اطبع هذه الصفحة


هل الصلاة بهيئة الجلوس على الكرسي صحيحة في ظروف خاصة ؟

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
اسمحوا لي فضيلتكم أن اطرح عليكم سؤال يتعلق بالصلاة و هو يهم شريحة كبيرة من المسلمين المقيمين في البلدان غير الإسلامية كفرنسا :
 
فمخافة خروج الوقت خصوصا بالنسبة لصلاة الظهر    و العصر هل يمكن للمرء أن يصلي جالسا على كرسي أو في سيارة و ذلك لعدم وجود مكان للصلاة واقفا ؟
 
و هل هذه الصلاة مقبولة - إن شاء الله - أم علينا إعادتها .
  و هل الأجر يكون كاملا - إن شاء الله - ولو لم يكن الإنسان واقفا في صلاته و في حال وجود إمكانية الذهاب إلى المسجد هـل مـن الممكن الجمع بين الظهر و الـعـصر جمع تقديم أو جمع تأخير . و هل تكون صلاتنا صحيحة إن شاء الله .
نود من فضيلتكم أن تفصلوا لنا الأمر و جزاكم الله خيرا وبارك لنا الله في عمركم .
 
أخوكم ( .... ) نيابة عن مجموعة من الشباب المسلم .

 
 
الجواب :
 
الحمد لله رب العالمين  :
أقول مستعينا بالله تعالى : أن الواجب على المسلم  المستطيع  للقيام بدون حرج  أن  يأتي بالقيام على هيئته .
 أما الذي لا يطيق أو لا يستطيع القيام فله أن يصلي جالساً  دون حرج أو ينقص من ثوابه شيء .
قال ابن قدامة عليه رحمة الله  : و قد أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام ، له أن يصلي جالساً  و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين : صل قائما ً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ) .[1]
و تكليف القيام في هذه الحال حرج ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم – صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن و الظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية ، لكن لما شق عليه القيام سقط عن غيره .
 
و ضابط العذر الذي يسقط القيام و يبيح العقود في صلاة الفريضة ما يلي :
1-   العجز عن القيام .
2-   أن يزاد بالقيام المرض .
3-   أن يتأخر به الشفاء .
4-   أن يشق عليه مشقة كبيرة تذهب الخشوع .
قال الإمام النووي : ( قال أصحابنا : و لا يشترط في العجز أن لا يأتي القيام و لا يكفي أدنى مشقة ، بل المعتبر المشقة الظاهرة ، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك ، أو خاف راكب السفينة الغرق ، أو  دوران الرأس صلى قاعدا و لا إعادة ، و قال إمام الحرمين : الذي أراه في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه ، لآن الخشوع مقصود الصلاة .) .[2]
و  هذا الذي اختاره الجويني   رجحه شيخنا ابن عثيمين عليه رحمة الله تعالى عندما قال : الضابط للمشقة : ما زال به الخشوع      و الخشوع هو حضور القلب و الطمأنينة ، فإذا كان إذا كان قلقاً عظيماً و لم يطمئن و تجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله : فهذا شق عليه القيام فيصلي قاعداً ) [3].
و عليه فإن صلاتك على الكرسي جائزة ما دمت تجد حرجا  يذهب الخشوع بالقيام .
أما سؤالك عن ثواب تلك الصلاة و هي على تلك الهيئة .
فأقول أن اللبث  في هذه المسألة  جاء من سوء فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( من صلى قائما فهو أفضل و من صلى قاعدا فله نصف أجر  القائم  ) .[4]
فحكم هذا الحديث يشمل المصلي المستطيع الذي يستطيع القيام و مع هذا فقد تكاسل فصلى نفلاً قاعدا فله نصف الأجر   .
 مع التذكير أن القيام ركن في صلاة الفريضة و أن هذا الركن كغيره من و الواجبات يسقط مع العذر المشروع .
أما الذي لا يستطيع القيام فصلاته صحيحة و  ثوابه كاملاً أيضاً .
 
قال الإمام النووي : أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً و لا إعادة عليه ، قال أصحابنا : و لا ينقص ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، و قد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم  قال : إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) [5].
و قال شيخ الإسلام ابن تيميه عليه رحمة الله  :  و قد اتفق المسلمون على  أن المصلي  إذا عجز عن بعض واجباتها  كالقيام أو القراءة أو الركوع  أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة  أو  غير ذلك سقط عنه ما عجز عنه ) . [6]
قال الشيخ ابن باز - عليه رحمة الله -  :  الواجب على من صلى على الأرض أو على الكرسي ،  أن يجعل سجوده  أخفض من ركوعه ، و السنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع ، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع ، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أمرت أن اسجد على سبعة أعظم و أشار إلى أنفعه و اليدين ، و الركبتين و أطراف القدمين ) .
و من عجز عن ذلك و صلى على الكرسي فلا حرج في ذلك لقول الله سبحانه: (  فاتقوا الله ما استطعتم ) و لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .[7]

أما عن مسألة الجمع ما بين الصلاتين :
فقد جوز أهل العلم جمع التقديم و التأخير في ثمان حالات :
إحداهما - السفر غير الحرام و لا المكروه .
الثانيـــــــة - المرض الذي يؤدي إلى شقه و ضعف الجمع .
الثالثــــــة - الإرضاع : يجوز الجمع لمرضع ، لمشقة تطهير النجاسة لكل صلاة فهي كالمريض .
الرابعـــــة - العجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة : يجوز الجمع لعاجز عنهما ، دفعاً للمشقة ؛ لأنه كالمسافر و المريض .
الخامســـة - العجز عن معرفة الوقت : يجوز الجمع لعاجز عن ذلك كالأعمى .
السادســـة - الاستحاضة و نحوها  كصاحب سلس بول أو مذي أو رعاف دائم ونحوه .
السابعة و الثامنة - العذر : يجوز الجمع لمن له عذر يبيح ترك الجمعة و الجماعة كخوف على نفسه أو ماله أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع و نحوه .
و الجمع للمطر - جائز  بين المغرب و العشاء لما قال سلمة بن عبد الرحمن : إن من السنة : إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء و هذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و لا يجوز الجمع بين الظهر و العصر  لقول أبي سلمى السابق ، فلم يرد إلا في المغرب و العشاء و الجمع للمطر يكون في وقت الأولى لفعل السلف ، و لأن تأخير الأولى إلى وقت الثانية يفضي إلى لزوم المشقة و الخروج في الظلمة أو طول الانتظار في المسجد إلى دخول وقت العشاء و عن اختار الناس تأخير الجمع جاز و المطر المبيح للجمع : هو ما يبل الثياب ، و تلحق المشقة بالخروج فيه
 و الثلج و البرد كالمطر في ذلك أما الوحل بمجرده ، فهو عذر في الأصح و كذلك الريح الشديد في الليلة الظلماء الباردة .
لما قال ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح : صلوا في رحالكم .
و هذه الأعذار كلها تبيح الجمع تقديما و تأخيرا .
و الله أعلم و أحكم

أخوكم مسلم اليوسف

--------------------------------------------
[1]  - المغني لابن قدامة ، ج2/143.
[2] - المجموع ، ج4/201.
[3]  - الشرح الممتع ، ج4/326.
[4] - متفق عليه .
[5]  - المجموع ، ج4/226.
[6] - مجموع الفتاوى ، ج 8/437.
[7] - فتاوى ابن باز ، ج12/245-246.
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية