اطبع هذه الصفحة


جماليات جحر الضب

نزار محمد عثمان


ورد في في صحيح البخاري قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ‏‏لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، وذراعا بذراع؛ حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم).. قلنا: يا رسول الله!‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى؟).. ‏ ‏قال: (فمن؟)، وورد في رواية أخرى: (جحر ضب خربٍ).. ومما قاله أهل المعرفة بالأجحار أن جحر الضب يجمع بين القذارة الشديدة، والضيق الشديد؛ الأمر الذي لا يدع لعاقل مجالا لرؤية أي جماليات فيه.
غير أن كثيراً من المستغربين - على وزن مستشرقين، وأعني بهم معتادي دخول حجر الضب؛ تبعاً للغرب - لا يرون في جحر الضب ما تراه الفطرة السليمة؛ فالقذارة الشديدة، والضيق الشديد مذموم عندهم في كل حال؛ لكنه إذا اقترن بالغرب صار مقبولاً!، بل ومحموداً!!.. وتصير - تبعاً لذلك - القذارة الشديدة صفة محمودة عندهم؛ لأنها تعد نوعا من السلوك الشخصي الذي ينم عن البعد العملي في الشخصية الضبية؛ إذ أنها لا تجد وقتاً للنظافة، إضافة للنزعة الليبرالية فيها؛ إذ أنها لا تساير المجتمع في تقديره للنظافة؛ بل تستمتع جهاراً بالقذارة، وتتطالب المجتمع بأن لا يحرمها حقها في أن تكون قذرة، وتدعو الأمم المتحدة إلى إدراج القذارة ضمن حقوق الإنسان، ومحاسبة كل من يمجد النظافة؛ لأن في ذلك تعريضا بالشخصية الضبية!!..
ثم إنها تعتز أيما اعتزاز بضيق جحر الضب؛ لأن فيه وعيا بيئيا كبيرا؛ فهو دليل على العناية بالموارد الطبيعية؛ لأنه يأخذ مساحة صغيرة؛ تراعي توفير المكان للأجيال القادمة، كما تراعي عدم إهلاك الموارد؛ تمشيا مع متطلبات التنمية المستدامة!!.. ثم لماذا يأخذون على الشخصية الضبية حبها للضيق، ولا ينظرون للسعة النفسية التي أوجدت حب الضيق؟!..
إن النماذج لعشاق جحر الضب من المستغربين كثيرة وعديدة، انظر حولك، في الشارع، في الصحف، في القنوات الفضائية، وتحسر على الشخصية الضبية التي تبديها تلك التي لطخت وجهها بألوان متنافرة؛ فجعلته أقرب للوحة سريالية غير مفهومة، أوتلك التي لبست المحزق والضيق حتى لتعجب كيف تستطيع التنفس، أوذلك الذي يطالب بالتوقيع على اتفاقيات الأمم المتحدة التي تقر بزواج الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة، أو ذلك الكاتب الذي يدعو لفصل الدولة عن الدين، وغيرهم وغيرهم، ولا أبالغ إن قلت إن الذين يرون في جحر الضب جماليات بديعة كثيرون في مجتمعاتنا!!..
بقي أن أقول: إن الشخصية الضبية تنشط في الظلام: عند غياب ضوء الشمس، وتنام في النهار عند سطوع ضوء الشمس، وتقتات الحشرات؛ لذلك متى وجدتها - بصفاتها هذه - فلن تخطئ تصنيفها!!..قأأقا

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية