اطبع هذه الصفحة


التربية بالعقاب

 مبارك عامر بقنه

 
أحياناً قد يُشكّل وجود الأب في المنزل اضطراباً وقلقاً ورهبة للأسرة، فهناك عينات من الآباء هم سبب رئيسي في ظهور أمراض نفسية لدى الأبناء. فتعامله مع الأبناء يرتكز على إظهار الشدة والقسوة في لفظه وفعله. فعلاقته مع أبنائه هي علاقة الأمر والنهي، فكل ما يعرفه من وسائل التربية هو التهديد والوعيد والحرمان ويعتقد أنه بذلك ينشئ طفلاً ناضجاً سوياً مطيعاً والعكس هو الصحيح ، فالمعاملة القاسية تحدث شرخاً في نفسية الطفل؛ بل أن التعامل مع طفلك هي عملية تبادلية فأنت تؤمر وتنهى وتصرخ وتحرم كل ذلك يحدث صدى سيئ عن علاقته بك وتتكون فجوات بينكما.

يجب وأنت تتعامل مع طفلك أن يكن في فكرك وخلدك أن ترقي به في خطابه وتفكيره لذا حاول بقدر الإمكان تجنب كثرة الأوامر والنواهي، فالأوامر والنواهي إذا كثرت أصبحت مزعجة ومقلقة للطفل وقد تشكل اتجاهاً سلبياً. ويمكنك أن تحصل على ما تريد دون أن تشعر طفلك بالأمر أو النهي، فمثلاً: بدلاً من أن تقول له: رتب مكتبك. قل له: كم هو جميلاً أن يرتب الإنسان أشياءه فأنا أحب الأشياء المرتبة ويعجبني أن أرى مكتبك مرتبا . فأنت بذلك وجهته إلى عمل ما تريد دون أن تشعره بنوع من الضغط والخوف وأشعرته بالاستقلال في اتخاذ قراره ولو في بعض الجزئيات.

إن الطفل قبل العقاب يجب أن يُعلم ما هو الصواب والخطأ، فلا تتصور أن الطفل لديه المعلومة أو التجربة السابقة ما لم تخبره بذلك، فالعقاب يأتي بعد التعلم واستنفاد سُبل التغيير. إن المطلوب هو الاستمرار في التوجيه والتذكير بأسلوب مبسط ورقيق. و لا تتجه إلى العقاب إلا بعد سلسلة من التوجيهات التي تعتقد بعدها أن الطفل أدرك ما تريد، وعند الاتجاه إلى العقاب ابدأ بالعقوبات الأخف كأن تمنعه من اللعب أو مشاهدة التلفاز أو تمنعه من قراءة قصة أو زيارة أصدقائه أو تحرمه من مصروفه اليومي فلابد من التدرج في العقوبة من الأخف إلى الأعلى.

الوالدان يريدان أبنهما أن يكون مطيعاً، وهذا شيء مطلوب؛ ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ هل يكون عن طريق استخدام العصا والضرب؟ وقبل اتخاذ العقاب يبرز هنا سؤال: لماذا اتجه إلى العقاب والتوبيخ والتعنيف؟ هل ذلك بسبب أنك تريد تعليم ابنك سلسلة من السلوكيات الصحيحة؟ أم أن ذلك بسبب غضب ألم بك ففقدت سيطرتك على نفسك؟ فإن كانت الأخرى فالمشكلة إنه عند فقد السيطرة على أنفسنا أننا نُعلّم أولادنا ممارسة سلوك خاطئ، وهو عند حالة الغضب يجب أن يوبخ ويعنف ويضرب؛ لذلك الآباء الذين لا يسيطرون على مشاعرهم في حالة الانفعال يجدون صعوبة في تعليم أولادهم وإقناعهم أن يسلكوا طريق الحوار والتفاهم حال الغضب بدلاً من الضرب والعنف والصخب. لذا من المهم؛ في حالة الغضب الشديد أن تملك نفسك وتبتعد عن معاقبة ابنك، إذ أن الغضب يمنعك من التفكير السليم في اتخاذ العقاب المناسب والمنسجم مع وضعية الخطأ فحاول أن تلزم نفسك دائماً بأن لا تتخذ فعلاً خلال غضبك، بإمكانك في حال الغضب أن تغير من وضعك فإن كنت قائماً أجلس وإن كنت جالساً اضطجع، أو أخرج من الغرفة أو المنزل أو أرجئ الموضوع لوقت لاحق حتى تهدأ ويتسنى لك اتخاذ قراراً صائباً فالغضب يشوش الذهن ويعمي البصيرة عن اتخاذ السلوك الصحيح.

لا تجعل العقاب هو الحل الرئيسي لجميع المشاكل فأنت بذلك تحطم علاقة المحبة والصداقة بينك وبين ابنك وتزيل منه معاني الرحمة والحب، وتزرع سلوكاً عدوانياً انتقامياً. تذكر دوماً أنك تتعامل مع طفل لم يكلفه الله تعالى؛ لأنه لا يملك الإدراك الكامل والتصور الواضح للتمييز بين الصحيح والفاسد. فليست عقليته وعلمه وخبرته كعقليتك وعلمك وخبرتك فأنت لم تنل ما لنته إلا بعد ممارسة وجهد، فليكن تعليمك له بممارسة وتعليم تربوي صحيح كي تجني نفسية صحيحة خالية من الخوف والاضطهاد والضعف.

العقاب عندما يكون مع الحب فإن ذلك لا يحدث آثاراً سلبية، فإذا عاقبت ابنك فأشعره أن ذلك من أجل مصلحته هو، ولا تظهر له صورة بشعة عنك؛ بل أظهر أنك تحبه، وأنت تعاقبه احرص على أن لا تخسر العلاقة بينك وبينه، لذلك يتحتم أن تلتزم الأدب الإسلامي فلا تفرط في العقاب ولا تضرب الوجه وتشتم وتسب، وتلمزه بأوقح الألقاب، بقدر ما تستطيع حاول أن تتحكم في ألفاظك، فلا تقل مثلاً: "أنت طفل سيء." ولكن أجعل السوء يتجه إلى العمل وليس إلى ذات الطفل. فقل: الذي عملته كان شيئا سيئاً. ويحضرني في ذلك قصة الصحابي الكريم الذي كان يشرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه في قصة حمار الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، فلا تتجه إلى الحط والتنقيص من قيمة ابنك واحترامه لذاته. مهما يكن من الأمر لا تذهب بعيداً في العقاب سواء كان عقاباً بدنياً أو معنوياً وإنما كن في عقابك رحيماً عطوفاً.

إضاءات تربوية:


* في أحايين كثيرة الكلام الجاد المواجه أفضل بكثير من اليد الثقيلة أو الألفاظ القاسية العنيفة. فنحن عندما نعالج مشكلة قد نعمل من غير شعور في تفاقم وتعزيز المشكلة وذلك أننا نكون قاسين في مواطن لا يتطلب فيها القسوة والشدة فمثلاً: يدرس الأب ابنه ثم لا يفهم الابن فيقوم الأب بضربه. فالقسوة هنا ليست صحيحة وليست في مكانها، فقد يكون الخطأ من الأب في عدم قدرته على إيصال المعلومة بطريقة تتناسب مع عقلية الطفل.

* العقاب هو أحد الوسائل الإصلاحية إذا استخدم بطريقة صحيحة فكل طفل بحاجة إلى الانضباط كي يسلك سلوكاً مقبولاً تجاه الآخرين ويتعلم معنى حدود الحرية. وأحياناً يكون العقاب أمراً لا مفر منه وذلك عندما يتجاوز الطفل حدود الأدب وتستنفد كل المحاولات في الإصلاح..

* يحتاج الوالدان إلى ملاحظة اتساق وتناغم سلوكهم مع الأبناء. فممارسة التدليل الزائد والحماية المفرطة واستبدالها بالعقاب والشدة المفرطة أمر يربك الطفل ولن يدرك سبب العقاب. ولن يأتي العقاب أُكله.

* حاول أن تعطي إنذار وتذكير للطفل قبل العقاب، ولا تعطي تهديدات إذا أنت تنوي عدم تنفيذ هذه التهديدات.

* لا تعاقب طفلك على سلوكيات هي جزء من نموه الطبيعي كالتبول الليلي، أو مص الأصبع ..

* لا تعاقب طفلك على أخطأ عفوية أو غير مقصودة كأن يسكب الشاي على السجاد فلا توبخه ولكن أخبره أن يكون حذراً في المرات القادمة. فالتشجيع يعمل على مساعدة الطفل في التعلم والاستجابة.

* استخدم الاتصال غير اللفظي فالنظرات الجادة تحمل بذاتها رسالة إنكار وخصوصاً في الأشياء الصغيرة وغير المهمة.

* العقاب المؤقت (الحرمان من اللعب لفترة مؤقتة) هو أحد أكثر التقنيات فعالية في الانضباط، فهو يتضمن عزل الطفل فترة قصيرة من الوقت، فهذا يعطي فرصة هدؤ من الوقت للوالدين وللطفل؛ إلا إن الفترة يجب أن لا تتجاوز عشر دقائق كحد أقصى.

* لا تجعل العقاب عميق وخطير فربما يؤدي إلى شعور بعدم الأمان، والعدوانية والكبت. فالعقاب يجب أن يدرك فيه الطفل أنه عمل سلوكاً غير مرضي لذلك تكون النتائج غير مرضية لكن لا تكون مدمرة لنفسيته ومشاعره.

* تكراراً: عندما ينتهي العقاب، أظهر حبك وقبولك لطفلك، لا تدع العقاب لطفلك يبعدك عنه، أخبره أن عقابك هو لسلوكه الخاطئ وليس له كشخص، فهذا أمر ضروري كي تكون العلاقة حميمة بينكما وأكثر ألفة وانسجام.

* الطفل في حاجة لسماع أشياء جيدة عن سلوكه وتصرفاته بدلاً من الأشياء السيئة. فالحمد والثناء والشكر والمدح يدفع الطفل للسلوك الحسن.

* مخطئ من يقول أن الضرب ليس مؤلماً ولا يؤثر. وهذا تناقض ، إذا لم يكن مؤلم ولا مؤذي فلماذا إذن تتجه إلى الضرب، لا شك إن الضرب مؤلم ومؤذي وفيه كسر للنفس إذا تجاوز الحدود وخصوصاً للطفل فأي شيء يؤلمه.

* إن استخدام العنف بطريقة غير صحيحة أو تربوية فإنه يولد أمراً عكسياً لدى الطفل الذي قد يسلك الاتجاه العدواني في التعامل مع الآخرين، فالعنف يولد العنف. فهو يحدث لديه نوعاً من الاضطراب فرسائل الحب تتعارض مع العقاب والألم.

* الخوف وحده ليس طريقة فعالة في التعلم والتربية وإنما لابد من التعلم والشرح والتبيين وإيجاد قدوات يقتدي بها الطفل في سلوكه، فالانضباط الحقيقي هو ما كان منبعث من الذات الناتج عن التربية السليمة دون خوفاً من العقاب.

* إن الاهتمام الأول يجب أن يكون لمشاعر الطفل ووجدانه، فلا بد أن ندرك أن الطفل في حاجة للحب والتقدير والتوجيه دون إظهار الحب والرحمة والحنان للطفل قد ينتج طفلاً مطيعاً لكنه قد لا يكون محباً حنوناً لوالديه.

لفتة:

إن من الإشكاليات أن تعطي ابنك أشياءا ممتعة ثم لا تعطيه المكان المناسب ليستمتع بها.

 

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية