اطبع هذه الصفحة


سيداو في الميزان

نزار محمد عثمان

 
مدخل:
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ـ والتي تعرف اختصاراً باسم (اتفاقية سيداو) (1) ـ بدأت فكرتها بمعاهدة حقوق المرأة السياسية، التي أعدتها مفوضية مركز المرأة بالأمم المتحدة، ثم تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، فأعدت إعلاناً خاصاً بإزالة التمييز ضد المرأة، ثم أجازت ذلك الإعلان عام 1967م، دعا ذلك الإعلان إلى تغيير المفاهيم وإلغاء القوانين الظالمة والعادات السائدة التي تفرّق بين الرجل والمرأة، مع الاعتراف بأن المنظمات النسائية غير الحكومية هي القادرة على إحداث هذا التغيير.
بعد إجازة الإعلان بدأت مفوضية مركز المرأة بالأمم المتحدة في إعداد معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1973م، وأكملت إعدادها في عام 1979م، واعتمدتها الأمم المتحدة في 28/12/1979م، وأصبحت سارية المفعول بعد توقيع خمسين دولة عليها في 3/12/1981م (2).

عرض موجز للاتفاقية:

ترتكز الاتفاقية على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة و الرجل في التشريع وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية، وكافة الأنشطة، اشتملت الاتفاقية على ستة أجزاء تفرعت منها ثلاثون مادة يمكن تفصيلها كما يلي:

الجزء الأول: التعريفات والتدابير:

تشرح المادة الأولى من الاتفاقية معنى التمييز ضد المرأة، وتنص على التماثل التام بين الرجل والمرأة، بغض النظر عن حالتها الزوجية.
بينما تتعرض المادة الثانية لوصف الإجراءات القانونية المطلوب من الدول الأطراف أن تتعهد بالقيام بها للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتشمل سبعة بنود منها إبطال كل الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها، واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على التمييز ضد المرأة.
المادة الثالثة تناولت التدابير التي يمكن أن تتخذها الدول الأطراف من أجل تطور المرأة وتقدمها على أساس المساواة مع الرجل، بما في ذلك التشريع.
أما المادة الرابعة فقد حظرت وضع أي أحكام أو معايير خاصة بالمرأة، وأوجبت أن تكون القوانين عامة للرجل والمرأة سواءً بسواء، كما سمحت بوضع قوانين مؤقتة خاصة بالمرأة للإسراع بمساواتها مع الرجل، وبعد تحقق هذه المساواة تصبح هذه القوانين الموقتة ملغاة.
أما المادة الخامسة فقد ألزمت الدول الأطراف بتجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنية وقوانينها الأخرى، وتَبَنِّي التدابير التشريعية والجنائية، وإقرار الحماية القانونية ضد التمييز، وتغيير القوانين والأعراف التي تشكل تمييزاً ضد النساء، وحث الدول على العمل على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على العادات العرفية المتحيزة لجنس دون الآخر، والممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، كما تحدثت عن المسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة الأبناء.
أما المادة السادسة فقد اختصت بوضع تشريعات مناسبة لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة.

الجزء الثاني: الحقوق السياسية:

ويحوي ثلاث مواد، تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة في المجال السياسي ترشيحاً وانتخاباً، ووظيفة وسلطة، وصياغة للسياسات ومشاركة في العمل التطوعي، وتمثيلاً للحكومات على المستوى الدولي، واشتراكاً في أعمال المنظمات الدولية، وفي حق اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها، وأن لا يُفرض على الزوجة تغيير جنسيتها إذا غير الزوج جنسيته وكذلك الأطفال.

الجزء الثالث:حق التعليم والعمل:

ويشتمل هذا الجزء على خمس مواد، تنادي بمساواة المرأة والرجل في مناهج التعليم وأنواعه، والتدريب والتلمذة الحرفية، وتشجع التعليم المختلط، وتدعو للعمل على إزالة المفاهيم النمطية لدور المرأة والرجل في الأسرة، وتساوي الفرص في مجال المشاركات الرياضية، وإدخال معلومات تنظيم الأسرة في المناهج الدراسية، كما تنادي بحق المرأة في اختيار المهنة التي تمتهنها، وضمان الحقوق المتساوية مع الرجل في فرص العمل والأجر والضمان الاجتماعي والوقاية الصحية، وتدعو إلى حظر فصل المرأة عن العمل بسبب الحمل أو إجازة الأمومة، وتحث على تشجيع إنشاء مرافق رعاية الأطفال وتنميتها، وتدعو إلى اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية، والمجالات الاقتصادية (الحصول على القروض والرهون وغيره من أشكال الائتمان المالي والاجتماعي)، والاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية وجميع جوانب الحياة الثقافية،كما أوْلَت اهتماماً بالمرأة الريفية، وناشدت أن تُكفل لها حقوق مساوية للرجال في وضع خطط التنمية وتنفيذها، والاستفادة من برامج الضمان الاجتماعي، والتدريب، وإنشاء التعاونيات، والمشاركة في جميع الأنشطة المجتمعية، وتوفير خدمات الإسكان والكهرباء والماء والنقل، وتوفير الخدمات والمعلومات في مجال تنظيم الأسرة.

الجزء الرابع حق الأهلية القانونية:

يشتمل هذا الجزء على مادتين، تركزان على منح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل في جميع مراحل الإجراءات القضائية، وتنادي بإبطال كافة الصكوك التي تحد من أهلية المرأة القانونية، وتنادي بمساواتها بالرجل في قوانين السفر واختيار محل السكن، كما تؤكد هذه المساواة في حق اختيار الزوج، وحق فسخ الزواج وحق الولاية والقوامة والوصاية على الأولاد، وحق اختيار اسم الأسرة والمهنة وحيازة الممتلكات والتصرف فيها، والحق في تحديد النسل وتحديد سن أدنى للزواج.

الجزء الخامس: الهيكل الإداري:

ويشتمل على ست مواد، تفصل في طريقة تكوين اللجنة الخاصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية، وتدعو الدول الأعضاء للتعهد برفع تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عما تم اتخاذه من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها؛ من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية في غضون سنة واحدة من التوقيع عليها، وتقرير آخر كل 4 سنوات يحوي وصفاً مفصلاً لهيكل البلد القانوني والسياسي ووضع المرأة في الدولة والمنظمات الطوعية، وما اتخذ من إجراءات لتطبيق كل مادة على حدة.كما توضح بعض اللوائح الداخلية لتنظيم أعمال اللجنة (CEDAW) واجتماعاتها، وكيفية رفعها لتقريرها السنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وجواز أن تدعو اللجنة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة للمشاركة في الاجتماعات في ما يقع في نطاق أنشطتها، كما لها أن تطلب تقديم تقرير عن تنفيذ الاتفاقية في هذه المجالات.

الجزء السادس: النفاذ والتوقيع والتحفظ:

يشتمل هذا الجزء على تقرير أن أحكام هذه الاتفاقية لا تمس أي أحكام تكون أكثر تيسيراً لتحقيق المساواة بين الجنسين وردت في تشريعات الدول الأطراف، أو في أحكام اتفاقية دولية نافذة، كما تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة ـ على الصعيد الوطني ـ التي تستهدف التطبيق الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، بينما تُبقي باب التوقيع على الاتفاقية مفتوحاً لجميع الدول، وكذلك باب طلب إعادة النظر في الاتفاقية عن طريق إشعار كتابي للأمين العام للأمم المتحدة. كما تقرر عدم جواز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية، وجواز سحب التحفظات في أي وقت بتوجيه إشعار للأمين العام للأمم المتحدة.
أما في شأن آلية حل النزاع بين دولتين موقعتين ـ حول تفسير الاتفاقية أو تطبيقها ـ فتقرر التفاوض أولاً، ثم التحكيم الدولي عند طلب أحد الدولتين ثانياً، ثم المحكمة العدلية الدولية ثالثاً. واختتمت الاتفاقية بالنص على حجية نصوصها باللغات الست المعتمدة للأمم المتحدة.

اتفاقية CEDAW في ميزان الإسلام:

يمكن بيان تهافت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في النقاط التالية:
أولاً: الاتفاقية صادرة عن الأمم المتحدة: المؤسسة الدولية التي حفلت أدبياتها بالخروج عن الأخلاق والقيم ليست القيم الإسلامية فحسب بل كل القيم؛ الأمر الذي حدا ببعض الباحثين أن يصف أحد صناديقها قائلاً: "إن هذه المنظمة الدولية ـ صندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية ـ يخطط برامجها مجموعة من الشواذ والمنحلين أخلاقياً" (3). ونظرة عجلى لتوصيات المؤتمرات التي أقامتها (القاهرة 1994م، بكين 1995م، استنبول 1996م، روما 1998م، لاهاي 1999م، … إلخ)، وإلى المفاهيم التي نادت بها (الصحة الإنجابية، الاختيارات الإنجابية، الثقافة الجنسية، الحقوق الجنسية للمتعايشين Couple، التوجه الجنسي، الجندرة، الأسرة غير النمطية، … إلخ )كافية للتدليل على ما ذهب إليه ذلك الباحث.

ثانياً: الاتفاقية مبدؤها ومنتهاها، ولحمتها وسداها، هو المساواة المطلقة والتماثل التام بين الرجل و المرأة
في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والقانونية ونحوها، وهذا مبدأ مجانب للصواب، مخالف لظاهر الكتاب، وصريح السنّة وما استحسنته العقول السليمة وقرّرته الفطرة القويمة. أما مخالفته لظاهر الكتاب فقوله سبحانه: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: 36]، وأمّا مناقضته لصريح السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (( إنما النساء شقائق الرجال)) (4)، وأمّا مناهضته لما استقرّ في الأفهام فهو مما لا يحتاج إلى كثير بيان، لوضوح أن الاختلافات في الوظائف الفسيولوجية لا بد أن تفضي إلى اختلافات في وظائف الحياة ضربةَ لازب.

ثالثاً: الاتفاقية مشحونة بجو العداء بين الرجل والمرأة،
فهي تصور العلاقة بين الرجل والأنثى كعلاقة ظلم تاريخي تريد أن تضع حداً له، وترتكز إلى عقلية شحيحة ترى أن الرجل إذا أخذ نصيباً أكبر فإن ذلك على حساب المرأة. والصواب أن الحياة ليست بهذا الضيق بل هي رحبة فسيحة تسعهما معاً، ولكل دوره ووظيفته في تناغم وتكامل لإثراء الحياة وتحقيق التعارف والمودة والرحمة وحفظ النوع، (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات: 13]، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [الروم: 21]، ثم إن اختلاف الأدوار الحياتية يقتضي اختلافاً في الحقوق والواجبات بلا ظلم أو إجحاف.

رابعاً: الاتفاقية تنمي روح الفردية،
وتنظر للمرأة باعتبارها فرداً مستقلاً وليس عضواً في أسرة أو جزءً من مجتمع.

خامساً: الاتفاقية تريد القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،
وذلك أمر لا يقبل عقلاً ولا منطقاً ولا وجداناً، لأن التمييز بكل المعايير فيه الحسن وفيه القبيح (5)، ولو استبدل اسم الاتفاقية باسم آخر كاتفاقية القضاء على جميع أشكال الظلم الواقع على المرأة لكان مقبولاً.

سادساً: الاتفاقية ناقصة لأنها تحدثت عن حقوق المرأة وأغفلت واجباتها،
فليس فيها بند واحد يلزم المرأة بواجب، والحق لا بد أن يقابله واجب؛ حتى يحدث الاتزان المطلوب في المجتمعات.

سابعاً: المادة الثانية من الاتفاقية تخالف الشريعة الإسلامية بمحاولتها القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،
والشريعة تؤيد التمييز الإيجابي للمرأة الذي يكون لها وليس ضدها، وتقرر مساواة المرأة للرجل في الأصل وكرامة الخلق، وفي المسؤولية وحمل الأمانة، وفي الجزاء الدنيوي والأخروي، والمساواة في استحقاق كل زوج لحقه، وإقامة الشعائر والاحتكام للشرائع وسمو الأخلاق، ثم تقرر التمييز الإيجابي لاختلاف بعض الوظائف الفسيولوجية للمرأة عن الرجل، فالمرأة لا تصلي ولا تصوم عند حدوث عارض أنثوي، ولكنها تساوي الرجل في قصر الصلاة في السفر والمرض، وتقرر التمييز الإيجابي عندما تحدد للرجل مسؤولية الإنفاق على الأسرة وجوباً يعاقب عليه إن أبى أو قصر، ثم لا تساويه في الميراث في حالات محدودة.
وحتى في الميراث فلا ظلم يقع على المرأة في التشريع الإسلامي؛ إذ أنها تأخذ أحياناً نفس نصيب الذكر إذا كانت أمّاً وتوفي ولدها (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) [النساء: 12]، وكذلك في حال الأخوة والأخوات من الأم (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) [النساء: 12].
إن الإحصاء للنسبة المئوية للحالات التي تأخذ فيها الأنثى نصف نصيب الذكر كشف أنها تساوي 13.33% فقط، والباقي 86.67% إما أن ترث مثلما يرث الذكر أو أكثر، فضلاً عن إرث الرجل في أغلب الأحوال يكون عاصباً منتظراً لما يفضل من أصحاب الفروض والأنثى في أغلب أحوالها ـ90% ـ تأخذ نصيبها فرضاً (6).
هذا و لا يعْزُبَنَّ عن البال أن الأنثى مصونة مكرمة في الشريعة الإسلامية، وأن وليها (الأب أو الزوج) ملزم بسكنها ونفقتها ونفقة أولادها، ولا تكلف بأن تنفق ديناراً واحداً ـ إلا عن طيب خاطر ـ مهما كانت غنية، وأنها في أهليتها المالية مثل الرجل ـ كما سبق بيانه ـ ليس لأحد عليها ولاية سواء كان أباً أو زوجاً، وللمرأة حق التصرف بالبيع والإقالة والخيار والسَلَم والصرف والشُّفْعة والإجارة والرهن والقسمة والإقرار والكفالة والصلح وغيرها من سائر العقود والالتزامات (7).

ثامناً: المادة الثالثة تتعلق بالإجراءات التي تمكِّن المرأة من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية على أساس المساواة مع الرجل،
ولم تحدد المادة هذه الحقوق ولا الحريات، ولم يتضح بعد ما إذا كانت تتضمن ما يعرف بالحقوق التناسلية التي وردت في وثيقتي المرأة والسكان العالميين أم لا؟

تاسعاً: المادة الرابعة تخالف الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية بين الجنسين،
وتتجاهل الاختلافات الفسيولوجية؛ إذ أنها تحظر وضع معايير خاصة بالمرأة، وتسمح فقط بوضع قوانين مؤقتة خاصة بالمرأة للإسراع بتحقيق المساواة وعندها تصبح ملغاة.

عاشراً: المادة الخامسة دعت إلى القضاء على الأدوار النمطية للمرأة،
ولا تعني بها دور الأم المتفرغة لرعاية أطفالها فحسب، بل تعني كذلك أنه يمكن أن تقوم أسرة غير نمطية من أنثيين، كما يمكن أن تقوم من رجلين وفي هذا إقرار للشذوذ الجنسي، وقد تكرر طرق هذا الموضوع من قبل الأمم المتحدة بمختلف منظماتها المتعلقة بالمرأة والشباب، وقد "أشار أحد مطبوعات الأمم المتحدة ـ وهو كتاب: الأسرة وتحديات المستقبل ـ إلى أن هناك 12 شكلاً ونمطاً للأسرة منها أسر الشواذ (الجنس الواحد)، في حين أن مؤتمر بكين للمرأة أقر وجود 6 أنماط للأسرة بحسب الوسط الاجتماعي خلافاً للفطرة الإنسانية السليمة" (8).
كذلك وصفت المادة الخامسة وظيفة المرأة بأنها وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي شخص!!

حادي عشر: المادة التاسعة تتعلق بهوية المرأة وحقها في التجنس،
وإعطائها حقا مساوياً للرجل فيما يختص بجنسية أبنائها، وهذا يخالف الإسلام لقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب: 5]، فنسب الطفل يكون لوالده وليس لأمه.

ثاني عشر: المساواة المطلقة في مناهج التعليم وأنواعه وفي شروط التوظيف والتعليم المهني
ـ التي نادت بها المادتان العاشرة والحادية عشرة ـ وتشجيع التعليم المختلط، تخالف الفطرة السليمة. وقواعد الشريعة الإسلامية، والفروقات الفسيولوجية التي أشرنا إليها آنفاً تقتضي أن تختلف مناهج التعليم في الأمور التي تؤثر فيها هذه الاختلافات الفسيولوجية، كالأعمال الشاقة للمرأة. أما التعليم المختلط للبالغين فهو حرام شرعاً؛ لما يجر إليه من مخالفات شرعية ومشاكل اجتماعية، وينبغي تجنبه حتى للطلاب دون سن البلوغ.
كذلك المساواة المطلقة بين الذكور والإناث في الأنشطة الرياضية لا يقرها الشرع، إذ أن طبيعة بعض الأنشطة لا تتناسب مع تكوين المرأة.

ثالث عشر: المساواة في الخدمات الصحية بين الرجل والمرأة التي نادت بها المادة الثانية عشرة لا غبار عليها
، غير أن توفير موانع الحمل للأنثى عموماً دون تحديد لارتباط ذلك بعلاقة شرعية (الزواج) أمر يقر الفاحشة ويشيعها ولا يرضاه الإسلام.

رابع عشر: الاستحقاقات الأسرية التي طالبت المادة الثالثة عشرة بالمساواة فيها بين الرجال والنساء والتي تشمل المساواة في الميراث أمر يخالف الشريعة الإسلامية ويظلم المرأة،
وقد فصّلنا في موضع سابق كيف أن الإسلام أنصف المرأة في أمر الميراث.

خامس عشر: المادة الرابعة عشرة تغلب إشراك المرأة الريفية بالعمل بأجر خارج البيت على دورها كأم وزوجة.
والأنشطة المجتمعية التي ذُكِرَت في نص المادة مبهمة وتحتاج إلى توضيح، كما أن توفير خدمات تنظيم الأسرة في الريف أكثر خطورة منه في المدينة لضعف المتابعة الصحية في الريف.

سادس عشر: المادة الخامسة عشرة تمنح المرأة أهلية قانونية متساوية مع الرجل،
وتنادي بإبطال الصكوك والقوانين التي تحد من أهلية المرأة القانونية، كما أن البند الثالث من المادة نفسها يخالف الشريعة الإسلامية التي جعلت شهادة رجل تساوي شهادة امرأتين، وتخالف رأي الجمهور في عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والقصاص، وهذا الفرق في الحكم ناتج من الاختلافات الفسيولوجية التي أشرنا إليها؛ فالرجل أضبط من المرأة في الأمور المالية، وقد سلف القول أن بعد المرأة عن الاحتكاك بمواطن الجرائم والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال، وعدم ضبطها لعواطفها عند وقوع هذه الحوادث، وغلبة الصراخ و إغماض العينين ونحوه عليها يجعل شهادتها غير مقبولة عند جمهور الفقهاء.
أما شهادة المرأة في ما يتعلق بأمور المرأة فهي مثل شهادة الرجل، وهذا ما ذكره القرآن في شهادة اللعان حينما يقذف الرجل زوجته وليس له على ما يقول شهيد (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) [النور: 6-9].
أما الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة والتي تقضي بحرية التنقل والسكن، فتتعارض مع مبدأ قوامة الرجل وضرورة استئذان المرأة لوليها قبل الخروج أو السفر. وقوامة الرجل للأسرة أمر يستسيغه العقل؛ فالأسرة مؤسسة ولا بد لها من قيادة تتخذ القرار بعد مشاورة الأطراف، وهذه القيادة هي الرجل، أما جو الندية والعداء الذي شحنت به الاتفاقية فلن يؤدي إلا إلى تفكيك هذه المؤسسة (الأسرة).

ثامن عشر: المادة السادسة عشرة تدعو إلى المساواة بين الذكر والأنثى في الزواج عند العقد وأثناء الزواج وعند فسخه،
وحق اختيار الزوج، وحقوق الولاية والقوامة، والوصاية على الأولاد، وحق اختيار اسم الأسرة. والمادة تخالف الشريعة الإسلامية التي قسمت الأدوار في الأسرة بين الرجل والمرأة، ولم تجعلها متساوية متطابقة فلكل حقوق وعليه واجبات.

ففي الإسلام عند عقد الزواج لابد من رضى الزوجة كما لا بد ـ عند الجمهور ـ من وليٍّ للزوجة وحضور شاهديْ عدل، كما لا بد من مهر يقدمه الزوج للزوجة أما أثناء الزواج فتقوم الحقوق على أمور منها (9):

1- العدل: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة: 228]، أي أن كل حق للمرأة يقابله واجب للرجل، وكل واجب للرجل يقابله حق للمرأة.
2- القوامة: قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء) [النساء: 34]، ومعناها القيام بشؤون الأسرة ورياستها وحماية أفرادها، وذلك لأن الرجل مكلف بالإنفاق علي الأسرة وتوفير احتياجاتها من مسكن وملبس ونحوه.
3- التشاور في شؤون الأسرة، ويستمر حتى بعد الطلاق في شؤون الأولاد.
4- التعامل بالمعروف وحسن المعاشرة؛ لقوله تعالى: (وائتمروا بينكم بمعروف) [الطلاق: 6]، (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19].
5- على المرأة حضانة الطفل في سنواته الأولى، والإشراف على إدارة البيت وطاعة الزوج في المعروف.
6- على الزوجين التعاون في تربية الأولاد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
7- على الرجل معاونة زوجته في أعمال البيت اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عند فسخ العقد فإن الزوج هو الذي يملك حق فسخ الزواج، إلا إذا اشترطت عليه الزوجة أن تمتلك هي هذا الحق عند العقد ووافق على ذلك، أما إذا أرادت الزوجة فسخ العقد دون أن تشترط على زوجها ذلك فيمكنها:
طلب الطلاق عن طريق القاضي إذا تضررت من الزواج.
مفارقة الزوج عن طريق ما يعرف بالخُلْع وهو الطلاق مقابل عوض مادي، (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) [البقرة: 229]، وفي السنة حديث ثابت بن قيس بن شمّاس.
أما أن تختار الزوجة اسم الأسرة فليس لها ذلك، كما أنه ليس للزوج أيضاً فاسم الأسرة في الإسلام يورث ولا يختار، والنسب يكون للأب وانتساب المرأة لزوجها دون أبيها ظلم لا يقره الإسلام ولا الأعراف العربية. أما خطوبة الطفل وزواجه في الإسلام فيصح عقد الصغير وتتوقف الإجازة على البلوغ. أما تنظيم النسل في الشريعة الإسلامية فجائز عند رضي الزوج والزوجة بعد تشاورهما.
تاسع عشر: المواد الإجرائية (من المادة 17 إلى المادة 30) في مجملها، تكرّس لاستعمارٍ داخليٍّ جديدٍ، وتقوِّي من سعي الأمم المتحدة للسيطرة على الدول، وتمكنها من تقوية النظام العالمي الجديد.

الخلاصة:

إن اتفاقية سيداو تخالف الإسلام؛ لأنها تقوم على أصول تخالف أصوله وترتكز إلى فلسفات تناقض عقيدته، وتهدف إلى إشاعة مفاهيم تخالف شريعته، وما يروج له البعض من أن هناك تغييراً في البنود المتعلقة بالتحفظات لا يغير من حقيقة مخالفتها للإسلام في شئ، وعليه يلزم أولي الأمر أن يجنبوا البلاد والعباد ويلات إقرارها أو التوقيع عليها.


----------
(1) جاءت لفظة سيداو CEADAW من تجميع الأحرف الأولى لاسم الاتفاقية باللغة الإنجليزية Convention on Elimination of All Forms of Discrimination Against Women
(2) كتاب الاتفاقية واللجنة صحيفة وقائع رقم (22) الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 1995م.
(3) مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة، صباح عبده، ص 1.
(4) مسند الإمام أحمد.
(5) اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد ا المرأة المعيار الفقهي، للأستاذ محمد إبراهيم محمد، ص 2.
(6) انظر رؤية تأصيلية لاتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، عواطف عبد الماجد، ص 70.
(7) انظر المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي، ص 45.
(8) مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة، صباح عبده، ص 3.
(9) رؤية تأصيلية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، عواطف عبد الماجد، ص 80-81.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية