اطبع هذه الصفحة


مشروعية العمل الدعوي

د. ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


     ما يصيب الأمة الإسلامية اليوم من تحزب واختلاف، فأضحت الأمة شيعاً وأحزاباً، يُخَطِّئ بعضُها بعضاً؛ إلا بسبب بعدهم عن المنهج الصحيح، وهو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والاعتصام بهما، والعمل بهما، ورد التنازع إليهما، فإنَّ السبيل الوحيد لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، هو الرجوع التام للمنهج الصحيح بالاعتماد على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، على فهم السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ففيه العصمة من التفرق والاختلاف، وفيه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. ([1])

      والدعوة إلى الله تعالى على المنهج الصحيح من أهم الطرق في جمع كلمة المسلمين ونبذ الفرقة والخلاف بينهم، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: (دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة). ([2])

     والعمل الجماعي الذي يساهم في نشر الدعوة إلى الله تعالى والخير بين الناس يحدد مفهومه أهل الاختصاص في علم الدعوة إلى الله تعالى بالتعاون المثمر البَنَّاء المُستطَاع الذي يدخل في حيز القدرة الشرعية ويؤدي إلى تنشيط واقع الدعوة الإسلامية ويسهم في إعزاز الدين ونصرته والتمكين للشرع المطهر، ويؤدي إلى النكاية في الكافرين بالضوابط الشرعية المعتبرة عند العلماء المعتبرين وبما لا يترتب على هذا التعاون مفسدة راجحة تمنع من الإقدام عليه. ([3])

     ومن أهم القضايا الدعوية في علم الدعوة إلى الله تعالى قضية حكم العمل الجماعي ومدى مشروعيته في الساحة الإسلامية، وتباينت الأقوال في هذه القضية على النحو الآتي:


1.
   القول الأول: بدعية العمل الجماعي: يرى هذا الفريق أنه لا شرعية لقيام هذه التجمعات ابتداء في مرحلة الاستضعاف، وأن الجماعة لا تكون إلا بعد التمكين ونصب الإمام.

2.
   القول الثاني: وجوب العمل الجماعي: يرى أصحاب هذا القول على أن إقامة الجماعات الدعوية، والانتظام في سلكها على أساس الطاعة لأمير، واجب من الواجبات الشرعية في هذا الزمان، فمن تخلف عنه فهو آثم.

3. 
  القول الثالث: مشروعية العمل الجماعي: يرى أصحاب هذا القول إنه لا منازعة في مشروعية الاجتماع على الخير والتعاقد عليه، والتزام الطاعة للقائم عليه في غير معصية، وذلك بالشروط الآتية:

 أ‌-    
  ألا يتضمن تحزبًا على أصل بدعي يخالف أصول أهل السنة والجماعة، فإن مثل هذا التحزب هو أساس نشأة الفرق الضالة.

 ب‌-  
ألا يقصد به منازعة السلطان المسلم الذي يحكم بشرع الله تعالى والسعي في نقض بيعته وحل عقدة إمامته؛ وذلك للأدلة التي تحرم النكث وتلزم بالأئمة وتوجب الطاعة لهم في غير معصية، وتنهى عن منابذتهم إلا بالكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان.

ج‌-  
  ألا يُعقد الولاء والبراء على أساس الانتساب إلى هذا الاجتماع؛ لأن معقد الولاء والبراء هو الكتاب والسنة على رسم منهاج النبوة لا غير.

        والعدل بين هذه الأقوال إن هذه التجمعات على خير ونفع ما دامت لم تقم إلا لهدف صالح، ولم تجتمع على بدعة أو ضلالة، ولم تختزل الإسلام في أطروحتها ورؤيتها، والعمل للإسلام إطار أوسع وأشمل يمكن أن يتحقق من خلال هذه الوسيلة ومن خلال الجهود الشخصية والأعمال المؤسسية العامة، وفي كل خير. ([4])

   والقول الصحيح أن العمل الدعوي الذي يتحقق به المقاصد الشرعية وجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها يكمن في الاكتفاء بالعمل الدعوي والخيري الذي تقوم به الجهات الرسمية المعنية بالدعوة إلى الله تعالى والعمل الخيري أو من يتعاون معها بالإشراف المباشر أو الغير مباشر؛ لأن من اهتمامات السياسة الدعوية في المملكة العربية السعودية حرصها الدائم في كل مكان وزمان على العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى والاهتمام بالعمل الخيري ومايتعلق بها وأعدَّت لذلك أجهزتها الرسمية ومؤسساتها الخيرية ودعمتها واهتمت بها في كل مجالاتها كإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وإنشاء إدارات الشؤون الدينية في جميع الجهات الحكومية والعسكرية، وإنشاء عدد من المعاهد والكليات المتخصصة في الدراسات الشرعية والدعوية في الجامعات السعودية. ([5])

 

@  @  @
 
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والقبول
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
7 ذو القعدة 1441 هـ
 

--------------------------------------------------
([1]) انظر: المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى، حمود الرحيلي، ص184.
([2]) انظر: الدعوة إلى الله تعالى، عبدالعزيز بن باز، ص 13.
([3]) انظر: إدارة العمل الدعوي، شحادته محمد صقر، ص105.
([4]) انظر: إدارة العمل الدعوي، شحادته محمد صقر، ص107 -108.
([5]) انظر: الملامح العامة للسياسة الدعوية للمملكة العربية السعودية، حمد بن ناصر العمار، ص72.


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية