اطبع هذه الصفحة


حق الدفاع عن الحرمات الخاصة
في أيام التحرر من الظلم أو الفتن
 في الشريعة الإسلامية

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه ، ويدفع عنا نقمه . و الصلاة و السلام على إمام الرحمة و الملحمة محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – وبعد :
أحببت أن أكتب هذا المبحث نظرا لوجود ثورة مباركة في إحدى الدول الإسلامية ( تونس – مصر ) و فتن في مظلمة في دول أخرى من مثل لبنان .
فأحببت أن أنور لكلا الفرقين ، ومن يتعرض لمحن من أمثالهما حكم الشرح الحنيف في الدفاع عن الحرمات الخاصة ، وطريقة الدفاع الشرعي عن أي صورة من صور العدوان في تلك الأيام و المحن ، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك للأخوة في تونس ثورتهم و يحميهم و يحمي باقي الدول الإسلامية من المحن والفتن ، و الظلم و الطواغيت إنه سميع مجيب .
 
الحرمات الخاصة في الشريعة الإسلامية :

الحرمات الخاصة في الشريعة الإسلامية هي : حرمة الدم ، وحرمة العرض ، وحرمة المال .
و هذه الحرمات أوردها الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في خطبة حجة الوداع فيما رواه الشيخان : ( فإن دماءكم و أموالكم ، و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب ) .[1]
فالحديث النبوي الشريف قد بين الحرمات و عدد أصنافها ، فكانت الدماء و الأعراض و الأموال فجعلها حرام على المسلمين و حرمتها كحرمة الشهر الحرام ، وبعد أن بين الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم أصنافها ، و حكمها أمر من سمع هذا الحكم أن يبلغه لشدة حرمته ، و خطورته على حياة المسلمين و مجتمعهم .
لذلك سوف أبين بشيء من التفصيل بما تفيد المقام والمقال أنواع الدفاع عن الحرمات الخاصة في الشريعة الإسلامية .
 
أنواع الدفاع عن الحرمات الخاصة :

بينت الشريعة الإسلامية أنواع الدفاع عن الحرمات الخاصة فكان هناك :
1- الدفاع بالقتال عن النفس ضمن صور تتعدد ألوانها وأحكامها بحسب ظروف المعتدي ، و المعتدى عليه . 
2- الدفاع بالقتال عن العرض ضمن صور تتعدد ألوانها ، و أحكامها بحسب ما سأبينه فيما بعد .
3- الدفاع بالقتال عن المال أيضا ضمن صور تختلف ألوانها ، وأحكامها بحسب ظروف المعتدي ، و المعتدى عليه ، و محل الاعتداء ، وفقاً للتفصيل التالي  :
 
أولا – الدفاع بالقتال عن النفس :

الدفاع بالقتال عن النفس من أخطر أنواع الدفاع نظرا تعرض نفس المعتدي للقتل لذلك عني بها أهل العلم عناية شديدة و خاصة لتناسب الخطر المحدق بالمعتدي و المعتدى عليه . فإذا هوجم إنسان بقصد الاعتداء على نفسه ، أو أي عضو من أعضائه ، سواء أكان الهجوم من إنسان أو حيوان ، فهل يجب على المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه أو أي عضو من أعضائه .
 
اختلف الأئمة في حكم الدفاع عن النفس بالقتال إلى عدة اجتهادات كانت ما بين المباح إلى المندوب إلى الواجب وفق التفصيل التالي :

أ – الدفاع عن النفس بالقتال واجب شرعي : قال بهذا القول جمهور العلماء من الأحناف و المالكية و الشافعية [2] بيد أن الشافعية قيدوا وجوب الدفاع عن النفس بالقتال بكون الصائل المعتدي كافراً ، أو غير عاقل ، أو بهيمة ، أو مسلما غير محقون الدم ، كالمسلم الذي يقطع الطريق أو غير العاقل الذي يعتدي على الأنفس بالقتل  .
ومن الأدلة على وجوب الدفاع عن النفس قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) .[3]
وقوله سبحانه وتعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )
ب – الدفاع عن النفس مندوب :
و هو رأي السادة الشافعية ، وذلك إذا كان المعتدي مسلما محقون الدم . فإذا دخل مسلم على مسلم لكي يقتله ، فدفاع المعتدي عليه – وفق رأي الشافعية مندوب ، و ليس بواجب على ألا يترتب على هذا الاستسلام مفاسد خاصة بالحريم ، و الأطفال ، و إلا اعتبر الدفاع واجبا ، و ليس بمندوب [4].
وكان دليل هذا الفريق من أهل العلم ما رواه أبو داوود في سننه في أول كتاب الفتن و الملاحم عن أبي كبشة ، قال : ( سمعت أبا موسى يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا و يصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والماشي فيها خير من الساعي ، فكسروا قسيكم و قطعوا أوتاركم ، واضربوا سيوفكم بالحجارة ، فإن دخل – يعني – على أحد منكم ، فليكن كخير ابني آدم ). [5]
ولعل الدفاع عن النفس مندوب في الحروب الأهلية ، الفتن و امثالهما فمن تعرض لذلك مندوب عليه الدفاع ، و ليس واجب ، و الله أعلم  
ج – الدفاع عن النفس مباح :
إن الدفاع عن النفس مباح ، وليس بواجب سواء أكان المعتدي صغيرا أو كبيرا أو غير ذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -  فيما رواه ابن ماجه في سننه عن أبي بردة ، قال : دخلت على محمد بن مسلمة ، فقال : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، قال : إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف ، فإذا كان كذلك فأت بسيفك أحدا فاضربه حتى ينقطع ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية فقد وقعت و فعلت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .[6]
 
ثانيا - الدفاع بالقتال عن العرض :

 وهذا النوع من الدفاع واجب على المعتدى عليها وهو واجب أيضا على أقاربها بل على أي مسلم ، لأن الأعراض حرمات الله في الأرض ، ولا سبيل إلى إباحتها بأي حال من الأحوال  .
ودليل ذلك ما رواه أبو داوود في سننه عن سعيد بن زيد عن النبي – صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله أو دمه أو دون دينه فهو شهيد ) .[7]
و الدفاع عن الأعراض من قبل غير الأهل يندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما ، كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه من الظلم ، فإن ذلك نصره ) .[8]
وفي حديث آخر أخرجه الشيخان رضي الله عنهما عن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) . [9]
و الشاهد في هذا الحديث : ( لا يظلمه و يسلمه ) أي أن المسلم لا يدافع عن أخيه المسلم و لا يسلمه لمن يريد به مكروها أو اعتداء .
قال ابن حجر عليه رحمة الله : ( القادر على تخليص المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه ، فإذا دافع عنه لا يقصد قتل الظالم ، وإنما يقصد دفعه ، فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدرا ، وحينئذ لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره ) .[10]
ولعل الحديث الذي أورده الإمام أحمد عليه رحمة الله يبين واجب نصرة المسلم و عدم خذلانه ما دام قادر على نصرته و الدفاع عنه .
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أذل عنده مؤمن ، فلم ينصره ، وهو قادر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) [11].
ولا جرم أن الدفاع عن الأعراض من باب أولى وهو من أولى الواجبات للدفاع عن الحرمات الخاصة  فلا شك بوجوب الدفاع عن الأعراض و مساعدة ومساندة من يتعرض للعدوان لذلك و الله المستعان .
 
ثالثا - الدفاع بالقتال عن المال :

تعددت اجتهادات أهل العلم بمرتبة بحكم الدفاع عن المال بالقتال ما بين الواجب أو المباح أو الترك على النحو التالي :
1- الدفاع بالقتال عن المال واجب : قال بهذا الاجتهاد الشافعية [12]وبعض أهل العلم [13]في حالات ، وصور هي :
أ‌- أن يتعلق بمال المدافع حق الغير كرهن و إجارة وأمثالهما .
ب‌- أن يكون المال ذا روح ، بشرط أن لا يتعرض المدافع أو عرضه للخطر .
ت‌- أن يكون المال هو مال الآخرين ، لأنه إذا جاز للمسلم أن يتنازل عن ماله لكنه لا يجوز التنازل عن حق غيره . طبعا إذا لم يصبه ضرر بليغ بسبب هذا الدفاع .
2-  الدفاع بالقتال عن المال مباح : وقال بهذا الاجتهاد جمهور من الفقهاء فالمسلم يباح له الدفاع بالقتال عن ماله أو مال أو مال غيره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) .[14]       
قال الإمام النووي عليه رحمة الله تعالى : ( أما أحكام الباب ففيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق ، سواء كان المال قليلا أو كثيرا ، لعموم الحديث[15] ، وهذا قول الجماهير من العلماء ) .[16]
3-   ترك الدفاع بالقتال عن المال واجب : وذلك إذا كان المعتدي على الأموال الدولة .
 قال ابن المنذر : و الذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل ، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان ، للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره ، وترك القيام عليه ) .[17]
هذا و بعض أهل العلم لم يستثن حتى الحكام من جواز مقاتلتهم إذا اعتدوا على الأموال الخاصة ، بل سحبوا هذا الحق ولو في وجه الحكام المعتدين .
روى ابن حزم الظاهري عليه رحمة الله : ( أن أبا بكر الصديق كتب لأنس هذا الكتاب حين وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المسلمين ، والتي أمر الله عز وجل بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فةقها فلا يعط . قال أبو محمد [18] : فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمر من سئل ماله بغير حق أن يعطيه ، و أمر أن يقاتل دونه ، فيقتل مصيبا سديدا ، أو يقتل بريئا شهيدا ، ولم يخص عليه السلام مالا من مال ، وهذا أبو بكر الصديق ، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يريان السلطان في ذلك ، وغير السلطان سواء ، وبالله تعالى التوفيق ).[19]
وقد جاء في صحيح مسلم : ( أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان ، تيسروا للقتال . فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو ، فوعظه خالد ، فقال عبد الله بن عمرو : ( أما علمت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) .[20]
وفي فتح الباري رواية للحديث توضح الشاهد منه ، وهي : ( أن عاملا لمعاوية أجرى عينا من ماء ليسقي بها أرضا ، فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص ، فأراد أن يخرقه ليجري العين منه إلى الأرض ، فأقبل عبد الله بن عمرو ، ومواليه بالسلاح ، وقالوا : والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحد ) فذكر الحديث ، والعامل المذكور هو عنبسة بن أبي سفيان كما ظهر من رواية مسلم ، وكان عاملا لأخيه على مكة والطائف ، والأرض المذكورة كانت بالطائف ... ) .[21]
وبعد هذا البيان و التفصيل أتمنى من جميع المسلمين الذي يتعرضون لأمثال هذه الظروف و الحوادث و الفتن أن يستفيدون من هذا المبحث فيتعرفون على حدود الله فيقفون عندها . فلا يعتدي من يدافع عن نفسها أو غيره إلا ضمن حدود الله تعالى ، و الله مع العبد يحميه و ينصره ما دام العبد مع الله لا يتعدى حدوده و اوامره و نواهيه .
و الله من وراء القصد


المحامي الدكتور مسلم اليوسف
 

-------------------------------------
[1] - فتح الباري ، ج 1/ 157 . صحيح مسلم ، ج3/1305- 1306.
[2] - مغني  المحتاج ، ج4/21 . الشرح الكبير و الدسوقي ، ج4/357. الدر المختار ورد المحتار ، ج2/ 197. و انظر الفقه الإسلامي و أدلته للدكتور وهبة الزحيلي ، ج5/755.
[3] - سورة البقرة ، الآية 195.
[4] - مغني المحتاج ، ج4/195.
[5] - سنن أبي داوود ، قال عنه الشيخ ناصر حديث صحيح برقم 4259.
[6] - سنن ابن ماجه ، كتاب الفتن ، باب الكف عمن قال لا إله إلا الله ، برقم 3962. وقال عنه الشيخ ناصر الدين حديث صحيح ( صحيح الجامع الصغير ، برقم 2432) .
[7] - سنن أبي داوود ، رقم 4772 و قال الإمام الألباني : حديث صحيح .
[8] - فتح الباري ، ج12/323.
[9] - متفق عليه .البخاري ، ج1/459 برقم 2482 . مسلم ،ج21097 برقم 6743.
[10] - فتح الباري ، ج12/324.
[11] - مسند الإمام أحمد ، ج 3/ 487. وقال عنه الشيخ ناصر الدين حديث ضعيف ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ) برقم 2402.
[12] - مغني المحتاج ، ج4/196.
[13] - نظرية الضرورة الشرعية للدكتور وهبة الزحيلي ، ص 149.
[14] - رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو . البخاري ، ج1/466 برقم 2520 . مسلم ، ج1/72. برقم 72.
[15] - ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) .سبق تخريجه.
[16] - شرح صحيح مسلم للإمام النووي ، ج1/516.
[17] - نيل الأوطار للشوكاني ، ج5/367.
[18] - يعني ابن حزم .
[19] - المحلى لابن حزم ، ج11/209 وما بعدها .
[20] - مسلم ، ج1/125، برقم 141 .
[21] - فتح الباري ، ج5/123.


 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية