اطبع هذه الصفحة


برز الثعلب يوما

نزار محمد عثمان


لم تكن كلمات أحمد شوقي (برز الثعلب يوماً *** في ثياب الواعظينا) تعني لي أكثر من نشيد ضمن المقرر المدرسي؛ حفظته كما حفظت غيره، ونسيت منه مثل ما نسيت من غيره!!.. غير أنني سمعته في منتصف الثمانينات من خطيب الجمعة!! حيث ذكره من أوله إلى آخره في المنبر!! فبدا لي رقيقاً، عذباً، سائغاً، سهلاً!! وأصبحت صور القصيدة تتداعى إلى مخيلتي!! كلما رأيت واعظاً يتثعلب، أو ثعلباً يعظ!!..
وقد تداعت ذات الصور إلى ذهني عندما زارت كونداليزا رايس لبنان!! رأيتها تريد أن تجعل لبنان كحمار (كليلة ودمنة)؛ خدمة للأسد العجوز؛ الذي عندما عجز عن الصيد، أوعز للثعلب أن يقنع الحمار بزيارة الأسد حتى يتوجه ملكاً بعده!! فلما انقض عليه، وقطع أذنيه برر الثعلب ذلك بأن الأذنين تحولان دون لبس التاج؛ فلا بد من قطعهما!!.. وعاد الحمار لزيارة الأسد؛ فانقض عليه وقطع ذيله؛ فبرر الثعلب ذلك بأن الذيل يمنع من الجلوس على كرسي الملك؛ فلا بد من قطعه!!.. وعاد الحمار لزيارة الأسد؛ فانقض عليه وقضى عليه!!..
كونداليزا أرادت أن تجعل لبنان ذلك الحمار، وأن تقتطع منه الأذنين (المقاومة) بحجة أنها تمنعه من اللحاق بركب الدول المتقدمة.. ثم تقتطع الذيل بعد ذلك (وأظن أن الذيول كثيرة؛ ولا حاجة لتسميتها)؛ فجاءت في زيارتها تحمل تأييداً معلناً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وإدانة صريحة لحزب الله (الإرهابي)!!، ولم تقل كلمة واحدة في حق الأطفال الأبرياء، والشيوخ الضعفاء؛ الذين تقتلهم إسرائيل صباح مساء.. وليس بعيداً عنا ما حدث بالأمس في قانا.
ثم لما توحدت لبنان خلف المقاومة أرادت كونداليزا أن تستدرج لبنان للوقوع فريسة لإسرائيل، لكن لبنان ليست حمار (كليلة ودمنة)؛ لأنها لم ترحب بالزيارة، وأعلنت أنها لا تقبل التفاوض في شيء قبل إعلان شامل لوقف النار بغير شرط أو قيد.
لقد قدمت لبنان الكثير للعرب والمسلمين في أيام المحنة هذه!!.. لقد أظهرت لهم أن إسرائيل ليست أحسن حالاً من الأسد العجوز، وأنها دوماً في حاجة إلى الثعالب ليغطوا ضعفها، ويجملوا مظهرها!!.. كما بيّنت لهم أن نواطيرها ليسوا بنائمين عن ثعالبها!!.. وأبلغ من ذلك أنها أكدت للعرب جليّاً صدق من قال: (واهم من ظن أنه سيزداد طولاً بوضع عزته تحت قدميه)!!.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية