اطبع هذه الصفحة


رداً على إسحق أحمد فضل الله:
بحر لا تكدره الدلاء

نزار محمد عثمان


رداً على إسحق أحمد فضل الله:
بحر لا تكدره الدلاء

أ.نزار محمد عثمان
مدير إدارة الترشيد بمنتدى النهضة والتواصل الحضاري
2005-05-08
 

كتب إسحق أحمد فضل الله ـ في صحيفة الحياة عدد رقم 736 الصادر يوم الاثنين 2 مايو ـ مقالاً بعنوان: "محمد طه ومجلس الصحافة وخادم زياد" برأ فيه محمد طه من سب النبي وعزا ما نشر بالوفاق إلى خطأ وقع فيه "صحافي" يدير السهرة، وذكر أن رئيس التحرير لا يقرأ كل حرف، لذلك فإن محمد طه يكتفي باسم المقال، واسم المقال هو "مولد النبي" وعليه فالرجل معذور، وكل الخطأ هو خطأ أئمة المساجد الذين تحدثوا في خطب الجمعة عن سب الرسول فرسخوا سب الرسول في الأذهان!. ولم يتسع صدر إسحق للأئمة معشار ما اتسع لما نشرته الوفاق، فوصفهم بأنهم لا تقشعر جلودهم لسب النبي، بل يتلمظون له مثل من يتلمظ مذاق الخمر ووجه يتمعر من النشوة المرة، واستدل بأن الإنسان إذا سُبت والدته لا يسره أن يخرج للشارع يردد كلمات السباب لأن ذلك يخالف الغريزة النقية، ثم نصح الأئمة أن يَرِثوا فقه زياد الذي أنكر على خادمه أن تكون للحمار حرمة أكبر من حرمة أم زياد لأنه كنى في أمر سب الحمار وصرح في أمر سب أم زياد.
تعجبت وأنا أقرأ ما كتبه إسحق لأنه استهل كلامه هذا بعبارة "لكن شيئاً واحداً لا يحتمل الجري: القانون والعدالة"، ثم إذا به يركض ركضاً لاهثا لا يدرك معه أنه ترك القانون والعدالة بعيداً خلفه، ومبعث تعجبي أمور كثيرة أسوق منها:
أولاً: الاستهانة الشديدة بسباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأمر في نظره لا يعدوا خطأ تحريريا وقع فيه موظف "سهرة" متعب، وللقارئ أن يعجب كيف يلتمس إسحق لمحمد طه الأعذار التي لم يقلها محمد طه نفسه، ولنا أن نتساءل إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يصرح محمد طه به؟ بل لماذا صرح بما يخالفه؟ وذكر أنه نشر المقال ـ متعمداً ـ ليرد عليه، ثم كيف يسوغ عقلاً أن يُنقل مقال من موقع مغمور في شبكة الإنترنت إلى صفحة صحيفة مع صورة مصاحبة دون قصد؟ حقاً إن هذا يذكرني بقول الملحدين الذين يرون أن الكون وجد مصادفة! لأن النشر الصحفي يمر بمراحل عديدة: فهناك من يكتب أو قل يختار المقال، ومن يراجعه موضوعياً ولغوياً، ثم هناك من يجيز نشره، ثم فنياً هناك من ينسقه ويختار له الصور المصاحبة والعناوين المرافقة، ثم هناك من يذهب به إلى المطبعة، ولا يصح عقلاً أن كل هؤلاء شخص واحد هو موظف سهرة متعب.
ثانياً: أئمة المساجد ليسوا بالسذاجة التي يكونون فيها أداة للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يعلمون، وبما أنني من خطباء الجمعة، فأقول لك إن قطاعاً عريضا استشار واستخار ورأى أن الأصلح أن يوضح للناس حقيقة ما جرى لليقين الراسخ أن هذه الشتائم لن تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، بل ستوضح عظم الجرم الذي وقعت فيه "الوفاق"، وإن كنت تخاف على عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً فاسمح لي أن أستعير عبارات "في ساحات الفداء" لأقول لك: "أرمي قدام، ورا مؤمن"، فمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أن ينال منها ملء الأرض من أمثال المقريزي، وعلى هذا فكل جهد في سباب الرسول صلى الله عليه وسلم، مصيره أنكى من مصير وعل الأعشى:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها***فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
أما قياسك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شتم أمهاتنا، فهو قياس غير موفق، وظني أن أئمة المساجد يتأسون بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه

أمن يهجو رسول الله منكم***ويمدحه وينصره سـواءُ
فإن أبي ووالدتي وعرضي***لعرض محمد منكم وقاءُ
لساني صارم لا عيب فيه***وبحري لا تكدره الـدلاءُ

فأئمة المساجد ووالداتهم وآباؤهم يرددون "بأبي أنت وأمي يا رسول الله"، ولا يخافون لأن من كان يعلم أن بحره لا تكدر الدلاء، لن يخاف على عرضه وعرض أبيه ووالدته، هذا هو منطق الغريزة النقية، والفطرة السوية، ألم ينقل لنا القرآن وصف المشركين بأن لله بنات، ألم يحك لنا القرآن أن أمنا عائشة رضي الله عنها تكلم بعضهم في عرضها، لكن من كان عرضه نقياً فلن تكدره الدلاء، بل سيضوع شرفه عطراً يملأ الأفاق.
ثالثاً: ليت حسن ظنك بأئمة المساجد يبلغ كسراً عشرياً من حسن ظنك بمحمد طه، إذاً لعلمت أن أكثرهم ما استطاعوا أن ينطقوا سباب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والعبرة تخنقهم، والدموع تترقرق من أعينهم، والألم يعتصر قلوبهم ليس خوفاً على عرض رسول الله فذلك أبعد من أن يطاله نصراني حاقد، ولكن إدراكاً لمقام رسول الله، وحسرة على الغفلة التي تكتنف المسلمين والمهانة التي تظللهم، فيساء لرسولهم وهم ينظرون. كأني بهم يتمثلون قول إبراهيم العاملي:

واللَه ما طلعت شمس ولا غربت***إلا وأنت مُنى قلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثـــهم*** إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فــرحا***إلا وذكرك مقرون بأنفـاسي

أين هذه العواطف الملتاعة التي حركت المصلين وزادتهم حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك الذي رسمه خيالك الجائر: إمام يتلمظ سباب رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن يتلمظ مذاق الخمر ووجهه يتمعر من النشوة!
رابعاً: أنت بذكرك قصة خادم زياد كنيت في العبارات وصرحت بالمعنى الفاحش، ولم تخرج عن حد اللياقة، وكذلك أكثر أئمة المساجد صرحوا بمعنى ما نقلته الوفاق وكنوا في عباراتهم، فما الذي يجعلهم من خدم زياد ويخرجك أنت منهم؟ أم أنك تكيل لنفسك بما لا تكيل به لأئمة المساجد ؟
خامساً: تشهد معاركك الصحفية الكثيرة يا إسحق أنك لا تترك كلمة شتم لك تمر إلا برد يعقبه رد مضاد تتوالى بعده الردود، فلماذا تريد لنا أن نرضى الشتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: "كلمة شتم قيلت في النبي الكريم وبدلاً من أن تمضي مثل كل نفحة من نفحات المجاري، تصبح كلمة تعاد في المحاكم وتجرجر وتمتد وتمتد" أهكذا بهذه البساطة نترك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر، لا والله ما هان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون سبابه كسباب أضعفنا. ثم إن الواقع يقول إن الذي يعاد ويجرجر ويتمدد ليس كلمة الشتم بل كلمة النهي عن الشتم، والتخويف من عاقبتها، فلماذا تُخلط الأوراق، وإنه لمن العجب أن يخاف بعضنا من أن تعاد كلمة النهي عن سب الرسول، ولا يخافون أن تقود هذه الاستهانة المخزية إلى استسهال شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمر عندهم ليس إلا نفحة من نفحات المجاري التي نتركها تمر! وبعيدا عن سابقة الوفاق التي هي الآن بين يدي القضاء ليقول فيها كلمته أقول إن "فتواك العامة" هذه غير مسبوقة وهي لا تخالف إجماع الفقهاء فحسب بل تخالف كذلك ما روي عن أهل الأدب؛ نقل ابن خلكان عن جمال الدين بن رشيق أنه أفتى ببيت المتنبي في النصراني الذي سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما ولي الملك الصالح مصر وهو:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى***حتى يراق على جوانبه الدم
وأقول بما قال ابن رشيق غير أني لا أرجع الفتوى للمتنبي بل لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطق به إجماع الفقهاء، ولا يصح إلا الصحيح.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية