اطبع هذه الصفحة


احذر الإدمان!

نزار محمد عثمان


في أوقات الكوارث والأزمات يصبح الهاجس الأكبر للكثيرين هو تتبع الأخبار عبر الفضائيات - التي ملأت الدنيا وشغلت الناس - فتجد الواحد ينفق الساعات الطوال متنقلاً من قناة إلى أخرى؛ يسمع ذات الأخبار، بل ربما يسمع الخبر الواحد من القناة الواحدة في الجلسة الواحدة أكثر من مرة!!.. ومع ذلك لا يشعر بالملل، ولا بإضاعة الوقت؛ لأنه يعتقد بأنه مشغول بأمر المسلمين - وقد لا يكون له من (أمر المسلمين) إلا المشاهدة!! -، كما يعتقد أنه بعيد عن أن يتأثر بالرسائل الخفية للوسيلة الإعلامية، وأنه مسيطر على الوضع!!، وقد لا يكون له من السيطرة على الوضع سوى حريته في ضغط زر الريموت كنترول؛ لينتقل من قناة لأخرى.
أحياناً كثيرة تختفي مشاكل إدمان متابعة التلفزيون في وقت الأزمات تحت غطاء الإيجابية المتمثل في أن مشاهدتها - فضلا عن كونها خيراً من كثير غيرها - تعني اهتماماً بأمر المسلمين، وفي ذلك بعض حقيقة؛ غير أن الذي لا يدركه كثيرون كذلك هو أنها تنطوي على كثير من المحاذير التي من أهمها أن المشاهدة هي أدنى درجات الاهتمام بأمر المسلمين، وقد لا تخلو في كثير من الأحيان من سلبية، وأنفع منها وأبلغ في الاهتمام أن نقلص وقت المشاهدة ونستبدله بالصلاة والدعاء للمنكوبين، وإعمال الفكر في كيفية دعمهم ومناصرتهم.
ومن المحاذير كذلك أن فلسفة الخبر الناجح عند المختصين تعنى بالإجابة على الأسئلة الخمسة (من، ماذا، متى، أين وكيف) وهذه لا تحوي السؤال الجوهري الذي يجعل لكل الأسئلة السابقة معنى؛ وهو: لماذا؟!.. وهذا هو الذي يحتاج للتأمل، وقارئ الخبر يتوفر له - من التأمل - أضعاف ما يتوفر لمشاهده..
كذلك من المحاذير أن الفضائيات العديدة المتوفرة للمشاهد العربي تقع تحت قسمين كبيرين أولهما القنوات الموجهة التي تريد أن تنشر فكراً معيناً؛ وهذه تنتقي الأخبار، وتفسح المجال للتحليلات التي تؤيد فكرتها.. وثانيهما القنوات التجارية التي تسعى للربح؛ فلا تعني لها الأخبار - التي يراها المشاهد (اهتماما بأمر المسلمين) - سوى مساحات زمنية مساعدة في ترويج الإعلانات لا أكثر؛ لذلك تسعى للإثارة على حساب الحقيقة.. ولا يهمها أن تزيد آلام المشاهد؛ بإجباره على البقاء في انتظار تفاصيل خبر الكارثة التي حلت بمسلمين عقب فاصل ماجن لعطر (هوجو) أو (أولويز بالأجنحة)!!..
لست أدعو لمقاطعة الأخبار؛ ولكني أحذر من إدمان مشاهدتها وقت الأزمات!!.. علينا أن نهتم بالمشاركة أكثر من المشاهدة، وأن نربي من حولنا على التفكير فيما نشاهد؛ وعدم أخذه كحقائق لا يتطرق لها الشك، وقبل هذا وبعده أن نقرأ ما كتب في نقد فلسفة الإعلام الأمريكي السائدة في العالم اليوم.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية