعتقد أن على القريب الحاضن لأطفال السجينة أن يبين للأطفال بيانا يوافق عقلهم وصغر سنهم فيبسط لهم ما تستطيع أسباب هذه المحنة التي وقعت فيها هذه السجينة حتى يكونوا على علم ودراية بكل أشكال الحياة وألوانها الزاهية و القاتمة .
كما اعتقد أن من حق الأطفال بزيارة والدتهم في السجن ، لأن ذلك سوف يساعدهم على تخطي صعاب المرحلة المقبلة بكل واقعية ، فيعدوا ما يستطيعوا من قوة لمتابعة حياتهم الطبيعية من جديد و على أسس صحيحة و الله المستعان .

ثانيا - الأمهات السجينات المحكوم عليهن بقضايا أخلاقية ومخدرات .. هل هن مؤهلات لرعاية أبنائهن بعد خروجهن من السجن.. وهل هن قادرات على تحمل المسئولية الملقاة على عاتقهن؟
.
الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
لا شك أن الأمهات السجينات المحكوم عليهن بقضايا أخلاقية أو مخدرات أو ماشابه لا يمكن أن يكن مؤهلات لرعاية ، و حضانة أولادهن بعد خروجهن من السجن إلا بعد مدة طويلة يبرهن من خلالها أنهن قد أصبحن أمهات صالحات .
فمن المعلوم أن من أسباب سقوط الحضانة الفسق أو قلة الدين وصونه بأن يكون غير مؤتمن على الولد ، لعدم تحقق المصلحة المقصودة من الحضانة .
وقد نصت المادة 147\ 3 على أنه : إذا ثبت أن الولي _ ولو أبا – غير مأمون على الصغير أو الصغيرة ، يسلمان إلى من يليه في الولاية .... ) .

3- عندما تضع الأم مولودها من حمل سفاح تكون أمام خيارين تجاه هذا الطفل..فإما أن تتخلى عنه لدار الأيتام أو تحتفظ به..
* شرعيا..ما هو حكم احتفاظها بهذا الطفل وتربيته..
* اجتماعيا..ما الذي يترتب على احتفاظها به مع العلم أن تخليها عنه قد يعني التخلي تماما عن حلم الأمومة لأن فرصة تكوين أسرة تكون ضعيفة للغاية في مثل ظروفها؟

الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
يشترط في الحاضنة عموما ما يلي :
1- البلوغ : فلا حضانة للصغيرة و لو كانت مميزة لأنها عاجزة عن رعاية شؤون نفسها فكيف بغيرها.
2- العقل : فلا حضانة للمجنونة و المعتوهة : لأنهما بحاجة إلى من يرعى شؤونهما ، فلا يحسن الواحدة منهما القيام بمصلحه فضلا عن غيره .
3- القدرة على تربية المحضون : وهي الاستطاعة على صون الصغير في خلقه و صحته .
4- الأمانة على الأخلاق : فلا حضانة لغير الأمينة على تربية ولدها وتقويم أخلاقه ، كالفسق أو الزنا و اللهو الحرام . وقد قيد ابن عابدين رحمة الله تعالى : الفسق المانع من حضانة الأم بكونه فسقا يضيع به الولد ، فيكون لها حق الحضانة ولو كانت معروفة بالفجور ، ما لم يصبح الولد في سن يعقل فيها فجور أمه ، فينتزع منها ، صونا لأخلاقه من الفساد ، لأنها غير أمينة .

4-عند انقضاء مدة سجن الأم..تصبح كلاجيء لا وطن له..
* من الذي يوفر لها حق العودة إلى أبنائها؟
* ومن المسئول عن تطبيق هذا الحق؟
* وكيف تستعيد أبناءها إن حرمت منهم؟

الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
: إذا سقطت الحضانة لمانع من الموانع ثم زال هذا المانع عادت الحضانة إلى صاحبها بناء على حكم قضائي ، سواء كان هذا المانع اضطراريا كالمرض أم اختياريا كالفسق و الفجور .
بمعنى أن الأم السجينة بعد خروجها من السجن تستطيع أن تقيم دعوى حضانة تثبت بها صلاحيتها للحضانة و المحكمة المختصة تعيد إليها ولدها بحكم قضائي واجب النفاذ وفق الأصول المرعية في كل بلد .

5- الأم التي دخلت السجن في قضية دفاع عن الشرف أو حماية لبيتها وأولادها من خطر ما...
* كيف تثبت لأولادها فيما بعد أن ما فعلته ليس خطئا أو عيبا ..
* ولماذا تعاقب بالسجن إذا كانت تدافع عن نفسها وعن أبنائها؟

الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
إذا اعتدى إنسان على غيره في نفس أو مال أو عرض ، فللمعتدى عليه أن يرد العدوان بالقدر اللازم لدفع الاعتداء حسب تقديره في غالب ظنه ، وللغير أن يعاونه في ذلك .
ويبتدئ المدافع بالأخف فالأخف إن أمكن ، فإن أمكن دفع المعتدي بكلام واستغاثة بالناس ، حرم عليه الضرب ، وغن أمكن الدفع باليد ، حرم استخدام العصا و إن أمكن الدفع بالجرح حرم القتل ، وإن لم يمكن إلا بالقتل أبيح للمدافع القتل لأنه من ضروريات الدفع .
قال تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، واتقوا الله أن الله مع المتقين ) .

6-عند عودة الأم إلى أبنائها..كيف تعوضهم عن الحنان والرعاية التي افتقدوها..وكيف تعيد التوازن لصورتها التي اهتزت في أعينهم؟

الجواب : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و بعد :
عند خلاص الأم من محنتها و سجنها عليها أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحة فتداوم على صلواتها و استغفارها ودعائها بالعفو و العافية .
فتعود إلى بيتها و أبنائها فتضمهم إلى حضانتها و حضنها الدافئ فتعوضهم و تعوض نفسها عن الماضي و مآسيه فتبدأ صفحة جديدة كلها أمل بحياة جديدة سعيدة والله المستعان .

 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية