اطبع هذه الصفحة


أمريكا: ليس علينا في الأمين سبيل

نزار محمد عثمان


أمريكا بلد الحضارة والحرية، والعدل والمدنية ـ كما يصفها مؤيدوها ـ، ما فتئت ـ منذ الثلاثاء الشهير الموافق للحادي عشر من سبتمبر 2001م ـ تواصل مسلسل السقوط القيمي المريع، والتنكر الحضاري المقيت لأخص الخصائص التي روج لها عدد كبير من منظري الليبرالية في عالمنا العربي، فنقضت غزلها في مواطن كثيرة بدأتها في أوساط المسلمين بأمريكا بتقنين الاعتقال دون توجيه تهمة، والحبس على ذمة التحقيق، وإباحة التجسس على الآخرين دون علمهم، وإطلاق الاتهامات دون دليل، ثم أكملتها في العراق باعتقال العشرات بل المئات من الأبرياء، ولم تتورع عن اعتقال النساء بغية أن يسلم أزواجهن أنفسهم، كما لم تتورع عن أخذ البريء بجريرة المسيء ـ في نظرها ـ فأخذت تمارس ـ عمداً ـ ما وصفوه بالاعتقال عن طريق الخطأ لتشابه الاسم أو توافق العنوان، وهذا الخطأ لا يصحح لأن العدل ما عاد يهمهم بقدر ما يهمهم إرهاب الشعوب الإسلامية وتشويهها، ثم توجت ذلك كله بتعذيب نزلاء سجن أبي غريب في العراق.
فضحت الصور التي سُرِّبت النفسية الأمريكية الاستعلائية، والنزعة الإمبريالية الوحشية التي تبتسم عند تعذيب الآخرين، وترفع الإبهام إلى أعلى ـ على الطريقة الأمريكية الشهيرة Thumbs up ـ لتعلن انتصارها على شعب أعزل وأفراد مجردين حتى من ملابسهم الداخلية.

إن صور التعذيب المشين الذي تعرض له عدد من أبناء أمتنا في سجن أبي غريب على أيدي مجموعة من الجنود الأمريكيين يلقي بدلالات عديدة من أهمها:
• أمريكا هي راعية الإرهاب الأولى، وعلي يديها وتحت سمعها وبصرها وبمباركتها ازدهر إرهاب الأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي.
• أمريكا[1] لا تحترم إلا إنسانها، وهي بذلك تابعة لسلفها من اليهود الذي كانوا يقولون: ليس علينا في الأميين سبيل. فلا ضير أن ينتهكوا حقوق الإنسان المسلم، ثم يتبعوا ذلك بالتبرير أو الاعتذار كما هو حالهم اليوم.
• أمريكا اليوم تفقد مصداقيتها أمام عقلاء الغربيين، بعد أن فقدتها سابقاً أمام الشعوب والحضارات الأخرى، ولم تعد انتهاكاتها لمبادئ الحرية، والعدل، والمساواة بخافية على أولي الألباب منهم، الذين باتوا يرون صورتهم في مرآة العالم الإسلامي فيستبشعون مايرون، لأنه أسوأ من كل الديكتاتوريات التي أدمنوا انتقادها، وفاخروا بالبعد عنها.
• أمريكا تبين أن إيمانها بما تدعو إليه من مبادئ وأفكار إيمان سطحي، والدليل أنه لم يملك أمام نار الاختبار إلا أن يكون زبداً يذهب جفاء، فاتحاً الطريق لما يبقي وينفع الناس من مبادئ الإسلام الراسخة التي لم تزدها نار الاختبار إلا بريقاً ولمعانا.
• أمريكا تساهم بأفعالها في تعرية فكرتها المحورية التي قامت عليها، ألا وهي الفكرة الليبرالية التي زعم البعض أنها النموذج الأخير الذي سيتوقف عنده الفكر وتعلن نهاية التأريخ.
• أمريكا ـ كعهدها دائماً ـ لا تقيم لعملائها وزناً إلا بمقدار مايربطها بهم من مصالح، واليوم قطعت لسان كل خطيب من زمرة المدافعين عنها، بعرضها لصور التعذيب، وأصبح الذين أنكروه ـ من أعضاء مجلس الحكم وغيرهم ـ وقالوا إنهم زاروا السجون وتأكدوا من عدم حدوثه فيها أضحوكة الشارع العراقي.
هذه بعض دلالات التعذيب الوحشي الذي تعرض له المحتجزون في سجن أبي غريب، ويبقى سؤال يحتاج إلى إجابة وهو لماذا أظهرت هذه الصور في هذا التوقيت على الرغم من أن الكلام عن التعذيب في السجون العراقية ليس جديداً؟ لعل الأيام القريبة القادمة توضح الإجابة علي هذا السؤال.

---------------------------------
[1] نعني بأمريكا هنا النظام الحاكم والنخب المؤثرة ولا نعني بها ـ بالضرورة ـ عموم الشعب الأمريكي.



 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية