اطبع هذه الصفحة


معركة احد دروس وعبر
حب الدنيا سبب الهزيمة

مثنى علوان الزيدي


ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهدِ الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً واشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وعلى اله وصحبه اجمعين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين ما بعد:
وضع الرسول-صلى الله عليه وسلم- في معركة أُحد بنفسه خطة المعركة، وأول ما فعله أن وزّع خمسين من مَهَرة الرماة وراء جيشه في أعلى الشعب من أحد، وألَحّ عليهم بملازمة أماكنهم قائلاً: "احموا ظهورنا.. إن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا.. وإن رأيتمونا نغنم فلا تشاركوننا".
ثم رتب جيشه في صف منتظم، وتخيّر للمقدمة أفراداً من الذين يوزنون بالمئات، وأمر ألاّ يباشر قتال إلا بإذنه، ولما نشب العراك انطلق المسلمون يعملون في نظام عجيب من توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكأنهم حجر الرَّحى تدور حول قطبها، فهي تميل يمنة ويسرة، ولكنها لا تنفض عن دائرة القطب، ولعل مرد التماسك في هذا النظام ثقة الجيش جميعاً بحكمة القائد ووجوب الطاعة له، ووحدتهم وتماسكهم على قلب رجل واحد لاخلاف ولا شقاق ولا نزاع ولا احد يعيب على احد توجهه واختياره لطريقه في العمل خصوصاً وانهم كانوا في ساحة واحدة في معركة واحدة فليس هناك جندي واحد إلا وفي صدره يقين مطلق بأن مصير المعركة يتوقف على مدى انسجام الجنود في إرادة الرسول - صلى الله عليه وسلم- نفسه، ومن هنا كانت قلوبهم متعلقة بإشارته، يديرها في الاتجاه الذي توحي به الحكمة ويقين بانه سيختار ما عند الله ويقدمه على بهرج الحياة واموالها ومناصبها واغراءاتها .

وهكذا سارت المعركة في اتجاهها الطبيعي..، وفي غمرة الاندحار الهائل شعر قادة الوثنية بعجز آلهتهم عن الصمود في وجه هذا الدم الجديد الذي دفعه الإسلام في شرايين جنوده..، وأدركوا أنهم أمام القوة التي لا تُقْهَر، ولا تثبت لها حمية الجاهلية، مهما تبلغ هذه الحمية من الاستخفاف بالموت..، إنها القوة التي مزّقت صلات العصبيات والمنافع الأرضية المقيتة لتقيم على أنقاضها وشائج أخرى من قرابة العقيدة وقوة التوحيد والاخلاص لله وحده لاشريك له ، وبذلك أزالت سلطان الأُسَر التي طالما ما تدمر القلوب وتضعف الجنود وحواجز الأنساب، لتجعل من الأفراد المتنابذين المتباعدين أسرة واحدة في أخوة جديدة دونها كل روابط الأرض.
أجل لقد كان مستحيلاً لقوة من البشر أن تتماسك في وجه هذا السيل الجارف من القوى التي يحارب بها محمد -صلى الله عليه وسلم-..، اللهم إلا أن تنقلب هذه القوى على نفسها فيحطم بعضها بعضاً..، وهيهات..، ما دام زمام هذه النفوس الجديدة في يد هذا القائد الجديد..
ولكن ..، لقد حدث ما لم يكن في الحسبان، وهاهي ذي قوة الجيش يتسرب إليها الخلل فجأة، كما يداهم محرك القلعة الطائرة، فإذا هي تهوي عن عرشها السماوي إلى القرار السحيق!..
إن النفوس التي كانت إلى ساعة خلت تقاتل بأمر ربها، لإعلاء كلمته والدفاع عن رسالته، قد جذبت الدنيا أعنتها ، فإذا هي تنصرف عن مطاردة العدو لتشغل بجمع الغنائم والحصول على الاموال ، فهيأت له بذلك فرصة الاستجمام، ثم أتاحت له مجال العمل لتجميع فلوله..
ورأى خالد بن الوليد ،وهو قائد ميمنة المشركين في حينها قبل ان يدخل الاسلام، ما عرض لجنود محمد - صلى الله عليه وسلم- من التشاغل ، وكان يرصد الأمر عن كثب، يترقب ظهور مناسبة تمكنه من نجدة قومه، فإذا هو يدور من رواء الشعب ليفاجئ رماة المسلمين، وقد اختلفوا فيما بينهم، واندفع أكثرهم إلى معسكر قريش يشركون إخوانهم في الغنائم، فلم يبق منهم في مركز الدفاع إلا دون العشرة من المؤمنين، أبوا أن يفارقوا المكان الذي أمرهم رسول الله بالتزامه مهما تكن النتائج!..ووالله هنيئا لهم.
ويشد خالد على بقية الرماة فيجليهم.. وينصب من هناك على مؤخرة المسلمين فيبغتهم بما لم يحتسبوا، ويبلغ صياح كتيبة خالد مسامع قريش المهزومة، فإذا هي تريد لتعمل في المسلمين تقتيلاً وتجريحاً!.
وحدث ما لا بد من حدوثه في مثل هذا الخلل المباغت، وإذا المسلمون تزلزل بهم الأرض وتضطرب السبل فلا يدرون أين يذهبون! فسرعان ما انقلب النصر الى خسارة تحمل معاني التاديب والتربية العظيمة والدروس التي لا تنسى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد .
لقد كان يومهم هذا يوم أحد امتحاناً صارماً حافلاً بالدروس الربانية.. ففي هذا اليوم تعلموا أن معارك الإيمان لا تُكْسَب إلا بالنظام والطاعة المطلقة لله ولرسوله، وأن على المؤمنين أن يسموا بأرواحهم فلا يشغلهم طلب الغنيمة عن رضوان الله.. فإذا انحرف ببعضهم هوى الدنيا عن هدف الإيمان كان ذلك عدواناً على سلامة المجموع، وتحطيماً لنظام الوحدة بين المؤمنين, كالشرارة الصغيرة تضرم الحريق الشامل المروع، ومن هنا تأتي السماء بتأديبها الرهيب.. تعم به البريء والخاطئ لا تستثني أحداً؛ لأنها تعتبر الجميع وحدة كاملة، كل جزء مسئول عن كل جزء..
وصدق الله العظيم اذ قال : {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال.

فالنزاع بين المسلمين هو بداية الفشل وذهاب الريح والقوة والمكنة على هذه الارض ولما يتعاقب النزاع تتعاقب الهزائم وترى الجمع قد ضعف والقوة قد خارت والعزائم قد انهارت اما الوحدة فلا تعرف الا النصر لحياتها حليفاً وهذا ما ارشدنا اليه القران الكريم وسنة رسوله الامين صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين وبعد:
عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم طلع له احد فقال : ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) وهذا من اجمل دروس الخُلُق والوفاء الذي عبر عنه النبي بارقى وشائج الصلة وهي المحبة.
فمنا للمجاهدين اجمل حب واغلى وفاء اولئك الذين لولا ان الله سخرهم لنا لما نامت لنا اهداب ولما احسسنا بشيء من طيب العيش ونعيم الامان واسترداد الحقوق بعد الاستلاب فهل سنعي الدرس فنحمل لهم وفاءاً يوم ان اصابهم ما اصابهم اليوم من تقتيل ومطاردة وجوع واعتقال ،نسال الله ان يجعلنا من الاوفياء الاتقياء الانقياء انه ولي ذلك والقادر عليه واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

 

مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية