اطبع هذه الصفحة


ما أسهل طلب العلم

د. خالد بن عبد الله المزيني

 
ما أسهل طلب العلم وأجلّه، و أمتعه و أرتعه، وأحلاه وأجلاه، و ألذَّه وأبضّه، و أقربه وأطربه ....
إياك أن تظن أنه وقفٌ على ذي عبقرية فذة، أو عقلية نادرة، كلا؛ فإن هذا نادر في بني الإنسان، وغالب هذا الناسِ متقاربون، والمبدعون في الدين والدنيا هم أقرب إلى عامة الناس، إلا أنهم انتبهوا حين رقد القوم، وجدوا حين هزل الفدم ...
وهذا الربيع بن سليمان، كبير الشافعية، كان بطيء الفهم؛ كما زعم السبكي في طبقاته فراجعه ...
بقي أن أذكّرك بأن الربيع كرّر ( الأم ) خمسمائة (500) مرة ، كل مرة يظهر له جديد !
والعقل الفقهي ، ورسوخ الحفظ ؛ إنما يصيران ملكة للإنسان بكثرة الدربة، وتحكيك الذهن بالمسائل، ذُكِرَ عن الزهري: إن الرجل ليطلب وقلبه شعبٌ من الشعاب ، ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمه ....الخ كلامه ، ( الجامع ) ..
ولا تبتئس بكثرة طلاب العلم، ومزاحمتهم لك، فيوشك أن لا يكون، فإن هذه الجموع الحاشدة، لحائلةٌ زائلة، هذا الخطيب ـ في تاريخه ـ يحدث عن إسرائيل قال : " كثر من يطلب الحديث في زمن الأعمش ( يعني: صحوة بلغة العصر) ، فقيل له يا أبا محمد: ما ترى أكثرهم ؟!. قال: لا تنظروا إلى كثرتهم، ثلثهم: يموتون وثلثهم: يلحقون بالأعمال، وثلثهم: من كل مائة يفلح واحد ".
وإنما آفة العلم أن يبكي الطالب على أطلاله، ويتسربل باليأس من تحصيله، ويزعم أنْ قد مات العلم، وتالله ما هو بميت، وإنما المائتُ ذاته الكسولة، وإن هي شبهات ألقاها إليه أبو مرة، فلله كم صدَّ بها من صريع هنالك !
شبهاتٌ يا صديقي...

فبعضها قد تناهى *** وبعضها يتولّد
والعبد فيها أسيرٌ *** لها مُعادٌ مردّد

ولولا خشية الإملال لتنفست شيئاً ، ولكنِ السالفون كانوا يمدحون من الكلام أقصره ، ولهم في منطقهم عوائد من اختصار وحذفٍ وترخيمٍ ونحو ذلك من أفانين الإيجاز ، إنما يلحنون ولا يصرحون ؛ " وخير الحديث ما كان لحنا " ، ثم على رأي ابن المعتز :
بين أقداحهم حديثٌ قصيرٌ........هو سحرٌ وما سواه كلامُ
هذا وإن مخاطبك ظلومٌ جهولٌ ، ولكنه " استغزرَ الدموعَ بالتذكّر " ، و " ولا يبعثُ الأحزان مثل التذكرِ " .
 

خالد بن عبد الله المزيني
25 ربيع الأول 1424

 

د. خالد المزيني
  • خواطر وتأملات في إصلاح البيوت
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية