اطبع هذه الصفحة


القوى الثلاثية

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@

 
من تفكر في العواقب أخذ الحذر ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر ومن قصر الأمل أحسن العمل ومن أطال الأمل أساء العمل وما من إنسان إلا وفيه ثلاث قوى :

القوة الأولى :
قوة البدن : وهذه القوة يشترك فيها الإنسان مع الحيوان مع أن الإنسان يسأل عن ذلك في يوم القيامة كما جاء في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه)).

القوة الثانية :
قوة العقل : وهذه القوة يشترك فيها المسلم مع الكافر مع أن الكافر ينفعه عقله في الدنيا لإعمارها ولم يحقق الحكمة العظيمة من خلقه وعلى ذلك لا ينفعه عقله في الآخرة فيقول عندما يحكم الله سبحانه وتعالى عليه بعدله وهو يتقلب في نار الجحيم : ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)).

القوة الثالثة :
قوة القلب : وهذه القوة لأهل الإيمان خاصة وقد كانت دعوة الأنبياء والرسل ومن سار على طريقهم ومنهجهم من العلماء والدعاة والمصلحين بإخراج الناس من الظلمات إلى النور باستهداف القلوب وتصفيتها من الشرك وشوائبه وتزيينها بزينة التوحيد والإيمان.

ومن أعظم الطرق المؤدية لزيادة قوة القلب بالإيمان التفكر في كتاب الله تعالى والتفكر في الآيات الكونية التي دعا إليها تبارك وتعالى في كتابه العزيز ودعا إلى ذلك خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة ليزداد المتفكر تعظيماً لله سبحانه وتعالى وإيماناً به ويكون دافعاً لفعل الخيرات وترك المعاصي والمنكرات ليفوز بالجنات.

وقد جاءت الدعوة الإلهية والنبوية للإحياء عبادة التفكر في الآيات العظيمة كما في حديث عبيد بن عمير رضي الله تعالى عنه أنه قال لعائشة رضي الله تعالى عنها : أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فسكتت ثم قالت : لما كان ليلة من الليالي قال : ((ياعائشة ذريني أتعبد الليلة لربي)) قلت : والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته ثم بكى حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يارسول الله : تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : ((أفلا أكون عبداً شكوراً لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).

ومن أعظم ثمرات التفكر في آيات الله عزوجل أن يحقق العبد مقام المراقبة ومن حصل على هذا المقام الرفيع وصل إلى أعلى مراتب الدين وقد سطر العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى كلاماً جميلاً واصفاً مقام المراقبة فقال : (المراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه) وكثير من الناس من يعلم بعض أسماء الله تعالى ومنها أنه الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير ولكن أين أثرها في حياتنا العملية ولهذا إذا أرد العبد أن يعرف قوة إيمانه فليراقب خلواته ومتى تحقق الوصول لهذا المقام الكريم نال العبد السعادة في الدنيا والآخرة قال تبارك وتعالى: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) وقال جل وعلا : ((مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ * لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)).

فإذا همت النفس بالمعصية فذكرها بنظر الله تعالى إليها فلا يكن الله أهون الناظرين إليها فإن على العبد من الله عيناً ناظرة والملائكة عليه كاتبة والكتب يوم القيامة ناشرة فأين لذة المعصية وأين تعب الطاعة رحل كل بما فيه والجزاء من جنس العمل.
 

أبو خلاد ناصر بن سعيد السيف
15 ذو الحجة 1432 هـ
https://twitter.com/Nabukhallad

 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية