اطبع هذه الصفحة


سلسلة اركان الايمان (5) الإيمان باليـوم الآخر

مثنى الزيدي


ان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الاحزاب70-71.
أما بعـد: أيها الأحبة الكرام.
تكلمنا في الجمعة الماضية مع حضراتكم عن الركن الرابع من اركان الايمان ، واما اليوم فسنقف – ان شاء الله - عند الركن الرابع من هذه الاركان وهو "الايمان باليوم الاخر".
وسيندرج حديثنا حول عناصر معينة ، وذلك لاهمية هذا الموضوع ، نشرع بها على سبيل الاجمال ، علَّنا نخرج باعتقاد سليم عن اليوم الاخر ، الا وهو اعتقاد سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى.

التعريف المُجْـمَل بهذا اليوم:
اليوم الاخر ايها الاخوة الكرام هو الايمان بكل ما اخبر به الله تعالى في كتابه واخبر به رسول الله في سنته الصحيحة مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحشر والصحف والحساب والميزان والحوض والصراط والشفاعة والجنة والنار وما اعد الله تعالى لاهلها جميعا.([1])
أي ان الايمان بكل ما اخبر الله تعالى به ونبيه  صلى الله عليه وسلم  بعد الموت ، هو فرض على كل مؤمن ومؤمنة ، وما عاد من اهل الملة والايمان من جحد منها شيئا.
وهذه السلسلة التي نتكلم بها منذ جُمَعٍ انما لها اهدافا عديدة في ثبيت القلوب على العقيدة ، وهذا من اشرف الاهداف ، اذا لا يصح ايمان شخص دون معرفة اركانه وشروطه ، اضافة الى ما جرى بعد احتلال بلدنا – العراق- من هجمة شرسة على عقيدتنا ، وديننا ، وثقافتنا ، فغزو عقائدي بعد غزو عسكري ، ولايجابه هذا الا بالعلم الصحيح والالتجاء الى الله  عز وجل  وهذا ما نقوم عليه بفضل الله تبارك وتعالى.
أيها الأحبة الكرام، لقد كان الناس وما زالوا ينقسمون الى قسمين في ايمانهم باليوم الاخر ، فقسم امنوا ،وقسم كفروا ، فأما الذين كفرو فهم الذين يسمونهم الناس اليوم "بالملاحدة" وهؤلاء تناقضوا في اسباب نفيهم باليوم الآخر، ومن هذه الأسباب السفيهة التي دعتهم للكفر بمثل هذا اليوم الاخر واقتنعت بها عقولهم البليدة هي :
انهم لا يؤمنون الا بما يرون ، وهذا متناقض بواقع حياتهم ، فهم يؤمنون بالهواء ويعيشون بسببه ،هل رأوه؟ كلا ،،، وعندما تسألهم عن علة التصاق الانسان بالارض سيقولون لك الجاذبية ، فالجاذبية هل رأوها ؟ كلا ،،، وهم يؤمنون بالمئات من الحوادث في كل يوم ، يعتمدون عليها في رزقهم ومعاشهم ، فهل رأوها كلها ؟ كلا ،،، فهذا هو تناقضهم ، فأعماهم ، وأضلهم ، وافسد عقولهم الى ان قال شاعرهم الفيلسوف الكبير العلامة ، عظيم زمانه ، وفريد عصره ،قال :

جئت لا ادري من اين اتيت   ولكني رايت قدامي طريقا فمشيت

ثم ابصرت طريقي – كيف ابصرت طريقي _ لست ادري – ولماذا لست ادري ؟ لست ادري!!!
ولهذا اهتم القران الكريم بهذا الركن لحكمة عظيمة ارادها الله تعالى ، فقرنها بالايمان به تعالى في مواضع عديدة من القران الكريم ، ولا تفتأ تجد صفحة من القران الا وتتكلم عن هذا اليوم بصور مختلفة واساليب شتى ، ثم يرقى الاهتمام عبر سبيل قرآني جميل وذلك من خلال تسمية هذا اليوم بالكثير من الاسماء التي وصلت الى العشرات ، بل سمى  عز وجل  سورا عديدة من القران على اسمائها.
ومنها القيامة والساعة والصاخة والحاقة والآخرة ويوم الدين والزلزلة والقارعة والغاشية والازفة والطامة والواقعة ويوم الخلود ويوم التناد والآزفة ويوم الخروج ويوم الحسرة ويوم التلاق ويوم الفتح ويوم الجمع ويوم التغابن الى اخر هذه الاسماء .
ومن حكمة هذا الاهتمام القراني ، ان الايمان يقوم نوازع النفس فيرشِّدها ويقوِّمها كلما تذكر معادها ونهايتها ومآلها ، فيكون انسانا قرانيا سائرا على اوامر الله تعالى عالما بعاقبة كل عمل ، فان كان خيرا فخير ، وان كان شرا فشر ، وما الحياة الدنيا الا محطة الاختبار .
ومن حكمة هذا الاهتمام القراني ، تحذير النفس من الركون الى هذه الدنيا وجعلها الغاية في العيش ، فلابد لك ايها المؤمن ان تعلم ان الغاية في الدار الاخرة وليست هنا ، قال تعالى: ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{8} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ{9}) الاعراف 8-9.
وهذا كلُّه بعد العودة الى اللـه  عز وجل  ، بعد البعث ، بعد الرجوع ، بعد الفزع الاكبـر ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ - قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ - إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) يس :51-53 .
وقد جاءت الأحاديث مخبرة بأنه يسبق النفخة الثانية في الصور نزول ماء من السماء، فتنبت منه أجساد العباد ، ففي صحيح مسلم عن عبد الله ابن عمرو قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : " ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً "، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ، ويصعق الناس، ثم يرسل الله – أو قال : ينزل الله – مطراً كأنه الطَّل أو الظِّلُّ ، ( نعمان أحد رواة الحديث هو الشاك ) فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " .
والإنسان يتكون في اليوم الآخر من عظم صغير ، عندما يصيبه الماء ينمو نمو البقل ، هذا العظم هو عجب الذنب ، وهو عظم الصلب المستدير الذي في أصل العجز ، وأصل الذنب ، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون ، ثم ينزل من السماء ماء ، فينبتون كما ينبت البقل ، وليس في الإنسان شيء إلا بَلي ، إلا عظم واحد ، وهو عجب الذنب منه خلق ، وفيه يركب ".
فلتكن ايها الاخ المسلم من اهل الايمان والملة فان الناس هناك على مقدار ايمانهم بالله واليوم الاخر واعمل بما يحكمك في ذلك اليوم من حساب ،ولا ينقذك الا الصالح من عملك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء136.
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيــم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده ،سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وجنده وبعد:
ان الله امرنا بامر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه وثلث من العالمين بانسه وجنه فقال قولا كريما تعظيما لقدر نبينا وتفهيما لنا وتعليما فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } الأحزاب56.
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد.

ايها الاحبة الكرام،،،
ننبه على امر مهم ،،،
 صيام يوم عرفة ، فصيام هذا اليوم يكفِّر الله فيه سنة قابلة وسنة ماضية ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) رواه مسلم ،ونقل البعض اجماع العلماء على انه افضل ايام الصيام ، ويقصد به هنا أي افضل ما تطوع به العبد لله من الصيام.
فلا تفوتكم الفرصة ، فانها نفحة الهية يريد فيها ان يشركنا بالحجيج في فضل الزمان وان افترقنا بفضل المكان ، عسى الله ان يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويرحم ضعفنا ويجبر كسرنا ويعنا على عدوِّنا انه سميع مجيب قريب  للدعوات ،،،
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم لا تدع لنا ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا دينا الاقضيته ولا اسيرا الا فككته ولا معتقلا الا اخرجته ولا ميتا الا رحمته ولا مريضا الا شفيته ولا مرابطا الا نصرته ولا شهيدا الا تقبلته ،ولا عدوا الا قصمته ولا ظالما الا اهلكته ولا شابا الا هديته ولا جبارا الا خذلته ولا متكبرا الا اذللته انك على كل شيء قدير.
اللهم اغفر لنا ولاخواننا الحاضرين ولوالدينا ولوالديهم ولمن انشأ هذا المكان ولكل من عمل فيه لله من خير واحسان ولمن علمنا واحسن الينا ولمن احبنا في الله واحببناه ولمن اوصانا بدعاء الخير واوصيناه ولامة محمد  صلى الله عليه وسلم  .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
 
 

----------------------
[1] - الايمان ، محمد نعيم ياسين ، ص (64).



 سلسلة اركان الايمان 5 الشيـخ مثــنى الزيدي 6/ذو الحجة 1431هـ/ بغداد

 

مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية