اطبع هذه الصفحة


عش حياتك بتوازن

مصلح بن زويد العتيبي

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله حمداً متجدداً بتجدد النعم دائما بدوام المنعم سبحانه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى ؛ أما بعد
فإن المتأمل لمشاكلنا الشخصية والأسرية والوظيفية والحياتية بشكل عام يجد أن هناك سبب وأحد حاضر دائم مشترك في هذه المشاكل جميعاً .
وهو فقدان التوازن في تعاملاتنا ، والابتعاد عن ممارسة الحياة وأخذ الأمور بوسطية ( فلا ضرر ولا ضرار ) متمشيا مع الأصل الأصيل في ذلك (فأعط كل ذي حق حقه ).
لكن كيف نبتعد نحن عن التوازن والوسطية في حياتنا ؟!
إذا كان التعبد والتقرب إلى الله وهو غاية الله من خلق العباد لام النبي صلى الله عليه وسلم من غلا فيه وتجاوز الحد ؛ثم قال :( أما أنا فأصلي وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ).
فكيف بغير التعبد من الأمور ؛ للأسف الشديد الكثيرون منا لا يحسنون إدارة حياتهم بتوازن ولعل كاتب المقال أولهم وإنما هي دعوة لإعادة ترتيب أوراق حياتنا فطالما بقي في العمر متسع ؛ فمن الأفضل أن نعيشه بتوازن وحتى ولو بلغت من العمر عتياً ، عش التوازن والوسطية فيما بقي تشعر بطعم الحياة الحقيقي .
أنت في الحياة في دائرة وأنت تقف في وسط هذه الدائرة ، ووقوفك في وسط الدائرة هو المكان الصحيح المناسب لك لتعيش حياتك بتوازن ؛ لكن عندما تتقدم في أي اتجاه من الدائرة فأنت تبتعد عن الاتجاه الآخر ؛ فكل زيادة في جانب تعني قصور في جانب آخر .

صحيح الجوانب ليست في نفس المستوى من الأهمية ؛ فالأهمية متدرجة من مهم جداً إلى مهم إلى عادي إلى غير مهم إطلاقاً .
لكن المشكلة ليست هنا ؛ المشكلة أننا نفتقد التوازن في الأشياء المتساوية في الأهمية أو المتساوية في الدرجة مطلقاً .
كل شخص أو جهة له علاقة بنا في حياتنا هي جزء من حياتنا ؛ وتختلف هذه الأجزاء في الأهمية والدرجة .
هذا الجزء يجب أن يبقى جزء حتى تعيش بتوازن وتمارس حياتك بوسطية ، عندما يأخذ هذا الجزء أكبر من حجمه تكون الخسارة أكبر من الربح والتعاسة أقرب من السعادة .

(الأهل والولد )
جزء من حياتنا ؛ عندما نجعلهم كل حياتنا سنكسبهم ؛ لكن سنخسر أشياء في مقابل ذلك ؛ ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )
تأمل التعبير القرآني العظيم كيف عبر عنهم( فأولئك هم الخاسرون ).
لم يكن عندهم توازن ولا وسطية في تعاملهم مع أولادهم وأموالهم .

(المال) جزء مهم في حياتنا لكن عندما يكون هذا الجزء كل حياتنا ، فنحن نخسر من أجله الاستمتاع بأهلنا وأولادنا ونخسر من أجله الاجتماع بأصدقائنا ؛ بل قد تكون الخسارة أكبر والداهية أعظم عندما نخسر من أجله ديننا وأماناتنا.

(الوظيفة)
جزء من حياتك ؛ عندما يطغى هذا الجزء ليكون كل حياتك ؛ أنت في الحقيقة تخسر أكثر مما تربح .
أعط العمل حقه ولو زدت عن ذلك بمقدار يسير فإن ذلك قد يحتمل أما أن تهمل أسرتك وتضيع دينك وتعيش القلق وتكون كالآلة في أحد المصانع فأنت تحتاج إلى إعادة النظر في مقدار توازنك ووسطيتك .

نحن عندما نُحب نُحب بجنون حتى نوصل من نُحب إلى درجة الملائكية ، وعندما نكره نكره بجنون حتى نوصل من نكره إلى درجة الشياطين .
والوسطية والتوازن ترفض ذلك .

نحن عندما نرغب في كسب شخص معين قد لا نبالي في أن نخسر من أجله أشخاص آخرين والتوازن والوسطية ترفض ذلك .

عندما يبلغ بك الغضب مبلغه في أمر تافه فماذا تركت للأمور المهمة التي تستوجب من الغضب ما يناسبه نحن نحتاج التوازن والوسطية في كل شي في الأكل والشرب في الاستيقاظ والنوم وفي الكلام والصمت وفي الإنفاق والإمساك وفي كل شي .

عندما أقطع علاقتي مع إنسان بغلطة واحدة ، أنا أحتاج إلى إعادة النظر في التوازن والوسطية.لن تجد إنسان يفتقد الوسطية والتوازن إلا وما يخسره أكثر مما يكسبه وما يعجزه أكثر مما ينجزه ،بل حتى على مستوى التفكير من يفقد التوازن تسوقه الأفكار السيئة إلى الأمراض النفسية والهموم والقلق أجارنا الله وإياكم .

أبن التوازن والوسطية عن من يقعده الحزن على فقد محبوب عن ممارسة حياته وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفقد أصحابه في الغزوات وما قعد عن الحياة وما هجر الابتسامة وما ندب الحظ ولا تسخط على القدر حاشاه .
وما أجمل بيان الله في كتابه وما أعظمه ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) .

بل حتى الأخلاق الحميدة لم تكن حميدة إلا حين عرفت أين تقف ؛ فوقفت في الوسط بين خلقين ذميمين .

قال ابن القيِّم رحمه الله : (وكلُّ خُلُق محمود مُكْتَنف بخُلقين ذميمين. وهو وسط بينهما. وطرفاه خُلُقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خُلُقان: البخل والتَّبذير. والتَّواضع الذي يكتنفه خُلُقان: الذُّل والمهَانة، والكِبْر والعُلُو. فإنَّ النَّفس متى انحرفت عن التَّوسط، انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذَّميمين ولا بدَّ...).

اللهم وفقنا لنعيش التوازن والوسطية في جميع شئون حياتنا ، والله تعالى أجل وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى .

مصلح بن زويد العتيبي
٦صفر ١٤٣٥هـ .

 

مصلح العتيبي
  • مقالات تربوية
  • كتب وأبحاث
  • قواعد التطوير والسعادة
  • الصفحة الرئيسية