اطبع هذه الصفحة


بستاني في صدري

نزار محمد عثمان


لا أجد مثالا لبيان أن السعادة أمر داخلي أبلغ من قول الإمام ابن تيمية رحمه الله (ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي)، فسعادة المؤمن نابعة منه لا منعكسة من خارجه .. لا يستطيع أحد أن يأخذها إلا أن تعطيها له، وبالمقابل الانفعالي هو الذي تنبع عاطفته من المجتمع والظروف من حوله. يفرح عندما يعامله مجتمعه معاملة جيدة ويحزن لعكس ذلك .. ويفتح الباب لآراء الآخرين وقصورهم ليتحكم فيه ..
إنّ الشخص المسؤول هو الذي يقدم المبدأ على النزوة، بينما الانفعالي هو الذي يجرفه تيار الأحاسيس والظروف والبيئة بعيداً عن مبادئه .. المسؤول هو الذي يقف ويقول أنا في هذا الوضع نتيجة للاستجابات السابقة (صحيحة كانت أم خاطئة) للمؤثرات التي قابلتني، ويختار الاستجابة الصحيحة لما يحدث له نعماء أو ضراء، مهتديا بمبادئه، ولا يهم حينها ما يحدث فكله خير إن كانت الاستجابة صحيحة.
المسؤولية تقتضي أن لا ننجرف وراء ردود الأفعال إننا حين نفعل ذلك نقع في جملة أخطاء، أهمها أننا نخرج عن مبادئنا إلى مبادئ الآخرين .. والله يأمرنا أن لا نفعل ذلك في قوله تعالى: ((قل كلٌّ يعمل على شاكلته))، فالشاكلة فُسرت بالطريقة والمنهج.
و أننا نتنازل عن حقنا في اختيار استجابتنا، ونجعل المؤثر ينتج استجابة آلية، فنتصرف تصرفاً غريزياً، فنصبح كالأنعام التي حُرمت نعمة الاختيار. و إننا نفقد المبادرة ونملِّك الشخص المُنفَعَل به مسؤولية أن يختار لنا سلوكنا. قرأت في مجلة (الريدرز دايجست) قصة مفادها أن رجلاً سار برفقة صديقه لشراء الصحيفة اليومية، فقابل بائع الصحف ببسمة عريضة وتحية طيبة، وأعطاه الثمن بأسلوب مهذب وطلب منه الصحيفة، في المقابل كان البائع مقطوب الجبين فظ الأسلوب بارد التحية .. أخذ الرجل الصحيفة وشكر البائع بعبارات رقيقة وابتسامة أرقّ وانصرف .. في الطريق سأل الصديق الرجل: لماذا عاملك البائع بهذه الطريقة؟ فأجاب أنه يتصرف هكذا في كل يوم، فغضب الصديق وقال للرجل: يفعل هذا كل يوم وأنت تتلطف به في كل يوم؟ فأجابه الصديق: نعم أنا أكبر من أن أعطيه حق أن يقرر لي كيف أتصرّف، أنا أحب أن أعامل الناس باحترام ولن أسمح له أن يخرجني مما أحبُّ إلى ما يحبُّ.
وأخيرا فالتصرف الانفعالي ليس فيه قوة. أرأيت إلى الحائط الذي يصد الكرة بقوة أيقال أنه قوي أم أنّ الرامي الذي بدأ الفعل قوي؟ إن الحائط الذي يختار أن يمتص الضربة ولا يصد الكرة ويفكر كيف يستجيب هو القوي. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) املك نفسك واختر استجابتك، تلك هي القوة.


 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية