اطبع هذه الصفحة


فتاة الأحلام وكلب الكوابيس

نزار محمد عثمان


قال له: ما عدت أحب زوجتي! لقد انعدم الإحساس تماماً، ماذا أفعل؟ فأجاب: احبب زوجتك. قال: قلت لك إن الإحساس ماعاد موجوداً، كيف تريدني أن أحبها والصفة مفقودة؟ فأجاب: عزيزي إن احبب (فعل) وليس (صفة)، والإحساس بالحب هو ثمرة هذا الفعل (احبب). تحرك، أحبب زوجتك: استمع إليها، شجعها، أعنها، قدرها، امدحها... عندها سيتعاظم الإحساس بحبها.
الحوار السابق مثال ناطق عن العلاقة بين الفعل والصفة، الاصل في القضية الفعل، والصفة تاتي من تكرار الفعل: فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عن الله صديقاً)، ، لكن المسلسلات المصرية، والأفلام الهندية تبيعنا الوهم، وتقول لنا العكس، تحدثنا عن ذلك الإحساس الذي يأتي من أول نظرة، ويستمر حتى موت البطل، وعن ذلك الشعور الذي يأتي بلا مبرر، ويزيد دون فعل، عن ذلك الإحساس الذي يقولون إنه يهبط كالوحي على صاحبه، لا بل يأتيه في الأحلام، فيرى فتاة بعينها، يعشقها، ويسميها فتاة الأحلام (والحلم من الشيطان)، ثم يتوقع أنه سيقابلها في مكان ما، ليصيح عندها صيحة أرشميدس: وجدتها وجدتها!!
أي خداع أكبر من هذا؟ وأي تغييب للمسؤولية أكثر من هذا؟ عندما يصبح بعض شبابنا أسيراً لخيالات مريضة، تحلق به في سماوات الأحلام الوردية، وفضاءات الأوهام اللازوردية، بعيداً عن الواقع، ليصبح انفعالياً يغلب الإحساس على الفعل، ويفضل النوم على اليقظة.
إن المسؤولية تقتضي أن لا نسلّم أمرنا لأحاسيسنا، لأنها قد تكون بعيدة عن الصواب، كما تقتضي أن ندرك أننا قادرون على ترقية أحاسيسنا إذا كانت إيجابية محفِّزة، وعلى مغالبتها إذا كانت سلبية مقعِدة، وفي هذا السياق يفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح)، كما تقتضي أن ندرك كذلك أننا بأفعالنا نصنع أحاسيسنا، وكما يقول أهل الدعوة والتبليغ: إننا إذا فكرنا في الدنيا واجتهدنا لها جاء حبها في قلوبنا، وإذا أردنا الأخرة وسعينا لها سعيها جاء حبها في قلوبنا كذلك.
لا أقصد بكلماتي هذه التقليل من أهمية المشاعر والأحاسيس، فمكانتها في ديننا عظيمة، لكنني ضد أن نجعلها مبتوتة عن الفعل والحركة.
وما كنت أظن أن في الشباب الملتزم العامل لدينه، من يجهل ما قصدت إليه، أو يفكر بطريقة فتاة الأحلام هذه، حتى تكرر من أحدهم ـ وكان يبحث عن زوجة ـ قوله: لا، هذه ليست فتاة أحلامي، لمجرد تقييمه للصفات الحسية، قلت له مستهزئاً: ابحث عن فتاة أحلامك، وعندما تجدها تأكد أنها لا تمتلك كلب كوابيسك!!



 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية