اطبع هذه الصفحة


عقود الجوهر للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

د. نايف بن أحمد الحمد

 
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد الأنبياء , والمرسلين نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد كثر في هذا الزمن لمز الآمرين بالمعروف , والناهين عن المنكر من قبل جمع من الإعلاميين وغيرهم عبر وسائل الإعلام المرئية , والمسموعة والمقروءة , والاستهزاء بما يقومون به من واجب هذه الشعيرة , وتضخيم بعض الأخطاء التي قد تقع من بعض المحتسبين , وكثير من هذه الأخطاء يتبين بعد التحقيق كذبها , وعدم صحتها ، ثم لا نجد اعتذارا منهم حيال ما جنوه على هذه الشعيرة العظيمة , وتكرر ذلك منهم كثيرا , بل إن بعض الناس يُلمح وآخر يُصرح مطالبا بإلغاء هذه الشعيرة أو تحجيمها , والتضييق على المحتسبين قدر المستطاع ليُمكَّنوا من ارتكاب ما يريدون من شهوات , ونشر ما يريدون من شبهات دون حسيب أو رقيب متناسين قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )(النساء1) وقوله تعالى (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( المائدة 117) "ومقام المراقبة جامع للمعرفة مع الخشية ، فبحسبهما يصح مقام المراقبة" ([1]) ولكن هيهات هيهات أن يدرك أحد هذا المقام ما لم يُنب إلى ربه ويستغفره قال تعالى (وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )( التوبة 94) وقد غاب عن هؤلاء أن المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف فلم يغن ذلك عنهم شيئا قال تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(التوبة 67) والمتأمل لهذه الآية يرى أن الله تعالى لم يذِكر المنافقين فقط كما في كثير من الآيات بل نص على المنافقات كذلك , فالأمر ليس محصورا بالرجال بل النساء كذلك , وقد سمعنا كثيرا من النساء وقرأنا لهن عبر وسائل الإعلام ممن يستهزئن بشعائر الإسلام  قال السعدي -رحمه الله تعالى - : " يقول تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) لأنهم اشتركوا في النفاق ، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا ، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم. ثم ذكر وصف المنافقين العام ، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير ، فقال: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) وهو الكفر والفسوق والعصيان (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة .ا.هـ([2]) وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)([3]) قال المناوي الشافعي -رحمه الله تعالى- في بيان معناه : " أَي حكمه حكمهم ؛ لِأَن كل مَعْصِيّة مِيرَاثٌ من أمةٍ من الْأُمَم الَّتِي أهلكها الله – تَعَالَى- فَكل مَن لابس مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ مِنْهُم "ا.هـ([4]) ولا شك " أن التشبه الظاهر يدعو إلى التشبه الباطن، والوسائل والذرائع إلى الشرور قصد الشارع حَسْمها من كل وجه "([5]) وأولئك المنافقون في زمنه -صلى الله عليه وسلم - كانوا يدَّعون الإصلاح ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) (البقرة 12) ويكفي بشرى للمنافقين والمنافقات قوله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا )(النساء145) وفي ظل هذه الهجمات المتوالية على هذه الشعيرة المباركة , والتي لعظمها عدَّها بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام ([6]) , بل إن دعوة الأنبياء والرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين - قائمة على الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر ؛ إذ الأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين والصدق والعدل وتلاوة القرآن وصلة الأرحام والحجاب وحسن الخلق والجهاد والإحسان للخلق والدواب وغيرها كله أمر بمعروف , والنهي عن الشرك والبغي والظلم , والوعيد لمن ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج , والتحذير من الكذب والغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل وأذية الجار وغيرها كلها من النهي عن المنكر , بل إن إقامة الحدود من قتل للمرتد , ورجم للزاني المحصن , وجلد وتغريب للزاني البكر , وقطع ليد السارق , وجلد لشارب الخمر والقاذف كلها من الأمر بالمعروف والنهي عن النكر , وهذا كله من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم : قال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(الأعراف 157) والله تعالى أمر عباده المؤمنين بما قام به سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فقال عز وجل (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(آل عمران104) والأمر هنا لعموم الناس كل حسب قدرته كما سيأتي في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال ابن الجوزي الحنبلي -رحمه الله تعالى- : " قوله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) قال الزجاج: معنى الكلام: ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن «مِن» هاهنا تدخل لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين، ومثله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) معناه: اجتنبوا الأوثان، فإنها رِجس "ا.هـ([7]) وقال ابن كثير الشافعي -رحمه الله تعالى- : " والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه "ا.هـ([8]) وقال النسفي -رحمه الله تعالى-  : " المعروف ما وافق الكتاب والسنة , والمنكر ما خالفهما , أو المعروف الطاعة , والمنكر المعاصي , والدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك " ا.هـ ([9]) وقال شيخنا العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى - : " والمعروف هو : كل ما أمر الله به ورسوله ، والمنكر هو : كل ما نهى الله عنه ورسوله فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية، ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية " ا.هـ([10]) وقيل : "  الْمُنْكَر اسم جامِع لكل مَا يكرهه الله وينهى عَنْهُ , والمعروف اسم جامع لكل مَا يحبه الله من الإِيمَان والْعَمَل الصالح " ا.هـ([11])  ومَن الذي يُبيِّن أن هذا الأمر موافق للكتاب والسنة أو مخالف لهما ؟ إنهم العلماء الربانيون لا أرباب الشهوات , أو الشبهات المدلسون على الناس دينهم , والمتبعون لأهوائهم ممن لم يُعرف بعلم ولا عمل قبل تلك الفتوى أو المقالة ممن يتبع الأقوال المهجورة الضعيفة , والتي تستند على المتشابه مع وضوح مخالفته للمحكم وقد بيَّن ربنا – جل في علاه – وقوع ذلك في هذه الأمة فقال (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (آل عمران 7) قال أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله تعالى- : " إن المراد بالمتشابه المذكور في هذه الآية هو اللفظ المحتمل للمعاني الذي يجب رده إلى المحكم وحمله على معناه " ا.هـ([12]) والمقصود هنا بيان أن مرجعَ كون هذا الأمر منكرا ليُغيَّر أو غير منكر ليبقى الكتابُ والسنة وِفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا وِفق فهم مَن دونهم مما يُعارض ما قرروه -رضي الله عنهم- قال الألوسي الحنفي -رحمه الله تعالى- : " كلما كان المسلم أصدق اتباعا لرسول الله فيما جاء به من الله كان أصح إيمانا وأصدق إسلاما , ومقياس الاتباع عندهم اتباع كتاب الله على ما فهمه الصحابة من رسول الله ، واتباع سنته الصحيحة "ا.هـ([13]) وقال تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : " وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف ، الإعراضُ عن فهم كتاب الله تعالى ، كما فهمه الصحابة والتابعون، ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه ، وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسوله ، لكن على وجه النفاق والخداع "ا.هـ([14]) وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : " ولهذا كان ما فهمه الصحابة من القرآن أولى أن يصار إليه مما فهمه مَن بعدهم فانضاف حسن قصدهم إلى حسن فهمهم "ا.هـ([15]) .

* ومما يُستغرب في هذا الأمر هو تهافت جملة من الإعلاميين والناشرين والمدونين في الكتابة حول نقد أي معلومة تصدر من الهيئة مما لا توافق أهواءهم , أو نشر أي خبر دون التحقق من صحته , بل إن حال بعضهم كما قيل :

 إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا --- شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا ([16])

* ولكن سبحان الله كلما ازدادت الحملة على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلما ازدادت علوا فله تعالى الحمد والشكر .

* ولعلي هاهنا أشير إلى بعض فضائل هذه الشعيرة , وأهميتها , وكذا خطورة التهاون بها , فمن ذلك أنْ نعلم أنَّ من أعظم أسباب النصر والتمكين : هو نصرة دين الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر قال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) (الحج41) قال الرازي -رحمه الله تعالى-  : " وعد بالنصر لمن هذه حاله , ونصْر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر , ويكون قائما بإيضاح الأدلة والبينات ، ويكون بالإعانة على المعارف والطاعات " ا.هـ([17]) وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى- : " وصف نفسه بالقوة والعزة ، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وبعزته لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب، بل كل شيء ذليل لديه ، فقير إليه , ومن كان القوي العزيز ناصره فهو المنصور، وعدوه هو المقهور " ا.هـ([18]) لذا فنجد أصدق الناس في الأمر والنهي بعد الرسل - عليهم الصلاة والسلام - هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا قبل مبعثه في جاهلية جهلاء , وعصبية عمياء ، وفقر وجوع حتى أخرجهم الله من الظلمات إلى النور ، فحملوا شرعه ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، ولصدقهم معه –تعالى- فتح لهم بلاد فارس والروم ، ورزقهم من الطيبات مما لم يخطر ببال أحدهم قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - قال أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - : " يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ ، وَأَقَلَّ النَّاسِ، وَأَحْقَرَ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ "([19]) فلا عزة لنا إلا بالإسلام ، والإسلام مبناه على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؛ لذا قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ )([20]) فالحياء أضاعه كثير منا بسبب كثرة ما يشاهده من منكرات دون إنكار حتى تشربها قلبه ؛ لذا فلا تعجب أن ترى حال غياب رجال الحسبة في بعض الأماكن رقص النساء أمام الرجال الأجانب بدعوى الحرية , أو الترفيه فإن حضروا غاب ذلك ، وهربت الشياطين فسبحان مَن أكرم بعضَ عباده أنه متى رؤي ذُكر الله –تعالى- فعن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ؟ قَالَ: ( الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ )([21]) .

* ومن ذلك أن وعدنا ربنا -سبحانه وبحمده - بالرحمة التي هي أحوج ما نكون إليها ، وكذا بالجنة , والفوز العظيم متى أقمنا شعائره ، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (التوبة 72) قال البيهقي – رحمه الله تعالى - : " فثبت بذلك أن أخص أوصاف المؤمنين وأقواها دلالة على صحة عقدِهم وسلامة سريرتهم هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر "ا.هـ([22]) وقال القشيري -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) : " يعين بعضهم بعضا على الطاعات، ويتواصون بينهم بترك المحظورات فتحابّهم في الله، وقيامهم بحقّ الله، وصحبتهم لله، وعداوتهم لأجل الله تركوا حظوظهم لحقّ الله، وآثروا على هواهم رضاء الله أولئك الذين عصمهم الله في الحال، وسيرحمهم في المال "ا.هـ([23] )

*  قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (آل عمران 110) قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : " وتأمل أيها المسلم الذي يهمه دينه ، وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله –سبحانه- في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان ، مع كون الإيمان شرطا لصحة جميع العبادات يتبين لك عظم شأن هذا الواجب، وأنه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام "ا.هـ ([24]) وهذه الخيرية التي امتن الله تعالى بها علينا لم تأتنا كابرا عن كابر بل أكرم الله –تعالى- بها هذه الأمة لإيمانها بالله تعالى , وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر فمتى تخلفت عن ذلك ذهبت هذه الخيرية إلى من يقوم بذلك (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )(محمد 38) قال قتادة -رحمه الله تعالى- : ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجة حجها ورأى من الناس رعة سيئة ، فقرأ هذه: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) الآية، ثم قال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكِ الْأُمَّةِ ، فَلْيُؤَدِّ شَرْطَ اللَّهِ مِنْهَا )([25]) وسار على ذلك المفسرون قال الزمخشري الحنفي -رحمه الله تعالى- : " وقوله ( تَأْمُرُونَ ) كلام مستأنف بيَّن به كونهم خير أمّة ، كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم " ا.هـ([26]) وقال القرطبي المالكي -رحمه الله تعالى- : " قوله تعالى: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به ، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سببا لهلاكهم " ا.هـ([27]) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : " فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس: فهم أنفعهم لهم، وأعظمهم إحسانا إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر، حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد، وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ، وهذا كمال النفع للخلق ، وسائر الأمم لم يأمروا كل أحد بكل معروف ولا نهوا كل أحد عن كل منكر، ولا جاهدوا على ذلك "ا.هـ([28]) وقال القاسمي -رحمه الله تعالى - : " ونظير هذه الآية قوله تعالى: ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً - أي خيارا - لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ )(البقرة: 143) ، أي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ا.هـ([29]) .

* وقد بين الله تعالى لنا عاقبة مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن الأمم السابقة في قوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة 79) قال الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله تعالى - : " وهذا غاية التشديد ونهاية التهديد ؛ فبين -سبحانه وتعالى- أن السبب للعنهم هو ترك التناهي عن المنكر، وبين أن ذلك بئس الفعل ، ولا شك أن من رأى أخاه على منكر ولم ينهه عنه فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين ذلك المنكر وهو عدم الجد في إبعاد أخيه عن ارتكابه " ا.هـ([30]) وللشوكاني - رحمه الله تعالى -  كلام نفيس مفسرا به هذه الآية فقال : " قوله: ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ) جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، والإشارة بذلك إلى اللعن : أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر، ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله: ( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ) فأسند الفعل إليهم لكون فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعا ، والمعنى : أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها ، أو تهيأ لفعلها ، ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار ، وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية ، ولهذا كان تاركه شريكا لفاعل المعصية ومستحقا لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت ، فإن الله –سبحانه- مسخ مَن لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم ، كما مسخ المعتدين فصاروا جميعا قردة وخنازير ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (ق 37)  ثم إن الله –سبحانه- قال مقبحا لعدم التناهي عن المنكر: ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره "ا.هـ([31])

* ويؤكد ذلك ما رواه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )([32]) قال ملا علي القاري الحنفي رحمه الله تعالى : " والمعنى: واللهِ إنَّ أحد الأمرين واقع إما الأمر والنهي منكم، وإما إنزال العذاب من ربكم، ثم عدم استجابة الدعاء له في دفعه عنكم "ا.هـ([33]) .

* ونحن جميعا في سفينة واحدة وهناك مَن يسعى لخرقها وإغراق الجميع روى النُّعْمَان بن بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ ([34]) وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا )([35]) وهذا الحديث رد صريح على مَن يقول للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر : إن الأمر لا يعنيكم , ومالكم ومال الناس أو إن هذه وصاية ، وغير ذلك من العبارات المتداولة بل الأمر يعني الجميع نفعا أو ضرا نجاة أو هلاكا قال القسطلاني - رحمه الله تعالى - شارحا هذا الحديث : " (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر (وَالوَاقِعِ فِيهَا) أي في الحدود التارك للمعروف والمرتكب للمنكر (كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا) اقترعوا (عَلَى سَفِينَةٍ) مشتركة بينهم بالإجارة أو الملك تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً (فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ) بالقرعة (أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ) وللحموي والمستملي: فكان الذي (فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ) قال في المصابيح: يظهر لي أن قوله (الذي) صفة لموصوف مفرد اللفظ كالجمع فاعتبر لفظه فوصف بالذي واعتبر معناه فأعيد عليه ضمير الجماعة في قوله (إذا استقوا) وهو أولى من أن يجعل (الذي) مخففًا من (الذين) بحذف النون انتهى. وفي الشهادات: فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به (فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ) بضم النون وسكون الهمزة وبالذال المعجمة أي لم نضر (مَنْ فَوْقَنَا) وفي الشهادات فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء (فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا) من الخرق في نصيبهم (هَلَكُوا جَمِيعًا) أهل العلو والسفل ؛ لأن من لازم خرق السفينة غرقها وأهلها (وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ) منعوهم من الخرق (نَجَوْا) أي الآخذون (وَنَجَوْا جَمِيعًا) أي جميع من في السفينة وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها "ا.هـ([36]) لذا فإن لم يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر فستكثر المنكرات وسيهلك الجميع فعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ )([37]) والخبث الفسق والفجور ([38] ) فصلاح بعضنا وحده غير كاف في النجاة بل لا نجاة إلا بالأمر بالمعرف والنهي عن المنكر قال تعالى ( فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (هود 117) قال ابن عطية المالكي -رحمه الله تعالى- : " وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم "ا.هـ ([39]) قال تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (الأعراف 165) وقام أبو بكر -رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) (المائدة: 105) وإنا سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ )"([40]) قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- : " واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه ، وتارة خوف العقاب في تركه ، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه ، وتارة النصيحة للمؤمنين ، والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة ، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته ، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال " ا.هـ([41])

* ثم اعلم أنه فرض على كل مسلم ومسلمة أن يأمر بالمعروف , وينهى عن المنكر خاصة ما يتعلق بترك الواجبات , أو فعل المحرمات , قدر استطاعته فعن أبي سعيد الخدري - رَضي الله عنه - قال سمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم([42])  ورواه النسائي([43]) بلفظ (مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ، فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) قال شيخنا العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره، ولا يحتاج أن نقول: لابد أن يكون عنده وظيفة ، فإذا قال أحد : مَن الذي أمرك أو ولاك ؟ يقول له ؟ النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ". " ا.هـ([44])وقد أمر بذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه أمرا عاما كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال: ( إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا . فَقَالَ: ( إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ) قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (غَضُّ البَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ)[45] وقال السفاريني -رحمه الله تعالى- مبينا معنى التغيير باللسان : "  بأن تعظه وتذكره بالله وأليم عقابه وتوبخه وتعنفه مع لين وإغلاظ بحسب ما يقتضيه الحال، وقد يحصل المقصود في بعض المحال بالرفق والسياسة بأزيد وأتم مما يحصل بالعنف والرياسة ، كأن يقول لمن رآه متكشفا في نحو حمام : استر سترك الله " ا.هـ([46]) وقال النووي -رحمه الله تعالى- : " من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان فقد برى من الإثم، وأدى وظيفتهُ، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم، فهو العاصي "ا.هـ([47]) وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله  تعالى- : " فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه ، فمن لم ينكر قلبه المنكر، دل على ذهاب الإيمان من قلبه... لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط، عن أحد في حال من الأحوال "ا.هـ([48]) عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ )[49] قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - : " مراده أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن؛ بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ، ليس مراده أن من لم ينكر ذلك لم يكن معه من الإيمان حبة خردل: ولهذا قال: " وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ " فجعل المؤمنين ثلاث طبقات , وكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه لكن الأول لما كان أقدرهم كان الذي يجب عليه أكمل مما يجب على الثاني , وكان ما يجب على الثاني أكمل مما يجب على الآخر , وعلم بذلك أن الناس يتفاضلون في الإيمان الواجب عليهم بحسب استطاعتهم مع بلوغ الخطاب إليهم كلهم "ا.هـ([50]) وهنا أنبه على أنه لا يُنكر إلا ما هو منكر ظاهرا قال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- : " لابد أن يكون المنكر منكراً لدى الجميع ، فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر، إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له، فإنه ينكر على الفاعل "ا.هـ([51]) و قال الإمام القرافي المالكي -رحمه الله تعالى-  : " قال بعض العلماء لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون الملابس له عاصيا بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول "ا.هـ([52])

* وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون أمره ونهيه لله تعالى ، وفقا لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بالرفق واللين والحلم والصبر ، وإرادة الخير للناس قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )(فصلت 125) وقال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )( آل عمران 159) قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى : " يأمر بالرفق والخضوع ، فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون يريد أن ينتصر "ا.هـ [53]كما لا يحل لأحد أن يتجسس على مَن ستر نفسه ولم يُجاهر بالذنب قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا (الحجرات 12) وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: (إِنَّكَ إِذَا اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ) رواه أبو داود (4888) وأبو يعلى (7389) وصححه ابن حبان (5760) وعن زيد بن وهب قال: أتي ابن مسعود - رضي الله عنه - فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا , فقال عبد الله: " إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ" رواه ابن أبي شيبة (26568) وأبو داود (4890) ومما يلزم قبل الأمر والنهي ما ذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله تعالى- : " لا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي ،  ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم ، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود ، ولابد في ذلك من الرفق كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم – ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شانه )([54]) وقال: (إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ  فِي الأَمْرِ كُلِّهِ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ )([55]) ولا بد أيضا أن يكون حليما صبورا على الأذى؛ فإنه لا بد أن يحصل له أذى؛ فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح. كما قال لقمان لابنه: ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )(لقمان17) ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر كقوله لخاتم الرسل؛ بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة. فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) بعد أن أنزلت عليه سورة (اقرأ ) التي بها نبئ  فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ )(المدثر7) فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة وختمها بالأمر بالصبر ، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) وقال تعالى:( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا )(المزمل10) ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(الأحقاف35) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ)(القلم48) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)(النحل127) (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )(هود115) فلا بد من هذه الثلاثة: العلم  والرفق والصبر ، العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه ، والصبر بعده ، وإن كان كل من الثلاثة مستصحبا في هذه الأحوال ، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به ، فقيها فيما ينهى عنه ، رفيقا فيما يأمر به ، رفيقا فيما ينهى عنه ، حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه " ا.هـ([56])

* وأقول مذكرا أولئك الذين لا همَّ لهم سوى الدفاع عن المنكرات بمقالات تنشر عبر الشبكة العنكبوتية وتويتر والفيسبوك وغيرها ، وهم لم يشهدوا ذلك المنكر ، ولم يحضروه : بأنهم هم ومَن عمله سواء في الإثم والوزر فعن العرس بن عميرة الكندي  -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ( إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا - كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا )([57]) ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كلام يحكي حال المعترضين على شرع الله تعالى وأمره بنشر المنكرات من شبهات أو شهوات : " أهل هذا الاعتراض ثلاثة أنواع :
* أحدها: المعترضون عليه بآرائهم وأقيستهم، المتضمنة تحليل ما حرم الله -سبحانه وتعالى- ، وتحريم ما أباحه، وإسقاط ما أوجبه، وإيجاب ما أسقطه، وإبطال ما صححه، وتصحيح ما أبطله، واعتبار ما ألغاه، وإلغاء ما اعتبره، وتقييد ما أطلقه، وإطلاق ما قيده. وهذه هي الآراء والأقيسة التي اتفق السلف قاطبة على ذمها، والتحذير منها وصاحوا على أصحابها من أقطار الأرض وحذروا منهم، ونفروا عنهم.
* النوع الثاني: الاعتراض على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والخيالات، والكشوفات الباطلة الشيطانية، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه على لسان رسوله، والتعوض عن حقائق الإيمان بخدع الشيطان وحظوظ النفوس الجاهلة , والعجب أن أربابها ينكرون على أهل الحظوظ ، وكل ما هم فيه فحظ، ولكن حظهم متضمن مخالفة مراد الله، والإعراض عن دينه، واعتقاد أنه قربة إلى الله. فأين هذا من حظوظ أصحاب الشهوات، المعترفين بذمها، المستغفرين منها، المقرين بنقصهم وعيبهم، وأنها منافية للدين ؟ وهؤلاء في حظوظ اتخذوها دينا، وقدموها على شرع الله ودينه ، واغتالوا بها القلوب، واقتطعوها عن طريق الله، فتولد من معقول أولئك، وآراء الآخرين وأقيستهم الباطلة، وأذواق هؤلاء خراب العالم، وفساد الوجود، وهدم قواعد الدين، وتفاقم الأمر وكاد لولا أن الله ضمن أنه لا يزال يقوم به من يحفظه، ويبين معالمه، ويحميه من كيد من يكيد.
* النوع الثالث: الاعتراض على ذلك بالسياسات الجائرة، التي لأرباب الولايات التي قدموها على حكم الله ورسوله ، وحكموا بها بين عباده، وعطلوا لها وبها شرعه وعدله وحدوده.

* فقال الأولون: إذا تعارض العقل والنقل أيهما يقدم ؟  قدمنا العقل.
* وقال الآخرون: إذا تعارض الأثر والقياس: قدمنا القياس.
* وقال أصحاب الذوق والكشف والوجد: إذا تعارض الذوق والوجد والكشف وظاهر الشرع: قدمنا الذوق والوجد والكشف.
* وقال أصحاب السياسة: إذا تعارضت السياسة والشرع، قدمنا السياسة.
* فجعلت كل طائفة قبالة دين الله وشرعه طاغوتا يتحاكمون إليه.
* فهؤلاء يقولون: لكم النقل ولنا العقل. والآخرون يقولون: أنتم أصحاب آثار وأخبار ونحن أصحاب أقيسة وآراء وأفكار. وأولئك يقولون: أنتم أرباب الظاهر، ونحن أهل الحقائق. والآخرون يقولون: لكم الشرع ولنا السياسة. فيا لها من بلية، عمت فأعمت، ورزية رمت فأصمت، وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون، وأهوية عصفت فصمت منها الآذان، وعميت منها العيون. عطلت لها - والله - معالم الأحكام ، كما نفيت لها صفات ذي الجلال والإكرام ، واستند كل قوم إلى ظلم وظلمات آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم ، وصار لأجلها الوحي عرضة لكل تحريف وتأويل، والدين وقفا على كل إفساد وتبديل "ا.هـ([58]) ولله در هذا الإمام الذي فصَّل حال القوم أتقن وأجاد ، أما أنت أيها القارئ فأنزل هذا الكلام على ما يُكتب هنا وهناك ترى أن مَن ضل في هذا الزمان له سلف ممن سبق أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويعيننا على اجتنابه , اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، واستر اللهم عوراتنا وآمن روعاتنا ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
جمع وترتيب
د. نايف بن أحمد الحمد
حرر في 6/4/1433هـ

--------------------------------
([1] ) مدارج السالكين 1/157
([2] ) تفسير السعدي /167
([3] ) رواه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وسنده حسن كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح 10/271
([4] ) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/434
([5] ) بهجة قلوب الأبرار للسعدي/146
[6]) ) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " إن بعض العلماء عدّه ركناً سادساً من أركان الإسلام , والصحيح أنه ليس ركناً سادساً، لكنه من أهم الواجبات وأفرض الفروض " ا.هـ شرح رياض الصالحين 2/451
([7] ) زاد المسير 1/312
([8] ) تفسير ابن كثير 2/91
([9] ) تفسير النسفي 1/280 وقال السمين الحلبي -رحمه الله تعالى- : " قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ) : يجوزُ أَنْ تكونَ التامةَ أي: وَلْتُوجد منكم أمةٌ، فتكون «أمة» فاعلاً، و «يَدْعُون» جملةٌ في محلِّ رفعٍ صفةً لأمة، و «منكم» متعلِّقٌ بتكن على أنها تبعيضيةٌ، ويجوز أن يكونَ «منكم» متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «أمة» إذ كان يجوز جَعْلُه صفةً لها لو تأخّر عنها، ويجوز أن تكون «مِنْ» للبيان لأن المُبَيَّن وإنْ تأخَّر لفظاً فهو مُقَدَّمٌ رتبةً، ويجوزُ أَنْ تكونَ الناقصةَ فأمه اسمها و «يَدْعُون» خبرها، و «منكم» متعلِّقٌ: إمَّا بالكون، وإمَّا بمحذوف على الحال من «أمة» . ويجوزُ أن يكونَ «منكم» هو الخبرَ و «يَدْعُون» صفةً لأمة، وفيه بُعدٌ. "ا.هـ الدر المصون 3/339 وقال محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى  : " وقد اختلفت المفسرون في قوله - تعالى -: منكم هل معناه: بعضكم، أم " من " بيانية؟ ذهب مفسرنا (الجلال) إلى الأول ; لأن ذلك فرض كفاية، وسبقه إليه الكشاف وغيره.
وقال بعضهم بالثاني، قالوا: والمعنى: ولتكونوا أمة تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، قال الأستاذ الإمام: والظاهر أن الكلام على حد " ليكن لي منك صديق " فالأمر عام، ويدل على العموم قوله - تعالى -: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [103: 1 - 3] فإن التواصي هو الأمر والنهي، وقوله - عز وجل -: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [5: 78، 79] وما قص الله علينا شيئا من أخبار الأمم السالفة إلا لنعتبر به " ا.هـ تفسير المنار 4/23
([10] ) مجموع الفتاوى 3/267 
([11] ) موارد الظمآن لدروس الزمان 2/124
([12] ) أحكام القرآن 2/282
([13] ) مختصر التحفة الأثني عشرية /12
([14] ) درء تعارض العقل والنقل 5/383
([15])  الصواعق المرسلة 2/509
([16] ) التذكرة الحمدونية 4/108 غرر الخصائص الواضحة  1/590الشعر والشعراء 2/668عيون الأخبار 2/35
([17] ) تفسير الرازي 23/230
([18] ) تفسير ابن كثير 5/426
([19] ) رواه ابن المبارك في الزهد (584) وأبو داود في الزهد (66) والبيهقي في الشعب (7847) ونحوه عند الحاكم (207) وصححه على شرط الشيخين .
([20] ) رواه مسلم (58) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
([21] )  رواه النسائي في الكبرى (11171)والبزار (3626) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2557).
([22] ) شعب الإيمان 10/54
([23] )  تفسير القشيري 2/45
([24] ) مجموع فتاوى ابن باز 3/265
([25] ) رواه ابن جرير في التفسير 5/672
([26] ) الكشاف 1/400
([27] ) تفسير القرطبي 4/173
([28] ) الاستقامة 2/203 مجموع الفتاوى 23/128
([29] ) تفسير القاسمي 2/385
([30] ) موارد الظمآن لدروس الزمان 2/132
([31] ) فتح القدير 2/75
([32] ) رواه الإمام أحمد(23301) والترمذي (2169) وحسنه .
([33] )  مرقاة المفاتيح 2/2211 وانظر : التيسير بشرح الجامع الصغير 2/289 وفيض القدير 5/260
([34]) قال النووي رحمه الله تعالى : " معناه المنكر لها ، القائم في دفعها وإزالتها ، والمراد بالحدود ما نهى الله عنه " ا.هـ رياض الصالحين /106
([35] ) رواه البخاري (2493) .
([36]) إرشاد الساري 4/288
([37] ) رواه البخاري (3346) ومسلم ( 2880)
([38]) النهاية في غريب الحديث 2/6
([39] ) تفسير ابن عطية 3/214
[40]) ) رواه أحمد ( 1 ) وأبو داود (4338) والترمذي (2168) والنسائي في الكبرى (11092) وصححه ابن حبان (304) .
([41] ) جامع العلوم والحكم 2/255 لوامع الأنوار البهية 2/429 غذاء الألباب 1/227
([42] ) صحيح مسلم (78)
[43]) ) سنن النسائي (5009)
[44]) ) شرح رياض الصالحين 1/334
[45]) ) رواه البخاري (6229)
[46]) ) لوامع الأنوار 2/428
([47] ) رياض الصالحين /107
[48]) ) جامع العلوم والحكم 2/245 غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 1/227
([49] ) رواه مسلم (80)
([50] ) مجموع الفتاوى 7/428 غذاء الألباب 1/228
[51]) ) شرح رياض الصالحين 1/335
[52]) )  الذخيرة 13/304
([53] ) لوامع الأنوار البهية 2/428 الآداب الشرعية لابن مفلح 1/156
([54] ) رواه مسلم (2594) بلفظ (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
([55] ) روى البخاري صدره(6927) ورواه مسلم عدا (فِي الأَمْرِ كُلِّهِ) (2165) ورقم  (2593) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
[56]) ) مجموع الفتاوى 28/136
[57]) ) رواه أبو داود (4345) والطبراني في المعجم الكبير 17/139 رقم (345) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (689) 
[58]) ) مدراج السالكين 2/69


 

د. نايف الحمد
  • مقالات دعوية
  • الصفحة الرئيسية