اطبع هذه الصفحة


القائد يعتذر ......
لون من سياسة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم

نبيل بن عبد المجيد النشمي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


لم يُرينا التأريخ كمحمدٍ– صلى الله عليه وسلم – قائدا وزعيما ومربيا وداعيا وهاديا وبشيرا ونذيرا بله وانسانا .

في لحظات حرجة ودقائق صعبة وموقف ترتجف فيه القلوب وتضطرب من شدته الألباب وبينما النبي القائد – صلى الله عليه وسلم - يتفقد جنده في معركة الفرقان حتى إذا بلغ بين الصفوف سمع من دونها صوتا ولم يكن وحاشاه يتغافل كأن لم يسمعه بل أصغى بلقبه قبل لسانه وخاصة أن الصوت خرج بنفَس مظلوم يرفع مظلمته ومشتكي يجهر بشكواه .

ها هو الصاحبي الجليل سَوَاد بن غَزِيَّة رضي الله عنه يقف مع إخوانه كأنهم بنيان مرصوص منتظرا ساعة الصفر متجها بروحه لربه يهمس مخاطبا قائده : يا رسول الله ، أوجعتني !!
ولم يقل ذلك لمجرد الإخبار أو من الدعابة والمزح الثقيل كما يتغابى البعض في مثل هكذا موقف فالموقف لا يسمح بل يصرّح بذلك ويطلب طلبا غريبا فيقول : أوجعنتي فأقدني .
هكذا بكل حب وصدق وشجاعة أدبية ومطالبة بالحقوق مع المحافظة على احترام مقام القائد الأعظم – صلى الله عليه وسلم –يطلب القود أي القصاص .

لعل الموقف لم يسغ تقبله من البعض لكن إن تعجب فعجب موقف القائد ؛ فلم يُصدر أمرا بسجن الجندي أو بإخراجه من الصف أو قل على الأقل يتجاهله ويطلق في وجهه ابتسامة المغضب ، لم يفعل من ذلك شيئا بل فعل الأمر العُجاب : كشف عن بطنه وقال : ( استقد ).

أي عظمة هذه !! حُق للتأريخ أن يحني جبهته ويخفض هامته إجلالا وتعظيما لهذا الأنموذج الذي أذهل بخُلقه عقلاء الأعداء وألجم فصحاء الخصوم .

يتقدم للقصاص ولم يكن ظالما ولا قاصدا فوالذي خلق الذكر والأنثى ما غشى ليل ولا تجلى نهار على أعدل منه وأوفى بالحقوق منه ، ولم يفعل ذلك من باب الدعاية الإعلامية أو مسرحية زعيم أمام كاميرا إعلامه لنقل حركاته وسكناته ؛ لا ليس من أولئك ؛ فإن كان الشك يتطرق إلى وجود ما نراه بأعيننا فلا يتطرق إلى صدقه في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو .

إنها القيادة الفذة غير أنها القدوة المطلقة في أي مجال شئت ، لم يمنعه حرج اللحظة ؛ ولم تؤخره شدة الموقف ؛ ولم يحول بينه وبين الاعتذار مقام القيادة فهو إن أخطأ وتعدى على جندي من جنوده ولو بدون قصد بل هو بدون قصد يتقدم دون تردد ولا مراجعة للقصاص فهو حق ولابد تأدية وعلى الفور مادام المطالب قائم والدعوى مصرّحة بوجود ظلم ، كان يمكنه أن يؤجل أو أن يرفض فنحن في وضع يُقبل فيه قرار القيادة أيا كان حتى في مقاييس الناس العاديين وهو في حقه آكد وأوجب قبولا وتسليما لكنه كان فوق ذلك كله .

فوربك لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا الأنموذج لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فهو صناعة ربانية لا مجال للنقاش حول علو قدرها وارتفاع شأنها .

ولو تقوّل متقول ببعض الأقاويل أن هذا موقف شاذ وحالة خاصة وفي وقت حرج القائد فيه بحاجة للجندي الواحد فنقول له : ألقِ سمعك وقلبك شهيد للبيان التالي الموجه لعموم الشعب :
" أيها الناس : من كنت جلدت له ظَهْرًا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عِرْضاً فهذا عرضي فليستقد منه ) .

بعد هذا لا أخالك إلا رافعا رأسك بانتسابك إلى أمته وبأتباعك هديه صلى الله عليه وسلم
وختاما : إلى أولئك الذين يولون وجوههم شطر الغرب والقوانين الغربية والمنظمات الدائرة في فلكهم يلتمسون منها شفاء لما في صدورهم ودواء لأمراضهم وحلا لمشاكلهم تعالوا إلى ما هو خير لكم :
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " الأحزاب (21)
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ " النساء (170)

والحمد لله رب العالمين

 

نبيل النشمي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية