اطبع هذه الصفحة


صناعة الخطاب الإسلامي
خطابنا بين قراءة النصوص وإنتاج الخطاب

د. خالد بن عبد الله المزيني

 
قبل الخوض في صياغة الخطاب، يجب البدء بالحديث عن قراءة النصوص الشرعية، فالبحث يجب أن ينصب بداءة على القراءة قبل القول، اقتداءً بالنهج القرآني الذي افتتح آياته بالتوجيه إلى القراءة، فجاءت أول آيةٍ فيه: (اقرأ)...
وقد وقع للمعاصرين تباين في كيفية القراءة وذلك راجع إلى ثلاثة أمور: القصد، المرجعية، الآلة، وتطرق الخلل إلى هذه الأمور الثلاثة يعني ضرورةً انطلاق الباحث من قاعدة المكر والخديعة للقارئ، ويتفاوت الكتاب المعاصرون في هذا المكر بحسَب مقدار انحرافهم عن مركز الصواب في هذين الأمرين، لكنهم يلتقون جميعاً في أنهم (لا أدرية) بدرجة عالية من المراوغة الفكرية.
فقصد القارئ من قراءته له أثره البالغ على توجيه أفكاره، والنصوص الشرعية خاصة شرط الانتفاع بها أن يتمحض قصد قارئها لله تعالى، وأن ينصب جهده في التعرف على مقصد مخاطِبه، وأن يخلي ذهنه من الاعتقادات المسبقة، ثم يبحث في أفراد النصوص الشرعية عما يُسند تلك الاعتقادات، قال تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب...) [ينظر: ابن القيم في الفوائد].
وأما المرجعية فمقصودي بها القاعدة الفكرية التي يستند إليها القارئ، ولقد تقرأ لمفكر يساري يجتهد ليثبت صحة الماركسية، ويحشد الآيات القرآنية التي يزعم أنها تصحح فكرته ونهجه، ولو على ضرب مستكره من التأويل.
ولا يتردد هؤلاء في إقحام النصوص الشرعية في معاركهم ضد الدين وأهله،
ويسند هؤلاء في مجمل بحوثهم على ما يسمونه الأدوات الحديثة في البحث، وهذه الدعوى تحتاج منا إلى وقفة طويلة لاستبانة الأسس المنهجية التي يجب أن تقوم عليها أي قراءة جديدة، فهل يمكن إعمال أية أداءة في قراءة أية خطاب ؟، سؤال منهجي يجب البدء به قبل الخوض في صحة الأدوات المستعملة في القراءات الحديثة.
[ينظر شروط صحة التأويل الأصولي/كلام ابن تيمية في استعمال مصطلحات غير إسلامية].
وغالباً ما يبدأ هؤلاء بالكلام عما يسمونه بالسياج الكهنوتي، وسلطة رجال الدين، وسيطرة الخطاب الأصولي، وفشو الخطاب التكفيري ([1])،
في الوقت الذي يصفون مقولاتهم بأنها: الاجتهاد الصحيح، والبحث التجديدي، والتفكير المستنير، والخطاب العقلاني، البحث العصري الحديث...
وسرعان ما يلقون بالتهم على خصومهم بأنهم: مسيَّسون (إشارة إلى أئمة الفقه)، وأعداء الحرية (إشارة إلى المؤسسات الفقهية)، وأصحاب مصالح خاصة (إشارة إلى أساتذة الجامعات)، وأنهم مؤدلجون (إشارة إلى المنتسبين إلى الحركات الإسلامية).
 
ومعلوم أن القراءة علم آلي، وليس كل آلة صالحة للإعمال في كل مجال، بل لكل مجال آلاته الخاصة به.
والحمد لله رب العالمين
 

----------------------------------------------------
([1])  انظر مقدمة كتاب: نقد الخطاب الديني؛ لنصر أبو زيد، دار سينا للنشر،

 

د. خالد المزيني
  • خواطر وتأملات في إصلاح البيوت
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية