اطبع هذه الصفحة


شموع دافئة ..

د.مسفر بن علي القحطاني
الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن


قبل أسابيع قليلة حلّ علينا فصل الشتاء ضيفاً عزيزاً طالما اشتقنا إليه ونحن نمسح عنا عرق الصيف الملتهب وكم بحث عنه البعض في أصقاع الأرض خلال إجازة الصيف هروباً من لهيب شمس النهار ورطوبة جو الليل .. وها نحن هذه الأيام نستقبله بالفرار إلى الأسواق والاستعداد له بشراء أنواع المعاطف والثياب الثقيلة صداً لهجوم رياحه الباردة وقرصات ليله اللاذعة.. وقد يدور في خلد البعض الحنين لأجواء الصيف، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم .. وكل ذلك من أجل البحث عن الدفء .. والدفء لا شك أنه نعمة عظيمة ومنحة جزيلة لا يعرف قدرها إلا من حرمها...غير أن المتأمل في واقع الناس اليوم يجد أن هناك نوعاً من الناس قد حُرم ذلك الدفء ليس لأن جسده عُرضة للبرد بل لأن قلبه وعواطفه واحساسه بالغير قد أصبيت بنزلة بردٍ لم تعد أنواع التدفئات تكفي له لحاجته للعلاج الساخن والمضادات الحارة لتبعث في روحه ووجدانه الحياة الدافئة من جديد، وخذ أخي القارئ على سبيل المثال، بعض أعراض هذا المرض الشتوي الذي أصبح ملازماً لكثير من الناس في جميع فصول حياته:

- منها البرود القاتل في علاقاتنا الإجتماعية وصلتنا لأرحامنا التي أصبحت في هذا الزمن طقوساً رسمية خالية من دفء العاطفة وحرارة المحبة الصادقة.

- ومن عوارض ذلك المرض أيضا البرود القلبي تجاه ما يحصل لإخواننا المسلمين من مصائب ونكبات وكوارث ومجاعات حتى أصبحت صور النساء الباكيات والأطفال الأبرياء وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في شتاء قارص يزيده مرارة الجوع والحرب والثلج لا يحرك ذلك فينا ساكناً وكأن الأمر لا يعينينا ونحن أخوة الدين العقيدة، كما هو الحال المشاهد لإخواننا في أفغانستان والعراق والشيشان وهم يمرون هذه الأيام في أسوء الكوارث الإنسانية على مرأى ومسمع العالم كله لتُنسى كغيرها من المآسي في سكرة حرب الإرهاب واحتفالات عيد الميلاد .

- ومن عوارض هذه المرض أيضاً : ذلك الفيروس القاتل الذي بدأ يدبُّ في نفوس الشباب والأجيال القادمة وهو داء البرود النفسي والخمول الفكري وعدم الحرص على الإنتاج والإنجاز وبلوغ الأهداف.

وكأن الهمم والعقول قد التحفت تحت أطباق من المعاطف الوثيرة لتعلن بياتاً شتوياً لا أمد لانقضائه ولا نهاية لامتداده .. فهذه العوارض السابقة للبرود القلبي والوجداني قد يوجد لها في قائمة الدواء علاجاً في طب إحياء المشاعر والعواطف الصادقة ومن خلال محراب الإيمان الدافيء المشتعل بشموع الرحمة والمودة والصدق مع الله "لعلنا أن ننجوا من صقيع ذلك الشتاء ومن قرصات برده اللاذعه قبل أن يموت فينا الإحساس .. فحينها لا صيفاً عرفنا ولا شتاء!!
 

مسفر القحطاني
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية