اطبع هذه الصفحة


القضاء النبوي ينتصر للمرأة

نبيل بن عبد المجيد النشمي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يتشدق البعض ويتفيهق ويلوك لسانه بكلام يحسبه هينا وهو عند الله عظيم يطعن فيه بالشريعة ؛ تارة يبكي على حقوق يقول أنها مسلوبة ؛ وتارة يضحك من تصرفات بعض المسلمين وهي على الإسلام محسوبة ، ومشكلته القاهرة التي ليس لها من دون الله كاشفة أنه جمع بين الجهل بالشريعة وأُشرب الانبهار بالغرب فهو في سموم التغريب وحميم الجهل متقلب ، وظل من يحمومهما لا بارد ولا كريم .

وأكثر ما حوله يدندن ويقوم لأجله ويقعد : الحقوق ، وعلى الأخص حقوق المرأة والتي يدعي الحرص عليها والتضحية لأجلها ، رغم أن شعاره شهوة ودثاره شبهة تُعرف في لحن قوله وفصيح فعله ، وليته ثم ليته فعل ذلك غيرة وحمية ذاتية أو نتيجة لدراسة واقعية وأبحاث اجتماعية لا علاقة لها بمنظمات غربية ولا إملاءات خارجية ولا مفاهيم غير سوية لكن أن يجعل الغرب هو المقياس وحريتهم هي الأصل ولو خالف عقيدتنا وقيمنا فقد قام بدور الغراب وإن ادعى أنه هدهد سليمان .

والمرأة في الإسلام عزيزة مكرمة وما يحصل لها من جور فهو من تصرفات خاطئة ومفاهيم ليست من الإسلام في شيء فلو أنصف القوم لوجهوا اللوم على المخطئ لا على الإسلام دين الكمال والجمال والحقوق ، غير أن العبد حيثما يوجهه سيده وإن تباهى بالحرية فالعبودية فنون ومن أقبحها عبودية الهوى .

ويا ليت القوم يعلمون بما حوت دواويين السنة وما اشتملت عليه السيرة من تشريعات ومواقف تكرم فيها المرأة وترفع مكانتها وتحافظ على حقوقها فلو أعطوا عقولهم فرصة للبحث والقراءة في بعض منها لما قبلوا أن يهينوا أنفسهم بالوقوع في الجهل والتبعية ، لكن من يهن يسهل الهوان عليه ، ولا تملك شيئا لمن لا يحترم عقله غير أن تعرض عنه وتحمد الله أن عافاك .

ولنضرب مثلا بمجالس قضاء عادلة ومواقف نبوية أعطت المرأة حقها في اختيار زوجها وإن خالف رأي وليها بل وإن أمضى وليها رأيه فمن حقها ألا تقبل وأن تفسخ النكاح أصلا ، ولا نقبل أن يتقول متقول ببعض الأمثلة من الواقع التي تجبر المرأة على زواج لا تقتنع به ولا ترضاه ، فالعبرة بحكم الشرع لا بطغيان الواقع مع أن فساد الواقع لا يصلحه قانون الغرب وعندنا حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم .

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي ومصنف عبد الرزاق عن خنساء ابنة جذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه"[1]
وعن عبد الله بن بريدة أنه قال: جاءت امرأة بكر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخ له يرفع خسيسته بي، ولم يستأمرني فهل لي في نفسي أمر؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» . فقالت له: ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه، ولكن أحببت أن تعلم النساء أن لهن في أنفسهن أمرا أم لا"[2]
وروي أن ثيبا وبكرا أنكحهما أبوهما- وهما كارهتان- فجاءتا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فرد نكاحهما"[3]
وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج امرأة من بناته جاء إلى الخدر فقال: «إن فلانا يخطب فلانة» فإن حركت الخدر لم يزوجها. وقال في الواضحة: فإن طعنت في الستر بأصبعيها لم يزوجها، وإن سكتت زوجها "[4]
وابن عباس رضي الله عنهما" أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم"[5]
بل أكبر من ذلك وأعظم فكما أن للمرأة الحق في أن تقبل الزوج أو ترفضه لها الحق في طلب الزواج أصلا إن عضلها وليها ورفض تزويجها من كفئ ، والعضل باب فقهي مشهور يعبر عن منهج الإسلام الحقيقي في رعايته النفسية للمرأة وحاجاتها ، وجهل البعض بهذا الباب وأضرابه عيب فيهم حاولوا أن يلصقوه زورا في الإسلام ، فالمرأة الراغبة في الزواج إذا امتنع وليها - كان أبا أو من دونه - عن تزوجيها ربما طمعا في راتبها أو خدمتها أو نحوه فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده ؛ قال أهل العلم : إن الولي إذا امتنع من تزويج موليته كفؤا ترضاه فإن ولايته تزول إلى من بعده فمثلا لو امتنع أبو المرأة من تزويجها كفؤا في دينه وخلقه وقد رضيته ورغبت فيه فإنه يزوجه أولى الناس بها بعده فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من اخوتها أو أعمامها أو بنيهم"

وقبل ذلك وفوق ذلك يقول المولى عز وجل في الولي الذي يرفض تزويج المرأة التي تحت ولايته موجها ومحذرا ومهددا :
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[6]
وسبب نزول هذه الآية أن معقل بن يسار رضي الله عنه قال:"كنت زوجت أختاً لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله، لا تعود إليها أبداً، قال: وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه"[7]
الله أكبر ... إن تعجب من موقف الصحابي رضي الله عنه وتسليمه وامتثاله لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فأعجب منه أن تنزل آيات بينات من رب السموات نصرة للمرأة وتأييدا لها ولحقها في الزواج .

يا قوم هذه أمثلة وليست حصرا ونماذج وليست قصرا وظهر فيها بما لا يدع مجالا لمتفلسف أن يطعن في سمو الشريعة واحترامها لحقوق المرأة ، ألا فليدع الباكون على حقوقها المسلوبة بلكنة غربية وأحرف ليبرالية ؛ ليدعوا التشدق والصياح ويكفي تباكي فاللعبة مكشوفة ، والعودة إلى الرشد والاعتراف خير من الإصرار على ما كُشف عواره وافتضح أمره فلا يصح – والله – من عاقل أن يقال له السم في الشراب ثم يصر على أن يشرب بحجة ثقته بمصدره فأقل ما ينبغي فعله أن يفحص الشراب أو يتركه إن عجز ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطر الكتاب والسنة فهو الصراط المستقيم .

" وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)[8]

-------------------------------
[1] ) رواه البخاري (5138) و (6945)
 [2] ) رواه أحمد في المسند (6/ 136) ، وابن ماجه (1874).
[3] ) رواه عبد الرزاق في المصنف (10306).
[4] ) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (10277).
[5] ) أخرجه أحمد (1/273) ، وأبو داود (2/576)
[6] ) سورة البقرة 231
[7] ) صحيح البخاري رقم (4837
[8] ) سورة غافر .



 

نبيل النشمي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية