اطبع هذه الصفحة


هل عليهم أن يموتوا!

نزار محمد عثمان


ذكر السيد شريفي مدير مكتبة النهضة الجزائرية، أنه التقى مرة مالك بن نبي وكان صديقا له، فأبدى له تذمره من قلة تفاعل الناس مع كتاباته الفكرية، وآرائه النقدية؛ فأجابه مالك متفكها: إذا أردت أن ينتشر فكرك ويأخذ مكانه المطلوب من منظومة الأفكار المؤثرة في واقع المجتمع والأمة فعليك أن تموت!
والتاريخ يشهد أن كثيرين لم ينصفهم زمانهم، ولم تقبل عليهم مجتمعاتهم، إلا بعد موتهم. ظني أنه لا يخلو مجتمع من متفردين بوجه من الوجوه، وظني أن بعض الفضلاء الذين نعايشهم قريبون من مجتمعاتهم جداً، أقرب من البعد البؤري لعدسة المجتمع، لذلك لا تراهم ولا تستشعر عظمتهم، ومتى ما أبعدهم الموت، وغيبهم الـثرى، وصلوا إلى بعده البؤري، فترجم العقل الجمعي المجتمعي صورة عظمتهم فعدلها، ورآها على حقيقتها، وكلما طال البعد الزمني بينهم وبين المجتمع كبرت صورتهم، وعظمت سيرتهم، ورآهم الناس أوضح وأعظم. رغم أن آخرين مثلهم لا يراهم ذات المجتمع فقط لأنهم قريبون جداً منه، أقرب من البعد البؤري لعدسته، وهكذا تمضي الدورة، وكأن هذا المعنى هو الذي قصده الشاعر الذي قال:
قل لمن لا يرى للمعاصر شيئا *** ويرى للأوائل التقديما!
إن هذا القديم كان حديثا *** وسيغدو هذا الحديث قديما!
وكثيراً ما نرى بعض أصحاب الحول الفكري من الكتاب، الذين ضعف عقلهم عن ترجمة الصورة، فبقيت مقلوبة عندهم. فلاهم استشعروا حَوَلهم، ولا حفظوا ألسنتهم، نراهم يعملون أقلامهم في هؤلاء، بينما نرى الدعاة مطرقين يرددون: (لا نأمن على حي الفتنة)، وذلك حق، ولكن أنأمن عليهم فتنة التوحد، وكشف الظهر، وقلة النصير؟!.
إنه لا بد من بقاء طائفة قادرة على رؤية تفرد المتفردين، منبهة لضرورة عونهم والوقوف معهم، لأنها رأت منهم ما لم ير غيرهم، وعرفت من فضلهم ما لم يعرفه غيرهم.
قال الحافظ البزار (وما رأيت أحدا كان أشد تعظيما للشيخ ابن تيمية من أخيه، كان يجلس بحضرته كأن على رأسه الطير، وكنا نعجب منه في ذلك ونقول: من العرف والعادة أن أهل الرجل لا يحتشمونه كالأجانب بل يكون انبساطهم معه فضلا عن الأجنبي، ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه، فيقول: إني أرى منه أشياء لا يراها غيري أوجبت علي أن أكون معه كما ترون. وكان يسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك).
هذه كلمات أردت أن أشد بها على يد إخوان أحسبهم يعملون لإعلاء كلمة الله، قَدَرَهم دعاةُ الباطل قَدْرَهم، وعرفوا خطرهم، ولم ينصفهم طلبة الحق، أقول لهم: صبراً، لستم وحدكم، هناك من يعرف، وينصف، ويشرككم في دعائه، فامضوا راشدين.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية