اطبع هذه الصفحة


مع أي من الوالدين تعيش ؟

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
أنا شابة في عشرينات من عمري و مشكلتي أن والدي تطلقا منذ عدة سنوات ، فعشت مع والدي و إخوتي ، و الآن تريد والدتي أن ترفع قضية حضانة لكي نعيش معها ، و أنا لا أريد أن أقف أمام والدي في المحكمة ، فما الحل ؟
 
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الحل عندي و الله أعلم يتبين بالنقاط التالية :
 
أولاً : عليك الاستعانة بالله تعالى :
 فاشكي أمرك لله القادرعلى أن يصلح لك شأنك كله بطرفة عين أو أقل من ذلك .
 قال تعالى في كتابه العزيز : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ )     ( البقرة:45 ) .

ثانياً : التحلي بالصبر و الدعاء :
 قال جل جلاله مبيناً أهمية الصبر و الدعاء لتخطي الأزمات التي قد نمر بها في حياتنا ، و كأن الأمر عبارة عن مسألة حسابية على النحو التالي : إيمان + صبر + دعاء = فلاح بفضل الله تعالى .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( البقرة:153) .
       و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ، فأكثروا الدعاء .
         وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدعاء لا يرد بين الأذان و الإقامة  .[1]
 
فتوكلي على الله حق التوكل ، و سيكون الله تعالى معك - إن شاء - و سيخرجك من هذه الأزمة العاصفة إذا كنت من الصابرات الصادقات القانتات المستغفرات بالأسحار .
 قال تعالى : ( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) (آل عمران:17)

عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه خلفه ، فقال : يا فتى ألا أهب لك ، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك ، و إذا سألت فاسأل الله ،     و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن . و اعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه و اعلم أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا .
[2]
 
ثالثاً : الاستعانة بأهل العلم والصلاح :
الاستعانة بأحد من أفراد العائلة الكريمة ، على أن يكون من أهل الخير و الصلاح لإصلاح ذات البين . و حل هذه المسألة بالتراضي دون الحاجة إلى المحاكم و أمثالها ، فهذه الحلول بشكل غالب لا تأتي بخير .
قال تعالى :
 ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46)

 و إن لم تجدي ضالتك بأحـد مـن أفراد العائلة ، فاستعيني بأحـد العلماء أو طلاب العلم الورعين .  و احرصي على بيان حبك و ودك لأبويك ، و أنك لا تريدين أن تصل الخلافات بينهما إلى المحاكم ، و خصوصاً أن الخلاف يمكن أن يحل بشكل ودي دون أن تخصري أبويك أو أحدهما .
 
و أخيراً أنقل لك قول ابن قدامة - عليه رحمة الله تعالى - ، ففيه كلام بليغ ، لربما يضع النقاط على الحروف و تجدي فيه ضالتك :
( و لنا أن الغرض بالحضانة الحظ ، و الحظ للجارية ( أي الفتاة ) بعد السبع في الكون عند أبيها ، لأنها تحتاج إلى حفظ . و الأب أحق بذلك ، فإن الأم تحتاج إلى من يحفظها و يصونها ، و لأنها إذا بلغت السبع قاربت الصلاحية للتزويج ، و قد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة و هي بنت سبع . و إنما تخطب الجارية من أبيها لأنه وليها و المالك لتزويجها و هو أعلم بالكفاءة و أقدر على البحث فينبغي أن يقدم على غيره ... ) . [3]
 
و أختم قولي بقول الله تعالى :
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) ( البقرة : 214) .

و الله المستعان

-----------------------------
[1]  - رواه أحمد و الترمذي و صححه الشيخ ناصر الدين .
[2]  - الجامع الصغير ( 315 ) و قال الشيخ ناصر الدين الألباني : حديث صحيح .
[3] - المغني لابن قدامة ، ج 9/ 145.
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية