اطبع هذه الصفحة


قرارات التعيين ...
بتوقيع النبي الأمين "صلى الله عليه وسلم"

نبيل بن عبد المجيد النشمي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


ما بكت السماء والأرض على مثله ولو قُدر أن أمطار السماء منذ خلقت إلى يوم تبدل بغيرها صارت دموعا لكان أحق من تسكب لأجله هو محمد صلى الله عليه وسلم .
أقام مجتمعا وأسس دولة ليس من الصفر فحسب فهناك مجتمعات قامت من الصفر وهناك عظماء أقاموا مجتمعات من الصفر لكنه أقامه من الضد والند .
أقام مجتمعا وأسس دولة من أقسى درجات الظلم إلى أعلى قمم العدل ، ومن جهل كقطع الليل المظلم إلى علم حيّر السابقين واللاحقين ، ومن الحمية الجاهلية إلى العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ومن وأد الحقوق ونهبها إلى صيانة الدماء والأعراض والأموال لجميع الناس إلا بحقها ، ومن القتل بلا مسؤولية والهتك بلا رادع إلى ضبط النفس والتحكم بالهوى حتى من مجرد الكلمة أو الإشارة .
دولته التي أقامها في مثل عُمر صبي من غير مثال سابق وأعترف التأريخ بعجزه عن أن يكررها ؛ الوقوف عند جزئية من سياستها وإدارتها يحتاج إلى ندوات بل مؤتمرات بجلسات تعقبها جلسات لأخذ العبر والدروس والاستفادة منها في واقع اليوم وكل يوم إلى يوم الدين.
ألقى - صلى الله عليه وسلم - في الأرض رواسي العدل حتى نام الخليفة تحت الشجرة دون الحاجة إلى حراسة خاصة ولا أبواب مغلقة ولا أجهزة مراقبة .
وحتى لا نحلق بعيدا ونوصم بالمبالغة نضرب مثلا توضيحيا شريطة – إن رمت الفائدة - التأمل والتفكر والتخيل للحدث كأنك تراه :
قضية إصدار القرارات وبالذات قرارات التعيين ، وبأدنى تأمل في قرارات تعيينه صلى الله عليه وسلم تجدها بعيدة كل البعد عن أي حظوظ أو مؤثرات أو مواقف شخصية بل كلها قائمة على اختيار المناسب والأقدر والأولى مهما كان وضعه وعمره ونسبه وقربه وبعده من مصدر القرار .
كانت أبرز مؤهلات التعيين هي القدرات والملكات التي يملكها الفرد ، وبحسب حاجة المهمة لقدرات معينة يتم اختيار الشخص المناسب لها ، وليس هناك أدل على تحقق هذه القاعدة مما سطره التأريخ من معجزات وانجازات شبيهة بالخيال تمت بأيدي أولئك النفر كلٌ في مهمته المكلف بها .

وبين يديك غيض من فيض من أمثلة كشجر تهامة عددا وكأحُد شموخا ففي مقام التضحية والفداء كان المؤهل:

" رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " .
وفي مقام حفظ الأموال وجمع الخراج : " أمين هذه الأمة "
وفي مقام العبادة : " ليليني منكم أولو الأحلام والنهى "
وفي إمامة الناس في الصلاة " يؤم القوم اقرأهم "
ولما كان علي رضي الله عنه " أقضاهم " ومعاذ رضي الله عنه " أعلمهم بالحلال والحرام " بعثهما دعاة وقضاة ومفتيين ليعلموا الناس دينهم .
وفي هذا الشأن عموما أصدر تعميما سياسيا إبداعيا قال فيه : " إِنَّا لاَ نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلاَ مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ "وهذا من حكمته وسياسته الفذة في التعيينات التي أحوج ما نكون إليها في زماننا.
ويظهر حرصه على أمته ورأفته بأصحابه في صراحته معهم عموما وفي هذا الباب خصوصا إذ قال لأحدٍ طلبها : " إنك ضعيف وإنها أمانة فهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها »
ومع كل ذلك لا يترك المتابعة ولو احتاج الأمر إلى نزع الصلاحيات وإلغاء قرار التكليف إذا وجد ما يخل بالمسئولية ،كلف أحدهم بمهمة مالية فجاء وقد حصّل مالا وقال :هذا أهدى لي فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فقام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال العامل نبعثه على العمل من أعمالنا فيقول هذا مالكم وهذا ما أهدى لي فهلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمه فنظر هل يأتيه هدية أم لا ، هكذا بكل وضوح إعلان عام ليكون درسا للسابق وعبرة للاحق والله أعلم .
كل هذه وأمثلة غيرها زرافات ووحدانا مما يزيدنا يقيننا بحكمته صلى الله عليه وسلم وحنكته السياسية التي تصلح لكل زمان ومكان .


" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ "
والحمد لله رب العالمين


 

نبيل النشمي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية