اطبع هذه الصفحة


السلام وجهة أم رحلة؟

نزار محمد عثمان


البركان الذي تفجر في يوم الاثنين الأول من اغسطس حرقاً وقتلاً وتدميراً، أظهر خللاً كبيراً في خطاب القادة والساسة ـ محليين وعالميين ـ لنا، لقد وعدونا في مطلع هذا العام (التاسع من يناير) أننا وصلنا للسلام، حتى قال كولن باول: ( تحول السودان من دولة مزقتها الحرب إلى أمه وحدها السلام، من مكان للمأساة إلى أرض للأمل)، وقال الأستاذ علي عثمان محمد طه في ذات المناسبة: ( لقد وصلنا إلى قمة أخر جبل في عذاباتنا، وصعدنا قمة مرتفعات السلام، لا جبال أمامنا بعد الآن، كل ما تبقى أرض مسطحة).
ثم جاءت أحداث الاثنين لتسخر من كل تلك الكلمات، وتوضح أن الجبال العالية لا زالت موجودة، والوحدة الشعبية لا زالت مفقودة. وأن القتل والحرق والتدمير وكل أنواع السوء يمكن أن تتجدد وتستمر.
من الخطأ البين أن يشاع بين الناس أن السلام قد تحقق بمجرد أنه تم توقيع اتفاق للسلام، حتى وإن كان اتفاقاً عادلاً (وهذا ما لا أراه)، لأن السلام ليس وجهة يصل الناس إليها ويتمتعون بالحياة فيها ما بقي من عمرهم، بل هو رحلة يقطعها الناس بالالتزام والجد وحسن الفهم وجميل المعايشة.
كذلك من الخطأ البين أن يراهن الساسة على تحقيق السلام اعتماداً على قيادات فوقية وأحزاب نخبوية، لأن التاريخ يبين أن هذا ليس هو الطريق، فطريق السلام هو إشاعة العدل ونصرة الحق، ولا سبيل إلا هذا، وإن أبرق الإعلام وأرعد، وأوعد وتوعد، وسعى إلى إقناع الجماهير بأنه سيتحقق السلام؛ شعر المواطنون بالعدل والأمن أم لا. وقراءة التاريخ فيها البيان، بدءاً بسلام وستفاليا ومروراً بمؤتمر باريس 1919م، وصولاً إلى اتفاقيات معاصرة مثل دايتون وأوسلو، وغيرها، التاريخ يبين أنه لم ينجح اتفاق واحد بإرادة فوقية، بل نجح بالسند الجماهيري والقناعة الشعبية.
إذا أردنا سلاماً مستداماً فعلينا أن نزرع السلام في قلوب الجماهير، بإشاعة الفهم الصحيح للإسلام، كما عليها أن ننزع من القلوب الغل والحقد الذي ظهر في أوضح صوره في أحداث الاثنين الماضي، وذلك أمر يحتاج لصبر ورؤية وعزيمة، وما أسهل أن ننشئ عشاً للسلام نقويه بالإعلام المقروء والمسموع والمرئي، ونفرّغ له الساسة من الجنوب والشمال، ونرفده بالخبرات الأجنبية، وما أصعب أن ننشئ سلاماً حقيقياً، علينا أن نتذكر دائماً أن عش السلام لا يقف في الهواء، ولا بد له أن يرتكز على غصن المجتمع، وتقويةُ العشِّ وإهمالُ الغصن أمر له نتيجةٌ واحدة، هي أن ينكسر الغصن، فيهوي العش. وذلك ما لا يريده أحد.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية