اطبع هذه الصفحة


دور إمام و خطيب المسجد في تقوية عقيدة و أخلاق المسلمين

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
 الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً يوافي نعمه ، و يدفع عنا نقمه ، والصلاة و السلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله – صلى الله عليه و سلم - رسول الرحمة و الملحمة .
 فهذا مبحث مبسط صغير سأبين فيه دور إمام و خطيب المسجد في تقوية عقيدة ، و أخلاق المسلمين من خلال عمله في المسجد و خارجه ، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفقهنا في الدين ، و يعلمنا التأويل .
 
قال تعالى : { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } [1].
 وبعد :
 
إن لخطيب و إمام المسجد فاعلية كبرى في نفوس المصلين والمسلمين من أي وسيلة أخرى ، لأن إمام و خطيب المسجد بما يملك من علم و معرفة و ثقة متبادلة ما بينه ، و بين المصلين يستطيع – إن وفقه الله - أن يؤثر في هؤلاء بكل سهل  و يسر ، كما يستطيع أن يقتلع جذور الظلم ، و الشر من نفوس كثير من الناس ، و يعيد بعث الخشية من الله تعالى ، و حب الحق  و أهله ، و قبول العدل و ما ينتج عنه ، و إصلاح النفوس و تربيتها على الآداب الفاضلة ، و الأخلاق الحميدة و العقيدة الصحيحة .
 
 و لا يمكن أن ينجح إمام و خطيب المسجد في أداء أي مهمة إلا إذا أخلص النية لله تعالى ، ثم حاول محاكاة أسلوب الرسول – صلى الله عليه وسلم – و الذي كان يأخذ بألباب سامعيه و استدراجه اللبق لأفهامهم وبالصوت العذب ، و الحجة الظاهرة الدامغة ، و مراعاة مقتضى الحال ، فلكل مقام مقال .
 فعلى خطيب و إمام المسجد أن يكون شغله الشاغل الوعظ ، والتذكير بالله تعالى ، و بحسابه و جزائه ، و بالمعاني الربانية ، التي تحي القلوب ساعياً إلى زرع الإحسان في نفوس ، و وجدان المسلمين ، و أن يعبدوا الله كأنهم يرونه ، فإن لم يروه ، فإنه يراهم ، و التي بينها الحديث المروي عن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال :  بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، و لا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، و وضع كفيه على فخذيه ، و قال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : " الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله ، و تقيم الصلاة ، و تؤتي الزكاة ، و تصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، و كتبه ، و رسله ، و اليوم الآخر ، و تؤمن بالقدر خيره وشره " .
قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " .
 قال : فأخبرني عن الساعة ؟ . قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ . قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان  ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال لي : " يا عمر ، أتدري من السائل ؟ . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .[2]
 
وحري بإمام و خطيب المسجد الاهتمام ، و التركيز على الأمور التالية :

1- تفقيه المسلمين بأمور دينهم مع العناية بالعقيدة الصحيحة ،    و الأخلاق ، و الآداب الإسلامية ، و ذكر و بيان أسماء العلماء و أهم كتبهم .
2- التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام و مصادره ، ورد الشبهات و الأباطيل بأسلوب علمي بسيط يناسب جميع المسلمين على اختلاف ثقافاتهم و أجناسهم و مشاربهم .
3- مقاومة النزعات العنصرية ، و الدعوات الجاهلية المفرقة لأبناء الأمة الواحدة و أعني بهم أهل السنة و الجماعة ، لأنهم هم الأمة .
قال تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[3]
4- تقوية و ترسيخ معان العبودية التي تنمي شعور الخوف من الله تعالى ، و الخوف من عقابه .
قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) } [4]
5- الالتزام بتقوى الله تعالى بالسر و العلن ، و بيان الأثر الإيجابي لذلك من راحة النفس و سكينة القلب ، و الالتزام بالمنهج القويم و الأفكار الصحيحة ، فيعم الأمن و الأمان على المجتمع و أفراده .
قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . [5]
 
إن قوة الإيمان أصل لكل خير و فضيلة ، و حصن حصين من شر أو رذيلة قد تهدد المسلمين و دينهم و مجتمعهم .
إن إمام وخطيب المسجد حين يحاول تقوية الايمان و الإحسان والفضيلة في قلوب و نفوس المسلمين ، فإنه ينمي الشعور بمراقبة الله تعالى خوفاً من ناره و حباً في مرضاته و جنته ، فيصحح المسلم من سلوكه و مواقفه وطريقة حياته و تعامله مع أخوته ، فتصفى الأرواح ، وتطهر القلوب ، فتستقر النفوس و تطمئن القلوب ، فينعكس ذلك على حياة الفرد و المجتمع ، فتعيش حياة طيبة فيها كثير من الرضا بقضاء الله تعالى و قدره .
قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[6] .
 
إن رابطة الإيمان التي تجمع بين أفراد الأمة على اختلاف أجناسهم و ألوانهم و أعراقهم هي أشرف الروابط و أوثقها على بقاء وحدة الأمة على مدار العصور والأيام إلى أن يرث الله الأرض ، و من عليها .
إن الإسلام يجمع ، و لا يفرق ، و يؤلف ، و لا ينفر ، و يقرب ، و لا يباعد ، لذلك لما أقام الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في المدينة أسس المجتمع المدني على الأخوة الإيمانية ، و المحبة ، والتواصل ، والتعاون و التكافل بين جميع أفراد المجتمع كله ، فحارب أسباب الفرقة و التمزق . كما حارب كل النعرات الجاهلية التي تثير الأحقاد و الفتن ، و غرس عوضاً عنها الإيمان و الأخلاق و الإحسان ، فشعرت الأمة بجميع مكوناتها بالوحدة و ترابط مصالحها ، ففازت بالدنيا و الآخرة .
قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) } .[7]
و قال جل جلاله : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [8].
 
إن الحقيقة الناصحة التي لا يستطيع أن ينكرها أي أحد عادل أن العقيدة الإسلامية تحرم و تحارب البغي و العدوان ، و تحفظ الحقوق بحيث يجد كل من ينتمي إليها و يحتمي بظلها القوة و المنعة ، فهناك الحدود و التعزيرات الرادعة التي يجب التوقف عندها و عدم تجاوزها ، و هناك الوازع الديني الحي الذي يردعه ، و يمنعه عن الوقوع في الكبائر أو الإصرار على الصغائر .
 
إن العقيدة الإسلامية تقوي الشعور الأخوة الإيمانية ، و تربط الفرد بالجماعة ، و تمنعه من الاعتداء على الجماعة ، و أفرادها ، لذلك على إمام وخطيب المسجد أن يهتم بالعقيدة و الأخلاق الإسلامية ، كما عليه أن يسرع في إزالة بوادر أي خلاف قد يظهر بين المسلمين ، فيحاول  إصلاح ذات البين بترسيخ العقيدة الإسلامية و أخلاقها الحميدة ، لأنها تعتبر الضمان الوحيد في تماسك المجتمع الإسلامي ، و ضمان الاطمئنان و الأمن و الآمان و المعيشة السعيدة .
و أختم مقالتي هذه بقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97 } [9].
و الحمد لله رب العالمين.

-------------------------------
[1] - (سورة الأَعراف ، الآية 89).
[2]  - رواه مسلم في صحيحه ، ج 1/37.
[3] - (سورة الحجرات ، الآية 9 - 10) .
[4] -(سورة الأَنْفال ، ا لآية50 - 51) .
[5] - (سورة الفتح ، الآية 4 - 6) .
[6] - (سورة النحل ، الآية  97) .
[7] - سورة أل عمران ، الآية 110 .
[8] -(سورة التوبة ، الآية 100) .
[9] -(سورة النحل ، الآية 90 - 97) .

خاص بموقع
دليل المسجد
http://daleelalmasjed.com
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية