اطبع هذه الصفحة


أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ

 مبارك عامر بقنه

 
نحن مع صراعنا مع العدو في حاجة ماسة للتفاؤل والاستبشار بالنصر والبعد عن التشاؤم والتبرم، فالعدو إن نال من أجسادنا وممتلكاتنا فلا ندع له الفرصة أن ينال من عقيدتنا وآمالنا وطموحاتنا، فأكبر نصر يحققه العدو هو تحطيم أنفسنا، والشعور باليأس؛ لأننا بذلك نخضع ونذل ونستكين ويحقق العدو آماله فينا.

لنقلل من اللوم والعتب لأنفسنا فإن كثرة اللوم قد يؤدي إلى فقدان الثقة وازدراء الذات. فنحن نريد ان نعيد بناء امتنا كي تستعيد قيادتها ومكانتها التي منحها الله إياها ولن يتحقق البناء لأمة تزدري ذاتها وتحتقر بعضها وتهمش دورها. والبناء الحقيقي يبدأ بالشعور بالعزة والتقدير " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فشعورنا بالعزة في وقت المحن والاستضعاف هو من بدايات النصر والخروج من المأزق. والداعية والمربي عليه أن يتغلب على مشاعر اليأس ويزرع في ذاته وفي الأمة التفاؤل وإشراقه الأمل، فلا نزيد الناس جرحا، بل نضمد جراحهم، ونحيي فيهم الأمل كي يستمروا في محاولة النهوض ومقاومة الاستضعاف.
ولو تأملنا لوجدنا أنه مع هذه الآلام التي تمر بها الأمة إن هناك انتصارات وإنجازات تجعلنا ننطلق في مسيرتنا الدعوية والتربوية النهضوية فوجود أمة تقاوم العدو وتكافح عن دينها يعتبر بذاته نصر؛ فكون هناك طائفة تأبى الخنوع والخضوع وتقاتل من أجل دينها هو بحد ذاته نصر يستحق الفخر، وخصوصا أن الأمة قد تعرضت لسنين طويلة لحرب عقدية وفكرية يراد منها تغيير المفاهيم وتحريف التصورات؛ إلا إنه مع كل محاولات التطبيع والتغريب تبقى طوائف من الأمة ممانعة ضد هذا المسخ فهذا نصر لنا يجعلنا نشعر بعزة وأننا انتصرنا على عدونا بعدم قدرة على تحقيق أهدافه على كافة أفراد الأمة.

وفي صراعنا مع اليهود وغيرهم من المهم أن لا يحدث لدينا انكسارا داخليا بسبب ما نراه من قتل ودمار في صفوفنا، فنحن وإن كنا نألم فهم كذلك يألمون "وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً" فنحن أسمى منهم فالله مولانا ولا مولى لهم، ونرجو من الله مالا يرجون؛ فنرجوا رضى الله والجنة وهم يرجون رضى شهواتهم وشياطينهم، " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ويقول سبحانه :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" فالخسارة في الأرواح والماديات في سبيل الله لا تزيد المؤمنين إلا عزاً وافتخاراً؛ وحسبنا عزاً أن الله مع المؤمنين. ومعرفة ذلك يجعلنا أن لا نصاب بالإحباط واليأس عند حدوث ضعف في الصف الإسلامي لن عقب هذا الضعف تكون القوة والانتصار. فنصر الله قريب كما قال الله تعالى :" ألا إن نصر الله قريب" ولا نشك في ذلك، فالعاقبة للمتقين.

وما هذه الصدمات التي تواجهها الأمة ما هي إلا تزكية للأمة وتربية لها وتنقية للصف الإسلامي من المخذلين والمثبطين ومن الطابور الخامس الذي ينخر في جسد الأمة ويمنع إنطلاقتها وعودة مجدها وسؤددها. وقد تفقد الأمة ـ في طريقها لإعلاء كلمة الله وتحقيق كرامتها وإعادة عزتها ـ أنفساً عزيزة وأموالاً كثيرة ولكن هكذا مضت سنة الله تعالى أن لا يتحقق النصر إلا بالتضحية وبذل المهج قال الله تعالى:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ " ويقول سبحانه :" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " وتاريخنا الإسلامي يشهد على ذلك فمنذ فجر الإسلام والأمة في صراع مع الكفر وأهله وما حققت نجاحاتها وانتصاراتها إلا ببذل الغالي والنفيس من أجل انتصار عقيدتها ونشر دينها.

ونحن إن فقدان القوة والتمكين فعلينا أن نسعى إلى تحقيقها فنحن أحق بها، فقد أُخرجنا لإصلاح البشرية وتعبيدها لله تعالى ولن يكون هذا إلا بتحقق القوة المادية والمعنوية في الأمة. وما نراه من ممانعة ومقاومة هو في الحقيقة سعي قوي نحو تحقيق العزة والتمكين للأمة. فالعزة والرفعة لن تنال إلا بالقوة، فالأمم المسيطرة والمتجبرة لن ترضى بفقدان قوتها وسيطرتها ولن ترضى بقيام قوى أخرى تنازعها مكانتها فهي لن تمنح أحد العزة والكرامة. فالتمكين في الأرض لا يأتي إلا عن طريق مواجهة أعداء الله تعالى؛ ومن جهل ذلك وظن أن تمكينه في الأرض قد يأتي من موالاته لأعداء الله والانتصار بهم فقد جهل حقيقة العزة والنصر فالله يقول :" الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً" فالعزة لله هو الذي يهبها لمن يشاء ويحرمها من يشاء؛ ولكنها قطعاً لن تأتي من اعداء الله وموالاتهم واتخاذهم أولياء من دون المؤمنين. ومن جهل هذا المفهوم فهو لن يسعى للمقاومة بل يسعى إلى الاستسلام والركون إلى العدو للحصول على مكاسب دنيوية صغيرة حقيرة "أيبتغون عندهم العزة"؛ وحتما لن ينالوا إلا الذلة والمهانة، فالعدو يحتقرهم ويستخدمه لتحقيق أهدافه ومآربه فإذا انتهى دورهم رماهم في مزبلة التاريخ. والله غالب على أمره.

للتواصل: mubarak200@hotmail.com

 

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية